وسائل التواصل الاجتماعي… فراق وخراب بيوت.. ازدياد الطلاق وفقدان التواصل الحيّ بين الأصدقاء والمقربين وفساد أخلاقي

وسائل التواصل الاجتماعي… فراق وخراب بيوت.. ازدياد الطلاق وفقدان التواصل الحيّ بين الأصدقاء والمقربين وفساد أخلاقي

أخبار سورية

الأحد، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٧

د.يسرى المصري 

عدد من النساء والرجال، والفتيات والمراهقات، ومن الشباب وقعوا ضحية اتصالهم مع أناس لاهدف لهم إلا التسلية وإشباع الغرائز لديهم، والنتيجة ازدادت نسبة الطّلاق في مجتمعنا إلى 30% خلال السنوات القليلة الماضية بسبب استخدام مواقع التواصل و مواقع الاتصال المجاني وخلق الكثير من حالات الفوضى الاجتماعية. والسؤال الذي نطرحه على مستخدمي هذه المواقع: ما الهدف من هذه الدردشة ؟ هل هو التواصل مع الغرباء وتحويلهم إلى أصدقاء أم متابعة العلاقات مع أصدقاء العمل وأصدقاء المدرسة وغيرهم… هل يحتمل وقتنا إضاعته في مثل هذه الأمور؟ ألا تستحق أسرنا هذا الوقت؟! وفي النهاية نلقي اللوم على المدارس والجامعات والحكومة بأنها لم توفر الجو المناسب لمجتمعها.
يؤكد الدكتور الباحث محمد نظام -المدير في جامعة بلاد الشام أن الثورة المعلوماتية سمة أساسية من سمات العصر الذي نعيش، وتعدّ وسائل التواصل الاجتماعي بما لها من قدرة فائقة على تجاوز حدود الزمان والمكان أحد أهم أدوات البعد الثقافي والمعرفي، بل الإنجاز التكنولوجي الأول الذي استطاع الإنسان من خلاله إلغاء المسافات واختصار الساعات في تبادل الثقافات والمعلومات ومواكبة التطورات في مختلف المجالات، وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية والفوائد المتعددة التي وفّرتها وسائل التواصل الاجتماعي، إلاّ أن أخطاراً جسيمةً أصابت أو أنّها ستلحق بالفرد المستخدم ومن ثمّ بالمجتمع، وذلك بسبب سوء الاستخدام من جهة، والتسليم المطلق لمضامينها من جهة أخرى.
توخّي الحذر
عبر التدفق المعلوماتي الكبير والمتلاحق لا يستطيع الكثير من الأفراد تحرّي الدقة والصحة في معطياته، إضافة إلى خلوّ المجتمعات من الرقابة المفروضة على هذه الوسائل، التي مكّنت من القفز إلى عالم الممنوع بصورة شبه مجانية، مع ما تنطوي عليه من مخاطر عديدة يجب على المستخدم الاحتياط منها كي لا يقع في مشكلات على المستوى الشخصي تنتهي به في أغلبية الحالات إلى أزمات ونكسات على المستوى الاجتماعي.
ويرى الدكتور نظام أن هذه المخاطر تفاقمت بشكل متزايد مع الانتشار الهائل للهواتف الذكية التي تحتوي على برامج وتطبيقات أخذت من وقتنا الكثير، كما أنها جمعت العالم كله في كفّ واحدة، إذ أصبح من الممكن أن يصل المستخدم بلمسة شاشة لأي نقطة أو معلومة أو شخص مهما كان بعيداً في المسافة، كما بات من الممكن أن يشرد المستخدم بذهنه إلى أبعد نقطة ممكنة عمن يجلس بجواره!
التعلق بالهاتف المحمول
في استطلاع لصحيفة «تشرين» عن أهمية الهاتف المحمول والسؤال: كم من الوقت يمكن التخلي عنه؟ توضح الدكتورة بثينة الكزبري، من قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق ، أن خير مثال على تعلق أفراد الأسرة بالهواتف الذكية، أنها وصلت إلى درجة جعلت الأم تنشغل عن الاهتمام بشؤون المنزل وأطفالها وزوجها، فأصبح الهاتف الذكي يلازمها في كل مكان، حتى أثناء إعداد الطعام لأسرتها وعند الجلوس مع الزوج، ما يؤدي إلى تقصيرها في دورها، إضافة إلى ذلك فالشبكات الاجتماعية تمكّن من التواصل مع الأصدقاء وتعزز الشعور الفوري والمكثف بالحميمية، ويمكن أن تجعلنا نقتنع بمثالية العلاقات الافتراضية، وتالياً بذل طاقة خاصة في انحرافات رقمية بدلا عن الاهتمام بشريك الحياة، بل الأسوأ من ذلك فالشبكات الاجتماعية قد تمهد الطريق للخيانة العاطفية وتكون بداية لانهيار الأسرة.
سجناء داخل الشبكة
بدوره، يؤكد الدكتور محمد راتب الشعار -أستاذ علم التنمية البشرية أن الهواتف الذكية تركت آثاراً كبيرة على حياة الأشخاص، حيث أصبح الكثيرون سجناء لتلك الهواتف، يتحدثون ويفرحون ويحزنون على شاشاتها، بعيداً عن أصدقائهم والمقربين إليهم وحتى أسرهم، فالتكنولوجيا على الرغم من أنها تتيح التواصل بشكل دائم بالعالم، إلا أنها قد تتسبب في انقطاع التواصل بين الأفراد، مشيراً إلى أن الهاتف الذكي أصاب مستخدميه بالغباء الاجتماعي، الذي من أبسط أشكاله فقدان التواصل الحي بين الأصدقاء والمقربين في المحيط الاجتماعي.

