العنوسة.. أسبابها اقتصادية واجتماعية وانعكاساتها تهدد الاستقرار المجتمعي

العنوسة.. أسبابها اقتصادية واجتماعية وانعكاساتها تهدد الاستقرار المجتمعي

أخبار سورية

الجمعة، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧

العنوسة كلمة، ربما يكون وقعها ثقيلاً عندما يسمعها الشاب أو الشابة المتأخران عن الزواج، وهذا التأخر يكون له مبرراته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية من تأمين مسكن ووضع مادي يؤمن احتياجات الزوجين دون حاجة الآخرين من الأقرباء وغيرهم، ولها علاقة أيضاً بتأمين فرص العمل، فيما يخص الذكور والإناث.. فما هي انعكاسات هذه الظاهرة على المجتمع؟.

تأخر طبيعي

الشابة (وفاء)، عمرها أقل من ثلاثين عاماً، تحمل إجازة جامعية، لا تصف نفسها من بين العانسات، وإنما هناك تأخر طبيعي بالنسبة للزواج، كونها كانت حريصة على إكمال دراستها، وحصولها على شهادتها الجامعية، ثم التفكير بالزواج، وقد جاءتها فرص عديدة للزواج، لم تكن مناسبة لها حسب رأيها، حيث إنها تصف شباب اليوم بعدم جديتهم للزواج لعدم توفر المسكن، وعدم توفر دخل مادي دائم، وهي ترفض الزواج من شاب يريد الهجرة خارج البلد، أو يعيش ظرفاً اجتماعياً ضمن متطلبات أهله، وهي تريد الاستقلال في منزل مستقل، لا يشاركها أحد به.

الشاب (عبد)، عمره قرابة الأربعين عاماً، ذكر بأنه تقدّم لخطوبة أكثر من فتاة مع الرفض على الرغم من أنه موظف، ولكن ليس لديه مسكن مستقل، وذكر أيضاً أن الأخلاق العالية والسمعة العطرة غير كافية للزواج لدى العديد من الفتيات في حال عدم توفر المسكن مع الدخل المادي المرتفع.

رأي علم الاجتماع

الدكتور أحمد الأصفر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية “قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق”،  برر ظاهرة التأخر في الزواج بهجرة نسبة كبيرة من الشباب لخارج البلد نتيجة الأزمة التي يمر بها البلد من ناحية، ومن ناحية أخرى قال: إن ظاهرة العنوسة موجودة قبل الأزمة، تعود لأسباب اقتصادية واجتماعية، ولها علاقة شديدة بالناحية المادية والناحية الاجتماعية أيضاً، حيث هناك رأي أساسي لأهل الشاب والشابة، ويكون أحياناً كثيرة متضارباً مع رأي أبنائهم من حيث الطلبات التي يطلبها أهل العروس من  ناحية المهر والطلبات الأخرى، وعدم توفر الوعي الكافي لهذه الظاهرة يؤدي لرفع ظاهرة العنوسة، وذكر أيضاً بأن العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة تزيد من ظاهرة العنوسة أيضاً، فبعض الأسر تعطي مطلق الحرية للشاب بأن يكون له صفحة على الفيسبوك، أما الفتاة فليس لأهلها ثقة بأن يكون لها صفحة على الفيسبوك خوفاً من أن تبدي الإعجابات بها، وقال أيضاً: إن الزيجات عبر صفحات التواصل الاجتماعي تكون في أغلب الأحيان غير موفقة، وتؤدي لحالات الطلاق.

الدكتور أديب عقيل من قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية،   قال في بداية حديثه عن ظاهرة العنوسة، مبرراً بأن بعض أسبابها يعود إلى الانحلال الأخلاقي، وتفكك الروابط العائلية والأسرية، وتدهور الوضع المادي للكثير من العائلات، ما يؤدي لتأخر زواج الأولاد شباباً وشابات، وأجاب عن سؤال: هل تعدد الزوجات يخفف من ظاهرة العنوسة، قال: إن تعدد الزوجات هو إهانة لكرامة المرأة، ولا تقبل زوجة بأن يشاركها أحد في حياتها الزوجية مع زوجها وأولادها، فالأحادية فيما يخص الحياة الزوجية هي سمة من سمات الإنسان رجل أو امرأة.

