السياحة في طرطوس.. عناوين وشعارات جوفاء.. والشاطئ الرملي تتنازعه الملكيات الإدارية

السياحة في طرطوس.. عناوين وشعارات جوفاء.. والشاطئ الرملي تتنازعه الملكيات الإدارية

أخبار سورية

الاثنين، ٣١ يوليو ٢٠١٧

رغم ما تمتلكه محافظة طرطوس من مقومات سياحية طبيعية، لم تنل سوى الإهمال والعبثية من التقصير الذي قد يكون مقصوداً في ذهنية البعض من أبنائها بحسب رأيهم، الأمر الذي جعلها أقرب إلى المدن المنسية، لولا فسحة من الأمل والعمل الخجول على إقامة القليل من المنتجعات السياحية على نطاق شبه محدود، حيث المجمعات “بحراً وجبلاً”، تشكل مقصداً لكل زائر ومواطن مقيم، كونها تستحق الكثير والكثير ولكن!.

الخارطة السياحية

يمتد شاطئ طرطوس الرملي على طول أكثر من  سبعين كيلو متراً، يبدأ من الحميدية قرب الحدود مع لبنان، وينتهي مع الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية شمالاً،  كما توجد سلسلة جبلية تغطيها الغابات والتلال الحراجية، تشكل أجمل المناظر الطبيعية، ومنها الكفرون والنبي متى في صافيتا، وغيرها في الدريكيش والشيخ بدر والقدموس، تخترقها آلاف الينابيع الطبيعية المنتشرة والتي تشكل خزاناً طبيعياً لمياه الشرب، وأغلبها تذهب هدراً إلى البحر، أو تضيع في وديان سحيقة، وبالرغم من كل هذا ومع هذه المزايا “الإغرائية” لجذب الاهتمام من قبل المعنيين والمستثمرين، والعمل على بناء بنى تحتية لصناعة سياحية قادرة على أن تكون قاطرة للاقتصاد الوطني  ورافداً أساسياً لخزينة الدولة،  كما هو حال المدن المتشاطئة على بحرنا بضفتيه الشرقية والغربية، فبالنسبة للشاطئ بالرغم من وجود عدد من المجمعات السياحية، مثل الرمال الذهبية والشراع  والنورس وعشتار والشاطئ الزاهي وبلوتي وبعض المنشآت المستثمرة لصالح المنظمات الشعبية والحزبية وغيرها، ومع ذلك يبقى جزء كبير على طول الشاطئ على حاله بالرغم من استملاكه لصالح وزارة السياحة منذ عقود من الزمن، وبقي مشاعاً عاماً للعابثين بحقوق المال العام وممتلكاته، وبالتالي ضياع الملايين من الليرات هدراً جراء عدم القيام بأي عمل  بحسب الغاية من استملاكه، كما بقيت بعض العقارات كما هو حال شاليهات الكرنك والاحلام،  حيث استغل البعض جراء التقصير، وعدم المتابعة  لنصب الخيم، وتأجيرها عنوة للمواطن البسيط، واستغلاله أبشع استغلال مع عائلته بتواطؤ مع بلدية طرطوس، وقبض الرشاوى من قبل بعض المتنفذين والموظفين في مجلس المدينة، وحرمان حتى البلدية من عائدات كبيرة جراء هذا التواطئ ليبقى هذا الواقع المزري، إضافة لوضعه، تحت تصرف الإخوة الوافدين كإقامة مما حوله إلى تجمعات من صفيح، وخيم لا تليق حتى بالغاية الإنسانية لهؤلاء الإخوة والمنظر العام السياحي معاً!.