من جانبه، أشار الدكتور محفوظ عجيب -أستاذ الطب النفسي في وزارة الصحة إلى أن سنوات الأزمة واغتراب الأبناء وتفكك الأسرة زاد من «قلق اللا هاتف» وهي ظاهرة انتشرت بين مستخدمي الهواتف الذكية حيث لا يستطيع هؤلاء تخيل حياتهم من دون هاتف، ويصابون بالقلق حال انقطاع الشبكة، وهذا أمر منذر بالإدمان، لافتاً إلى أن الهواتف الذكية تجمع بين أخطار إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية، وبلغت أخطارها أن البعض يراها أهم من الأزواج والأبناء وهذا ما سبب انشغال أفراد الأسرة عن عائلاتهم، لكونها تحقق لهم تواصلاً يفتقدونه في العلاقات الاجتماعية فيزداد الصمت الأسري وقد يصل إلى حدّ الخرس.
وأضاف عجيب: إن الهواتف الذكية غيّرت قيم المجتمع الذي أصبح يكتفي برسالة تهنئة وربما فيديو على الهاتف، بدلاً من الزيارات الحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة أو العائلة، وكذلك الأصدقاء والمقربين، محذراً من زيادة إدمان الهواتف الذكية، ومؤكداً أنها تقطع العلاقات الحقيقية على أرض الواقع، إذ ينغلق كل فرد على نفسه في عالمه الإلكتروني الخاص.
وفي السياق نفسه، ترى الدكتورة سحر صالح- أستاذة علم الاجتماع أن الهواتف الذكية سلاح ذو حدين، فمن الممكن استثمارها في مواكبة الثورة التكنولوجية والتعلم عن بعد باستخدام برامج مفيدة، كتحميل الكتب الإلكترونية على الهاتف، مؤكدة أن ذلك لا يسبب الإدمان، وإنما يساعد على التنمية الذاتية للإنسان، محذرة أنه إذا أُخطِئ استخدام تلك الهواتف فإنها تفتح الباب على مصراعيه لأخطار الإنترنت، وهنا تكون الخيانة الإلكترونية أسهل، خاصة أن الهاتف لا يفارق يد الزوج، كما أنها تزيد من تفكك الأسرة المعرّضة للصمت أو الخرس الزوجي.
وسائل التواصل الاجتماعي فـي قفــــــص الاتهـــــــــام
تمثل برامج التواصل الاجتماعي مجتمعاً افتراضيّاً، يلتقي فيه الناس بشكل ما، يتبادلون الأفكار والأحاديث والصور وما شابه، وهو مجتمع يشبه إلى حد كبير المجتمع الحقيقي الواقعي، وتتعدد الجوانب الإيجابية في هذا المجال، فمن إمكانية التواصل مع الآخرين بالشكل السريع وتبادل المعلومات وتحصيل الأجوبة على مختلف الأسئلة إلى غيرها من الفوائد والميزات.
ومن خلال بحث أعده الدكتور محمد نظام عن مخاطر وسائل الاتصال خلص إلى نتيجة تفيد أن وسائل التواصل انتشرت في بيوتنا وأماكن عملنا وتجمعاتنا، حيث الجميع منحني الرأس، والهدوء سيد الموقف رغم اكتظاظ المكان بمن فيه، وقد تراجع التواصل الحقيقي فالجميع منشغل عن الجميع من حوله، وأكثر اللقاءات الاجتماعية فقدت بريقها وحيويتها، وظهر العديد من المشاكل الزوجية والحياتية التي نجمت عن الانشغال الدائم بهذه البرامج.

