ترشيد الكهرباء.. مهمة صعبة التنفيذ.. وحشد توعوي غير مفعّل على جبهة  الأمن الطاقي

ترشيد الكهرباء.. مهمة صعبة التنفيذ.. وحشد توعوي غير مفعّل على جبهة الأمن الطاقي

أخبار سورية

الأحد، ١٠ سبتمبر ٢٠١٧

منذ سنوات عدة، وفريق دائرة حفظ الطاقة في كهرباء السويداء يعمل جاهداً لنشر الوعي حول أهمية الترشيد في استهلاك الكهرباء، وكالنحت في الصخر يسعون للإقناع، إلّا أن اصطدام مفهوم الترشيد مع التقنين جعل المهمة صعبة أمامهم، متنقلين بين الدوائر الرسمية، والفعاليات الشعبية، والمؤسسات الإعلامية يمضون معظم وقتهم، والهدف الوصول لنقطة أساسية، وهي التمييز بين التقنين والترشيد.. ولكن المهمة صعبة.

اليوم ومع انخفاض ساعات التقنين، باتت عملية نشر الوعي أكثر سهولة لجهة إمكانية الحديث في مثل هذا الموضوع، والذي كان طوال فترة السنوات الماضية من المحرمات تحت عنوان “كيف لنا أن نرشد المقنن”؟.

تفاصيل المهمة تقول: كيف للمهندس سهيل زين الدين، وهو رئيس الدائرة أن يقنع ربة المنزل أنه عليك بالترشيد، ورغم قناعته الكبيرة بإمكانية تطبيق ذلك، إلّا أن تداخل المفاهيم في تفكير الشريحة العظمى من أبناء المجتمع جعل الواقع معقداً.

فما هو سبب إصرار فريق ترشيد الاستهلاك على تنفيذ مهمتهم رغم صعوبة التنفيذ، وما هي أدوات الإقناع التي بين أيديهم، وهل من عوامل قوة يملكون لتحقيق ما يسعون إليه؟.

الكرات والثقوب

نظرية الكرات والثقوب التي تعمل من خلالها شركة الكهرباء، وهي تحقيق تطابق حجم الكرات مع حجم الثقوب الموجودة في ساحة معية عند رمي تلك الكرات في تلك الساحة، وإذا كانت الساحة بالنسبة للشركة هم المواطنين وحاجتهم للمعلومة هي الكرات، فبقدر تطابق مساحة الثقوب مع حجم الكرات تتحقق النتيجة، قد تكون النظرية غير مفهومة لحد ما، أما بالنسبة لزين الدين وفريقه، فهو يعي تماماً كيف يطبقها.

يقول المهندس زين الدين:  “يعتقد غالبية الناس بأن مفهوم ترشيد استهلاك الكهرباء يعني تقييداً لحريتهم في استخدامهم الكهرباء والاستفادة من مصادرها، لاسيما أن التيار الكهربائي في سورية يشهد حالياً ومنذ السنوات الست الماضية انقطاعاً لساعات طويلة بعد اتباع وزارة الكهرباء برامج التقنين الكهربائي إثر الاعتداء على المحطات الكهربائية من قبل العصابات المسلحة، وبالتالي خروج عدد كبير من المحطات الكهربائية عن الخدمة في ظل غياب الطاقات المتجددة بأنواعها المختلفة “ريحية – شمسية – طاقة حيوية، إلّا أن هذا الواقع يفرض، وبالضرورة إعادة النظر بتنظيم سلوكنا اليومي في مجال حفظ وترشيد الكهرباء، سواء في القطاع المنزلي أو في الدوائر الحكومية، فلو علمنا أن إطفاء مصباح واحد استطاعته 100 W لسنا بحاجة لإنارته في كل منزل لمدة خمس ساعات في اليوم يحقق وفراً سنوياً يقدّر بحوالي “30” مليار ليرة سورية، فإن هذا ربما يعيد حساباتنا من جديد كي نكون مساهمين في ترشيد الكهرباء، لاسيما أن الحكومة السورية تقدّم دعماً لسعر الكيلو واط الساعي الكهربائي، و بالتالي انخفاض قيمة التكلفة على المواطن مقارنةً بدول العالم”.