تطنيش مزمن

وأما السياحة الجبلية، فهي ليست أفضل حالاً، وجرى تطنيش مزمن من قبل وزارة السياحة على استغلال هذه الطبيعة وترويضها كمقاصد سياحية بشكل مخطط وعلمي مبني على إقامة البنى التحتية لوجود صناعة سياحية جبلية، ترتقي لما يحلم به المواطن والزائر معاً، ولولا وجود بعض المجمعات الجبلية في الكفرون، وهي محدودة وقليلة جداً، لتم شطب وجود أي معلم سياحي في هذه المناطق التي مازالت مواقع خام تماماً، لم تلحظها اهتمامات المسؤولين، وما زالت تحتاج للطرق الخدمية وبقية الخدمات الأخرى لكي تدلل لوجودها كمناطق سياحية بالرغم من ارتيادها بشكل شعبي لتشكل سياحة شعبية، ولكن بلا خدمات سياحية، وبلاعناوين سياحية رسمية مثل الديرون والدلبة وقلعة الكهف ومغارة الضوايات من جهة، ومن جهة ما يتعرض له الزائر من “قنص” واضعي اليد على هذه “الجلسات ” الشعبية على ما في جيوبهم، وأيضاً بعيداً عن دور رقابي سواء لجهة السياحة أو التموين، وفي ظل تدني لأبسط الخدمات والنظافة وحتى المعاملة التي تليق،  وأما المجمعات الجبلية، فماعدا منتجع مشتى الحلو الوحيد المنفذ منذ أكثر من 15 سنة على الأقل، فقد غابت نماذج مماثلة أو أخرى تنعش ذاكرتنا السياحية، وتساهم بإنعاش هذا الجبل والريف الجميل سواء في القدموس أو الشيخ بدر وحتى الدريكيش، حيث يشهد فندقها المنفذ منذ عقود وغير المستثمر لليوم على مدى غياب الرؤى للاستثمار في الصناعة السياحية لدى القائمين في وزارة السياحة والجهات الأخرى، ومنها القطاع الخاص الهارب دوماً من واجباته تجاه بلده، وهذا ما أبقى  الحديث عن خطط السياحة للترويج ودعم السياحة الدينية ضمن التمنيات ليس إلّا!!.

مصائب قوم عند قوم فوائد

مع أن حالة الازدحام التي يشهدها شاطئ طرطوس خلال هذه الفترة مع موجة الحر، وفي ظل  وضع الكهرباء المتذبذب، يضطر آلاف المواطنين للزحف نحو البحر طمعاً بقضاء نهارهم على شاطئه، والقيام بالسباحة لمن استطاع سبيلاً، وقدرة مالية، نظراً لعدوى الغلاء التي لم تبق أحداً خارج لهيبها، حيث تصل أجرة اليوم الواحد في أبسط المجمعات، رغم افتقارها لبعض الخدمات، إلى أكثر من خمسين ألف ليرة سورية، وفي هذا الموضوع تقول أم طارق من دمشق: جئت مع عائلتي إلى طرطوس للاستمتاع بالبحر، وهرباً من “الشوب” في الشام، ولكنني فوجئت بهذا الغلاء الفاحش، والاستغلال البشع من قبل أصحاب هذه الشاليهات، والإدارة العامة، حيث كانت كلفة الشاليه 60 ألف ليرة، بالرغم من عدم وجود مكيف، ووجود رطوبة عالية جداً، وكذلك غياب النظافة، والكثير من الخدمات المطلوبة الأخرى، وعند الشكوى لإدارة المجمع كان الرد: “إذا موعاجبك السعر فيك تخليه فوراً، وتوجد عائلة بانتظار حجزه بذات السعر”، ويصر بعض أصحاب هذه المنشآت السياحية على ترداد معزوفة بأن لا وجود لشاليهات شاغرة، فالكل “كومبليت”، ولاسيما بالنسبة للعائلات، وتحديداً أيام العطل، ولكن بعض القائمين والمشرفين على هذه المنشآت أكدوا بأن هذا الازدحام ليس حالة طارئة، أو بسبب وجود موسم السياحة، وحاجة الناس، ولاسيما من أبناء الداخل للبحر، وإنما بسبب اضطرار الكثير من الإخوة الضيوف لاستئجار هذه الشاليهات والمجمعات، ولاسيما الميسورون منهم الذين أجبرتهم الظروف الصعبة في مناطقهم الساخنة على ترك منازلهم، الأمر الذي دفعهم للمجيء إلى هنا، مع استمرار هذا الوضع، ويضيف المصدر بأنه نتيجة المقارنة بين الإقامة خارج الوطن بالنسبة لهؤلاء، وبين المكوث هنا مادياً، وغيره، كان الأفضل هو الخيار الثاني، ومن جميع الاعتبارات الأخرى الأمر الذي أعطى صورة غير منصفة لحقيقة الموسم السياحي بالنسبة لطرطوس، وتصنيف الموجودين على أساس سياحي، ومع ذلك تم استغلال هذا الجانب، حيث ارتفعت أجور الشاليهات بشكل مخيف وغير طبيعي، دفع ثمنه باهظاً المواطن متوسط الدخل الذي حرم من تأمين مكان لائق بالحدود الدنيا، مع بعض الخدمات المقبولة، والقبول بالوضع القائم من غياب النظافة وغيرها!.