النوموفوبيا… إدمان العصر
ويرى الباحث الدكتور نظام في دراسته أن مصطلح «النوموفوبيا» تم إطلاقه عام 2008 من قبل مختصين في بريطانيا وذلك بعد معاينة مجموعة من التصرفات المرتبطة بالأجهزة الذكية، مثل أن يقوم الشخص بتفقد هاتفه المحمول أكثر من 30 مرة يومياً، أو أن يشعر باستحالة الاستغناء عن هاتفه والعيش من دونه وعدم القدرة على إطفائه، إضافة إلى التأكد المستمر من شحنه. وقد أظهرت دراسة نشرتها صحيفة « الديلي ميل « البريطانية أن معدّلات الإصابة بالنوموفوبيا تنتشر بصورة أكبر بين أوساط الشباب من عمر18 إلى 24 عاماً، حيث أفاد 77% منهم أنهم لا يستطيعون الابتعاد عن هواتفهم المحمولة لثوان معدودة، بينما بلغت هذه النسبة 68% بين الفئتين العمريتين من 25 إلى 34عاماً، وبينت كذلك أنّ النساء بتن مهووسات بفقدان هواتفهن أكثر من الرجال.
وعندما يعتاد المستخدم على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي يدخل في حالة الإدمان، ويصاب بأمراض نفسية وعصرية: قلق، عدم استقرار، حيرة، عصبية وغيرها، إضافة إلى انقطاعه عن المحيط الاجتماعي والواقعي من حوله، وتهربه من كل المسؤوليات.
وبحسب دراسة أجريت في جامعة جنوب كاليفورنيا، فإن للإدمان على الفيسبوك التأثير نفسه لجرعة الكوكائين على الدماغ، وتوصل الباحثون في جامعة شيكاغو إلى أن إغراء البقاء على اتصال مع تويتر أوفيسبوك يفوق الرغبة للعلاقات الحميمية أو تدخين السجائر، وقد أكدت ذلك نتائج الاستطلاع الذي أجري حديثاً في الولايات المتحدة، فقد أكد معظم المشاركين أنهم يفضلون البقاء بعيداً عن العلاقات الحميمية ثلاثة أشهر على أن يبقوا أسبوعاً كاملاً من دون استخدام هواتفهم الذكية!!
ازدياد التوتر والقلق
التواصل المستمر عبر الهواتف الذكيّة جعلنا نعيش في عزلة أكبر، قلة من الشباب الذين يقضون ساعات طويلة في النظر إلى شاشات هواتفهم يومياً، ينتظرون تعليقات ورسائل من أصدقائهم يمكن أن يؤدّي ذلك بهم إلى التوتر، وإلى تنامي مشاعر سلبية كالغيرة والحسد بسبب متابعة تفاصيل حياة الآخرين، كما يبين الدكتور نظام في دراسته التي اعتمد فيها على الكثير من البحوث العالمية، وقد قال عالم النفس المتخصص في إدمان التكنولوجيا الدكتور ريتشارد غراهام: «هناك ذلك الإحساس المزعج بأن أحداً ما يتجاهلك»
«على الشباب التحكم في شعورهم بأنهم مستبعدون من قبل الناس المهمين لديهم»
