أزمة عطش خانقة في ريف محافظة حماة والعجز المائي يصيب عشرات آبار المياه

أزمة عطش خانقة في ريف محافظة حماة والعجز المائي يصيب عشرات آبار المياه

أخبار سورية

الأحد، ٦ أغسطس ٢٠١٧

قبل عدة سنوات من الآن دق مؤتمر خبراء المياه العرب ناقوس الخطر، ودعا إلى ترشيد استغلال المياه ترشيداً  دقيقاً وصارماً، بل ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك، إذ دعوا إلى أن يكون للمياه سعر يوازي ندرته في الصحراء، وذلك لإجبار المستهلكين على التقنين والترشيد، وبخاصة في السنوات التي تشهد جفافاً تقل فيها الهطولات المطرية، حيث يشكل الأمن المائي قضية اقتصادية، إذ اختصرنا هنا كيفية ضمان سياسة جدية تحمي الثروة المائية من العبث بها واستنزافها.
وقد تزايدت الحاجة إلى استعمالها مع تزايد حاجات الإنتاج الزراعي والصناعي جراء النمو الديموغرافي المتسارع، ولعل ما نشهده الآن من بوادر أزمة مياه الشرب، ليس في مجال محافظة حماة فحسب، وإنما في مختلف المحافظات الأخرى، تختلف حدتها من مكان إلى آخر، حيث انخفضت مناسيب المئات من الآبار المختلفة الاستعمالات للشرب وسقاية المحاصيل الزراعية، ولم تعد قادرة على تلبية حاجة المواطنين لمياه الشرب، ومن هذا المنطلق راجت تجارة شراء المياه، حيث تعاني التجمعات السكانية في مختلف ريف محافظة حماة الشرقي والغربي، فبلدة بيت الوادي القريبة من ينابيع وادي العيون جفت لتعاني من أزمة عطش، وكذلك بلدة عين الشمس والشميسه، وتجمع ناحية عوج وقريتي بقصقص والصومعة، وغيرهما العديد من القرى بنسب مختلفة.
لكن بالمقابل، أو في المقلب الآخر يهدر الآلاف من المواطنين هذه المياه كحال بلدة نبع الطيب وعناب ونهر البارد في ريف حماة الشمالي الغربي في سقاية المحاصيل والمزروعات البيتية في الوقت الذي يجب أن تكون هذه المياه للشرب حصراً، كما يقول مدير عام مؤسسة مياه شرب حماة المهندس مطيع عبشي.

حالة الترقب
الآن تعيش العشرات من القرى في ريف محافظة حماة حالة من الترقب مع ارتفاع حدة العطش وانخفاض مناسيب الآبار، ما يرتب البحث عن حلول سريعة لا تتقدم عليها أولوية من الأولويات، بل قال لنا مواطن من بلدة بقصقص: إن أزماتهم مركبة، فلا تقتصر على مياه الشرب، بل على غياب الطرقات العامة، وتدني الخدمات، وهذا الحال ينطبق على العديد من القرى كحال قريبة ربعو أيضاً التي تفتقد شوارعها إلى عدة سيارات من الإسفلت، وقس على ذلك، فمن أزمة مياه الشرب نبدأ.