ذهنية قاصرة

الأخطر والأغرب في كل ما يخص واقع الأملاك العامة الموجودة على طول الشاطئ، ومنها واجهة مدينة طرطوس البحرية، هو إشادة العديد من المؤسسات والنقابات مقرات تابعة لها، وبمساحات كبيرة  في مرحلة سابقة، الأمر الذي حرم فرصة إقامة الكثير من المنشآت السياحية طوال عقود من الزمن، وظلت هذه المواقع رهينة الظروف الجوية، وما تتعرّض له من رطوبة وملوحة البحر، وبعيداً عن التخطيط العمراني المعماري المناسب، حيث تآكلت مع الزمن وخلال فترة قصيرة مقارنة مع العمر الافتراضي للبناء، كما هو حال مبنى فرع الحزب القديم، ومبنى اتحاد العمال، ومديرية زراعة طرطوس القديمة، وغيرها الكثير، واليوم هذه المواقع شبه المهجورة وحتى المأهولة  منها بالموظفين بفعل الظروف الحالية شاهدة على قصر النظر الذي كان يقف وراء رغبة البعض من أصحاب القرار بوضع اليد على أهم المواقع المصنفة سياحياً وأجملها بحرياً، في حين كان يجب العمل ومنذ عقود لاستثمارها الاستثمار الأمثل كفنادق  ومجمعات سياحية،  وسلسلة مطاعم، وغيرها، ولا مشكلة بأن تعود ملكيتها لهذه المؤسسات، قبل أن تتحول إلى مبان آيلة للسقوط بفعل الرطوبة من جهة، وتعثر المشاريع السياحية من جهة أخرى، حيث يوحي المشهد العام اليوم وكأنك في “صحارى بحرية”!.

“البورتو” سابقاً

قد لا نجافي الحقيقة بأن واقع مشروع البورتو السياحي سابقاً، وجونادا حالياً، يشكّل أكبر فضيحة قانونية ومالية، فروائح فساد، والرشى طالت كل الذين تعاقبوا على العمل بهذا المشروع الذي كان بمثابة حلم لطرطوس، كما شكّل، بحسب كل المتعاطين بالشأن العام محلياً، مادة دسمة لأحاديث الناس بطريقة أساءت للسياحة في هذه المحافظة، وما تسرب عن تشكيل لجان رقابية وتفتيشية لمعالجة حالات كثيرة سببت هدراً، وضياعاً لحقوق المال العام والبلدية معاً، قدر بعشرات الملايين من العملة الصعبة بسبب التقصير، وعدم المتابعة المفترضة، ومع ذلك فإن آخر الأخبار الواردة تشي بوضع هذا الملف على نار هادئة تعيد الحقوق وتؤسس لمرحلة تختلف عن السابقة حيث كانت تجربة البورتو فاشلة بامتياز.!