عنفات معنّفة

في الحديث عن الترشيد والاستهلاك لابد من توسيع الدائرة لتشمل التحديات التي يتعرض لها قطاع الكهرباء وإجراءات الأمن الطاقي إن كانت موجودة أم لا؟.

المهندس نضال نوفل مدير عام مؤسسة الكهرباء في السويداء، يتحدث عن  تعرّض قطاع الكهرباء منذ بداية الأزمة إلى تحديات كبيرة طالت كافة مكوناته من محطات توليد وتحويل وشبكات نقل وتوزيع، حيث تقوم العصابات الإجرامية بالوكالة عن مشغليهم بالتخريب الممنهج للبنية الأساسية لقطاع الكهرباء، ما أدى إلى توقف معظم عنفات الكهرباء التي  تم تركيب أغلبها في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. ويتضح من ذلك، “و الحديث للمهندس نوفل”، أن بناء قطاع الكهرباء تم خلال الفترة المذكورة ضمن خطة الدولة في التنمية المستدامة، وعمودها الفقري الطاقة، موضحاً أن عدم وجود تنوع في مصادر الطاقة في سورية أدى إلى – “إذ إن حوالي 95 % من الحمل يعتمد بشكل أساسي على المحطات التي تعمل على الغاز والفيول”- خروج المحطات عن الخدمة إثر انقطاع مصدر الوقود خلال الحرب على سورية، ناهيك عن غياب أية مساهمة للطاقات المتجددة بأنواعها المختلفة في الحمل ، ما يفرض التوجه بالسرعة  القصوى إلى إيجاد مصادر أخرى للطاقة، إذ يُعد تنوع مصادر الطاقة أحد أهم أركان الأمن الطاقي الذي يعني ضمان التوازن بين أشكال الطلب على الطاقة والتزود بها، وعن واقع الطاقات المتجددة في سورية التي كثر الحديث عن ضرورة الاستفادة منها لحل أزمة الطاقة ذكر المهندس نوفل أن الاستفادة من هذا القطاع تتطلب استثمارات كبيرة، وقد قامت الحكومة بإصدار التشريعات المناسبة لمثل هذا النوع من الاستثمار، مبيّناً انطلاق بعض مشاريع الطاقة الكهروضوئية مثل مشروع نجران الذي تم وضعه في الخدمة، ومحطة عجمان في قرية حوط جنوب السويداء التي بدأ العمل بتنفيذها، وستكون باستطاعة 1 ميغا.

اللصاقة الطاقية

وبيّن نوفل تدني كفاءة الطاقة في القطر من خلال مساهمة وحدة الطاقة في الدخل القومي للفرد، والتي تعد من أقل النسب في العالم، وبيّن سبب ذلك بأن 71% من الاستهلاك يتم في القطاع المنزلي، وقطاعات التجارة، والدوائر الحكومية، ومن هنا تأتي أهمية ترشيد استهلاك الطاقة في هذه القطاعات، ونوّه نوفل بأهمية اللصاقة الطاقية في رفع كفاءة استخدام الكهرباء، وهي البطاقة المرفقة للأجهزة الكهربائية التي تبيّن الدرجة الطاقية لاستهلاك الجهاز، فشراء الأجهزة المنزلية ذات الاستهلاك القليل من قبل جميع المواطنين يحقق وفراً كبيراً على المواطن والدولة يقدر بمليارات الليرات السورية سنوياً، أما عن موضوع ترشيد استهلاك الكهرباء، وأهمية نشر ثقافة الترشيد، ودور المواطن في تطبيقها، فقد بيّن أن البعض يعتقد أن مفهوم الترشيد يعني الضوابط والإجراءات التي تقيد حرية استخدام الكهرباء، والاستفادة من مصادرها، أو أنه أسلوب خاص للتوفير ناتج عن نقص إمدادات الكهرباء، والحقيقة أن ترشيد الاستهلاك لا يعني تقليل الاستهلاك، وإنما يعني بالتحديد الاستهلاك الأمثل لموارد الطاقة الكهربائية المتوفرة واللازمة لتشغيل الأجهزة الكهربائية، بما يحد من هدرها دون المساس براحة مستخدميها، أو بإنتاجيتهم، أو المساس بكفاءة الأجهزة المستخدمة أو إنتاجها، ويتم تحقيق هذا الهدف من خلال اعتماد أساليب وتدابير حكيمة رشيدة في مختلف قطاعات الاستهلاك، لذا يعد ترشيد استهلاك الطاقة بمضمونه العام واجباً دينياً، وأخلاقياً، ووطنياً بكل ما لذلك من معان سامية، كما بيّن أهمية وفوائد ترشيد الطاقة، ودور المواطن في مجال حفظ وترشيد الكهرباء، سواء في القطاع المنزلي، أو في الدوائر الحكومية، مقدماً بعض النصائح.