رأي علم النفس

الدكتور علي الحصري من كلية التربية، قسم علم النفس: بعض الأسر كانت تعتبر الفتاة التي أصبحت بسن العشرين عاماً عانساً، وبالأخص الفتاة غير المتعلّمة، وغير العاملة، وتنتظر العريس المناسب، وتعتبر أنه قد فاتها قطار الزواج عند بلوغها سن العشرين عاماً، أما بالنسبة لبعض العائلات الأكثر وعياً وثقافة، وبالأخص ممن يرسلون بناتهم للدراسة في الجامعة، فتعتبر أن الفتاة ليست في مرحلة العنوسة كونها تكمل دراستها الجامعية، حيث يكون هم الفتاة تأمين فرصة عمل لها بعد إنهاء دراستها الجامعية لمساعدة شريكها في الزواج، فحتى الثلاثين عاماً لا تدخل الفتاة سن ما يقال عنه العنوسة، حيث تغيرت هذه المفاهيم مع تطورات الحياة، وتحدث عن ظاهرة العنوسة خلال السنوات السبع من الأزمة، مبرراً ذلك بهجرة الشباب، والخدمة الإلزامية، واعتبر أن الزواج من خلال مواقع التواصل يكون أحياناً غير موفق، حيث تكون نتائجه الانفصال، فالحذر من “الزيجات” غير المتوازنة التي يعقبها الطلاق، وأجاب الحصري عن سؤال حول تعدد الزوجات للحد من ظاهرة العنوسة بأن الرجل إذا كان قادراً مادياً لا مانع، ولكن الوضع الاقتصادي لا يسمح للرجل بأن يتزوج أكثر من امرأة بسبب الظروف المادية الصعبة، فأكثر حالات الطلاق خلال هذه الفترة تعود كما ذكر للوضع المادي المتدهور.

رأي الدين

الدكتور نزار الشامي من كلية الشريعة: فيما يخص ظاهرة العنوسة، قبل الأزمة كان هناك تأخر طبيعي، ولكن الأزمة زادت الطين بلة، فالخلل في منظومتنا الاقتصادية والقيمية زاد من ظاهرة تأخر الزواج، فقديماً كان دور الأهل سلبياً فيما يخص المهر، حيث كان مرتفعاً للفتاة، وهذا أيضاً يؤخر الزواج، وأكد على دور الدين في تيسير أمور الزواج، فالزواج للفتاة قبل سن الخامسة عشرة غير مناسب، فالزواج غير المتكافئ يؤدي إلى الطلاق، فالبعض لا يحبون أن تكون الفتاة متعلّمة، وأحياناً يكون الأمر مرفوضاً من قبل الزوج بالنسبة لزوجته التي تريد إكمال تحصيلها العلمي لديه، فالفتاة العاقلة تفضّل أن تبقى عزباء على أن يكون لديها أولاد طالما مصيرها إلى الطلاق، لاسيما في البيت الذي تكون فيه نسبة الإناث أكثر من نسبة الذكور، فدور الدين يتمحور في تشكيل الوعي لتسيير أمور الزواج، بما ينعكس خيراً على سلوك الشباب والشابات لبناء مجتمع متماسك.

خلاصة الكلام

الحديث يطول عن ظاهرة العنوسة، ولتسيير أمور الزواج، والحد من هذه الظاهرة، يتطلب تضافر جهود الجميع في نشر الوعي المجتمعي من كافة الجهات المعنية اجتماعياً، واقتصادياً، ودينياً، ونفسياً، مع التركيز على جعل شريحة الشباب أكثر وعياً ونضجاً عقلياً، وعاطفياً، واجتماعياً في مواجهة تحديات المجتمع داخلياً، وخارجياً بهدف بناء مجتمع متماسك يسوده الأمن والسلام والطمأنينة، مع الاهتمام بشريحة الشباب، وجعلها تسير ضمن منحنى بياني يؤمن لها الدخل المادي المريح، والسكن، والتحصيل العلمي، لأن شريحة الشباب في عمق أي مجتمع لتطوره وتقدمه، بما ينسجم مع تطورات الحياة المعاصرة.

محمد الجمال