وتخلص الدراسة إلى عدد من المظاهر السلبية وفي مقدمتها قلة النوم، فقد ثبت أن أكثر من 60% من مستخدمي الهواتف الذكيّة ممن هم بين 18 و29 عاماً يصطحبون هواتفهم معهم إلى السرير،وأكدت الدراسات أنّ التعرض ساعتين لشاشة مضاءة وساطعة يمكنه وقف إفراز مادة الميلاتونين وتالياً التأثير السلبي في النوم الصحّي المطلوب.
ضعف التركيز الذهني
كما وجدت الأبحاث أن الهواتف الذكية تقلل فترات الانتباه وتجعلنا غير فاعلين في إنجاز المهام والأعمال المسندة إلينا، تالياً، ويلفت الدكتور نظام إلى أنّ مجرد وجود الهاتف الذكي يساهم في التشتت الذهني وعدم التركيز العقلي، وتالياً التراجع في الإنتاجية، كما أن الانشغال بالهاتف في أثناء السير يعرض المستخدم إلى الاصطدام بعمود إنارة أو لتعثر الأقدام أو للتعرض لحادث أكثر خطورة، وقد خلصت دراسة إلى أن من يستخدمون برامج المحادثات يتجاهلون أربع مرات أكثر إشارات المرور أو ينسون النظر قبل عبور الشارع، كما وجد باحثو جامعة «كارينجي ميلون» أنّ السائقين الذين يستمعون لشخص ما يتحدث إليهم عبر الهاتف يقلل من نشاط المخ لديهم بنسبة37% .
أضف إلى ذلك تصعيد حالات الاكتئاب والإحباط ويتفق العديد من الدراسات على أن الأغلبية العظمى من مستخدمي الفيسبوك يقارنون حياتهم مع لحظات السعادة التي ينشرها الآخرون من أصدقائهم على الشبكة، فيشعرون أن حياتهم تبدو أقل جمالاً وأقل إثارةً وأكثر رتابةً من حياة الآخرين المثالية، وتالياً تتصاعد حالات الاكتئاب والإحباط وحتى الغضب والغيرة والحسد.
وعن الميل إلى العنف والعدوانية يؤكد الدكتور نظام أن الدراسات أثبتت أن الاستخدام المفرط لتطبيقات الهاتف الذكي يمكن أن يزيد من صفة العنف والعدوانية لدى المستخدم بسبب غياب الترابط واللغة العاطفية وإلى الوقوع في العبودية والأسر، حيث يجب على كل مستخدم التحلّي بالإرادة وعدم الوقوع في شباك الهاتف الذكي، وأن يقوم بتقويم نفسه والإنجازات التي حققها والأهداف التي يسعى إليها والمهارات التي اكتسبها وأن يسأل نفسه باستمرار: هل هو مستعد للتخلّي عن ذاته وأهدافه ونجاحاته في الحياة مقابل الانصياع لهاتف إلكتروني يصله بعالم افتراضي ويسرق منه الوقت الثمين .
وكذلك الاعتقاد بمعرفة كل شيء فالناس على مواقع التواصل الاجتماعي يعتقدون أنهم يعلمون ويفهمون في كل شيء، فقد بات لدينا جيل يعتقد أن كل ما يقوله على مواقع التواصل له الأهمية القصوى عكس الواقع.