 

نصائح استهلاكية

النصائح التي قدمها المهندس نوفل، والتي تصب في خانة الإرشادات الاستهلاكية ليست صعبة التنفيذ، أو مستحيلة السلوك، فكل ما تتطلبه هو تعويد الذات على مثل هذا النوع من الممارسات، لنجد وفراً فردياً في فاتورة الكهرباء، ووفراً وطنياً عبر تخفيض فاتورة الدعم لهذا القطاع، فمثلاً من تلك النصائح: قطع التيار الكهربائي قبل السفر، أو الخلود إلى النوم عن التلفزيون، أو أية أجهزة الكترونية أخرى، فهي تستنفد الطاقة حتى وهي مغلقة، واستخدام الحرارة المبرمجة الكترونياً في أجهزة التدفئة والتكييف، وإيقافها عند الخروج، أو عندما لا تكون قيد الاستعمال، وضبط أجهزة التكييف عند درجة حرارة لا تقل عن 24 درجة مئوية لضمان الحصول على بيئة مريحة، والاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية، وعدم ترك السخان الكهربائي متصلاً بالطاقة الكهربائية في حالة عدم استخدامه، وضبط درجة الحرارة، بحيث لا تتجاوز 45 درجة مئوية لضمان الحصول الدائم على الماء الساخن، بالإضافة إلى أن هذا يطيل بحياة السخان الكهربائي، وإجراء صيانة دورية للأجهزة الكهربائية مثل الفرن الكهربائي، والغسالة، والمدفأة، والتحقق دائماً منها للتأكد من أنها لا تستنزف أية طاقة لا لزوم لها.

ومن النصائح أيضاً: زيادة استخدام ضوء النهار الطبيعي بدلاً من استخدام الطاقة الكهربائية لإطالة عمر أنظمة الإضاءة، بالإضافة إلى خفض تكلفة فاتورة الكهرباء، واستخدام المصابيح الموفرة للطاقة، وكذلك استخدام الإضاءة الموجهة بدلاً من الإضاءة العامة، واستبدال المصابيح العادية بمصابيح الفلوريسنت.

عجز كهربائي

إذا كان العداد الكهربائي يدور حسب الاستهلاك، غير مبال بالوضع الاقتصادي للأسرة، وإذا كان التقنين أحد أشكال العجز، بمعنى أن وزارة الكهرباء عاجزة عن تقديم ما نريده كاملاً، رغم رغبتها بذلك، فهي مضطرة لتقسيم وتوزيع الموجود على مبدأ: “الجود من الموجود”، وإذا كانت كل قوانين الطبيعة والإنسانية تفرض مساعدة العاجز، إلا في حال الكهرباء فهي باتت محط سخط المواطنين، وبالتالي لابد من عقلنة استخدام المتوفر، وعدم التباهي في قدرة أي منا على دفع فاتورة الكهرباء، ليخوّل لنفسه القيام بما يشاء من هدر في الطاقة، فإن ذلك إساءة كبيرة للوطن، المتمثّلة في هدر مخصصات مواطن آخر من الطاقة قد يكون بأمس الحاجة لها؟!.

رفعت الديك