حفر 50 بئراً
يقول المهندس مطيع عبشي، مدير عام مؤسسة مياه حماة: إن الحكومة وافقت مؤخراً على حفر خمسين بئراًً في مجال محافظة حماة،  وفي معرض إجابته على توزيعها وتموضعها، أشار عبشي إلى أنها تتوزع في مختلف مجال المحافظة حسب الأولوية وشدة العطش والتجمعات السكانية حيث تم تخصيص مليارين ونصف المليار لهذه الغاية.
لافتاً إلى أنه سيتم هذا العام حفر خمس آبار دفعة واحدة في مجال مدينة مصياف إلى الآبار الأربع الباقية مع لحظ بناء خزان ارضي في السفح الغربي للمدينة بسعة خمسة آلاف متر مكعب، ويمكن أن يروي المدينة بالراحة فيما بعد، أي بلا استخدام المحروقات وتبلغ كلفة هذا المشروع لوحده 500 مليون ليرة سورية، وهو عبارة عن مشروع متكامل مع خطوط الضخ ما يشكل حلماً لمدينة مصياف وبخاصة أنه تم لحظ التزايد السكاني لأكثر من عشرين سنة أخرى.
أما في مجال مدينة حماة فتوجد لدينا 30 بئراً يضاف إليها الآن خمس آبار يتم حفرها لتصبح حصة حماة اليومية ما بين الـ 85 و90 ألف متر مكعب من هذه الآبار وخط الجر من أعالي العاصي الهرمل لمائة وعشرة آلاف مشترك، ومع هذا لا يمكننا أن نقول بالمطلق أنه لا بوادر أزمة عطش في مجال المدينة، لكن من المفترض أن يتعود المواطن على أن المياه لا يمكن أن تأتيه يومياً أو كل يومين، فالضغط السكاني كبير جداً يقابله استهلاك مماثل، فالمطلوب علقنة استخدام المياه وترشيدها فهي نعمة والعبث بها يفقدها.
ويشاركنا الحوار أحد المهندسين فيقول بأن هذا الكم من الآبار المراد حفرها هذا العام كانت تحتاج الى خطة خمسية لتنجز.
هدر واستنزاف
ليس ثمة شك في وجود علاقة عضوية وطيدة بين الأمن المائي وتوافره وبين الازدهار الاقتصادي بكل أشكاله، باعتبار أن تحقيق الأول يقود إلى ضمان تحقيق الثاني، كما أن فقدان الأول ينهي موضوعياً فقدان الثاني ولذلك يجب تعميم ثقافة عدم تبذير المياه وسوء التصرف في استخداماتها اللاعقلانية، وهذا ما يحدث في كل من تجمعات نهر البارد ونبع الطيب وعناب، أما من خلال سرقة المياه، كما قال مدير مياه حماة أو من الإفراط في استخدامها في سقاية المزروعات وبمساحات كبيرة جداً، ما يهدد بوصولنا لمرحلة تصبح فيه مياه هذه الآبار لسقاية المزروعات فقط، في الوقت الذي تعاني بعض القرى  المحيطة بهذا التجمع أزمة عطش خانقة وحادة جداً.
إلى ذلك قال معاون مدير موارد حماة المائية المهندس فادي العباس: من المعروف أنه كلما اتجهنا غرباً، وارتفعت الأرض عن سطح البحر، كانت الحاجة أكبر وماسة لتعميق الآبار عند حفرها للحصول على مياه الشرب، وقد تصل إلى ما فوق الـ 600 متر، والعكس صحيح في المناطق المنخفضة، مضيفاً بأن أزمة مياه الشرب في العديد من ريف حماة الغربي والشرقي لها عدة أسباب، منها عدم التركيز خلال السنوات العشر الماضية على أخذ الحيطة مما نحن فيه الآن، أو بما نحن مقبلون عليه من جفاف الآبار، وقلة الواردات المطرية الهاطلة، ولكن يبدو أن الهيئة العامة للموارد المائية، ووزارة الموارد قد أدركتا خطورة ماذا يعني غياب مياه الشرب، فخصصتا عشرات المليارات لحفر ما يلزم من آبار لمياه الشرب، وفي المقلب الآخر ما يلزم من إقامة خزانات وسدات مائية بهدف حصد المزيد من المياه التي كانت تذهب هدراً في فصل الشتاء، حيث من شأنها أن تغذي الآبار الجوفية لمياه الشرب، مشيراً إلى التذبذب الذي يصيب الإنتاج الزراعي جراء قلة الموارد المائية، كما حصل هذا العام، فكيف يكون الحال مع قضية مياه الشرب، كما هو الآن في العديد من ريف المحافظة؟.

الريف الشرقي عطشان!
وإذا ما اتجهنا شرقاً نحو ريف السلمية كبلدات وتجمعات السعن نلاحظ  أن مشكلة العطش أشد وطأة وقساوة من الريف الغربي، متزامناً ومترافقاً مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة، فالعنوان الرئيسي هناك، كما يقول الأهالي، أزمة مياه الشرب، ووحدها الصهاريج الناقلة للمياه من يروي ظمأ العطاش، ولكن بأسعار باهظة، وفقاً لما قاله أبو خالد المحمد، وزاد على ذلك: نحتاج إلى مياه الشرب لنا ولأرزاقنا من الأغنام والماشية الأخرى، فأقل بيت يحتاج يومياً إلى صهريج مياه، كلفته ما بين الأربعة آلاف والخمسة حسب سعته!.

إجراءات صارمة
تقول إحدى الدراسات الحديثة لفريق من الباحثين التابع للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة أكساد: إن جزءاً كبيراً من الوطن العربي يقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة، المعرّضة لأزمة مياه خانقة،  لذلك لا نرى أهمية تعلو على أهمية تأمين مياه الشرب، مع التركيز على اتخاذ إجراءات صارمة بحق المبذرين بمياه الشرب، وضرورة إعادة النظر بشرائح المياه، على أن يتوافق سعر المتر المكعب بشكل تصاعدي للحد من عمليات الهدر.
وتبقى مشكلة العطش قائمة في العشرات من قرى ريف حماة كريف ناحية السعن في ريف السلمية، وقرية بيت الوادي، وعين الشمس، والشميسة، وبقصقص، والصومعة في ريف مصياف، وغيرها من مدن وريف المحافظة، والمواطنون يشترون المياه، في الوقت الذي يبذرها آخرون؟!

محمد فرحة