لا جواب

للوقوف على حقيقة الواقع السياحي في طرطوس قمنا بتوجيه أسئلة خطية لمدير سياحة طرطوس المهندس يزن الشيخ منذ فترة ليست بالقصيرة وانتظرنا أكثر من 15 يوماً على أمل أن يأتي رد الشيخ، ولكن بلا نتيجة مع أن جوهر ما تضمنته أسئلتنا تتمحور حول دور مديرية السياحة والصعوبات التي تعيق تنفيذ المشاريع السياحية وتطوير السياحة الشعبية وغيرها بما ينقل الصورة الحقيقية لمنشآتنا السياحية ومصاعبها مع الجهات الأخرى، ولكن مديرسياحة طرطوس فضل عدم الرد على ما يبدو!!؟؟

بلدية طرطوس توضح

بعض تصريحات المسؤولين والمعنيين بالسياحة “المبطنة” حمّلت بلدية طرطوس مسؤولية وضع العراقيل بوجه تنفيذ مشاريع سياحية على طول المواقع التابعة عقارياً للبلدية، ولكن من خلال توجيه أسئلة خطية لمجلس مدينة طرطوس ورده لكل هذه التهم، حيث تضمن رد المهندس فوزي الشيخ ديب مدير الشؤون الفنية، الكثير من الحقائق ومنها ما يخص مشروع ضاحية الفاضل، فقد تم الإعلان عنه في ملتقى الاستثمار السياحي عن طريق وزارة السياحة، وتم التعاقد مع شركة كونكورد لتنفيذه خلال مدة 42 شهراً واستثماره لمدة 45 سنة، وقد تأخر إصدار المخطط التنظيمي التفصيلي للمشروع حتى نهاية 2015 لأسباب تنظيمية، وبالنسبة لمشروع عمريت فتم التعاقد على استثماره عام 2015 عن طريق وزارة السياحة بملتقى الاستثمار السياحي أيضاً وتسليم موقع المستثمر موقع العمل وحصل على رخصة إشادة سياحية إضافة لاستثمار مشروع البلوبي مع الشركة السورية للسياحة بالتراضي، والمشروع مستثمر حالياً، وبالنسبة للعقارات العائدة للبلدية في منطقة التنظيم الجنوبي، أشار الموعي توجد شرائح مسجلة أثرياً، وسيتم بالتعاون مع وزارة السياحة استثمار الشريحة الأولى وفق اشتراطات محددة تم وضعها من قبل دائرة الآثار، حيث تشكل شاليهات الأحلام الواجهة البحرية لتلك الشرائح، ويتابع الموعي بالقول على حرص البلدية لوضع كل المشاريع السياحية عن طريق الملتقيات السياحية وفق دفاتر شروط مالية وفنية وحقوقية توضع من قبل وزارة السياحة ووفق ماهو معتمد ومحدد بقرارات المجلس الأعلى للسياحة وفسخ العقود مع المستثمرين غير الملتزمين، كما تقوم البلدية حالياً بالتعاون مع وزارة السياحة بدراسة عقد استثمار مخيم الكرنك باعتباره من عقود الشواطئ المفتوحة، وتم رفع مقترح من مجلس المدينة لوزارة السياحة لفسخ العقد بسبب عدم التزام الجهة المستثمرة ببنوده، بالإضافة للبدل النقدي السنوي المتواضع قياساً مع الأسعار الرائجة، إضافة لعمل البلدية لمنح تراخيص اشغال شاطئية للشاطئ الغربي لضاحية الفاضل وبشكل موسمي لتكون كشاطئ للسياحة الشعبية، كما نفى الشيخ ديب بمعرض رده أي تقصير أو عرقلة لهذه المشاريع.

معلومات خاصة

كشف لنا أحد المصادر عن فسخ بلدية طرطوس لعقود ثلاثة مواقع كشواطئ مفتوحة تم التعاقد عليها منذ عام 2011 عن طريق وزارة السياحة بعد أن تم الإعلان عنها في ملتقى الاستثمار السياحي، ولكن بسبب إخلال المستثمرين ببنود العقود وعدم قيامهم بتنفيذ هذه العقود أو أية أعمال على الأرض بالرغم من كل الكتب الموجهة والمراسلات بعد مضي ست سنوات، كما تمت مطالبة الجهات المستثمرة بدفع مبالغ مستحقة مقابل فوات منفعة بملايين الليرات لصالح البلدية والمال العام..

لؤي تفاحة