الآفات الصحيّة
يتفق أطباء الصحة وأطباء علم النفس على الأضرار الجسدية للهواتف النقالة إذ إنّ عدد الساعات التي تستهلك في التحديق والنقر على الهواتف الذكية ليس مزعجاً فحسب، بل هو خطر مؤكد على الصحة، ووفقاً للجمعية البريطانية للعلاج بتقويم العمود الفقري، فإن الهوس بالهواتف الذكية أدّى إلى تزايد عدد الشباب الذين يعانون مشكلات في الظهر وآلام في الرقبة والكتف وكذلك آلام في الأذرع والتهاب في أعصاب الأصابع، كما أنّ النظر باستمرار في شاشة مضيئة وقريبة يجهد العين ويؤدي إلى آلام فيها والإصابة بالصداع وضعف في النظر على المدى الطويل، لذلك ينصح بترك شاشة الهاتف من وقت لآخر والنظر لأشياء أخرى بعيدة… أمّا الاستماع الطويل لموسيقا بوساطة سمّاعات الهاتف في أثناء السير أوفي وسائل النقل فيؤدّي مع مرور الوقت إلى ضعف السمع وضعف القدرة على تمييز الأصوات.
ومن المخاطر الأخرى ازدياد السمنة حيث ساهمت الثورة التكنولوجية إلى حدٍّ بعيد بازدياد السمنة وتقليل النشاط البدني، والسمنة السبب الرابع الأكبر للوفيات حول العالم، فترى المستخدم يخاطب زميله في الطابق العلوي من خلال الإيميل، أو يتحدث مع صديقه عبر الهاتف بدل الانتقال لرؤيته…إن عدم النشاط يؤدّي إلى السمنة وهو ما يزيد من مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، ومن التعرض بصورة أكبر للإصابة بأمراض منها سرطان الثدي والبروستات.
ويحذر الدكتور نظام من نقل الأمراض فقد أظهرت الدراسات أنّ20 إلى 30% من الفيروسات والجراثيم التي تتجمع على سطح الشاشة تنتقل إلى الأصابع وتستغرق رحلة قصيرة جداً حتّى تصل إلى الفم والعينين ومنها إلى داخل الجسم وتتسبب في العديد من الأمراض ومن بينها تلك التي تؤدّي للإصابة بالتهاب الأمعاء.
وكذلك ارتفاع معدّل الإشعاع فعلى الرغم أنّ الأبحاث لم تثبت بشكل نهائي أنّ أجهزة الهاتف المحمولة يمكن أن تسبب السرطان لكن منظمة الصحة العالمية تحذّر من مستويات الإشعاع التي تصدرها، والتي تتجاوز الحدَّ المسموح به، ويمكن أن يسبب التعرض لها طويلاً أمراضاً خطيرة تصل إلى نشوء سرطان الدماغ.
وأيضا ضعف الجهاز المناعي فمع قضاء الوقت الطويل على الإنترنت يكون المستخدم أكثر عرضةً للمرض، إذ يتعرض نظام المناعة إلى إجهاد بسبب فترات التناوب من اتصال وانفصال تجعل مستويات هرمون الكورتيزول متباينة، الأمر الذي يتسبب في ضعف الجهاز المناعي للمستخدم.

الآفات الاجتماعية
من أبرز سلبيات وسائل التواصل -حسب الدكتور نظام- تفكك الروابط الأسرية لأن انصراف أحد الزوجين أو كليهما إلى الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يسبب التقصير في حقوق الآخر، وضياع الوقت الذي يحتاجه الأولاد في التربية والعناية والتوجيه وتقوية العلاقات الأسرية بينهم، كما قد ينجم العديد من المشاكل بين الزوجين بسبب حسابات كل منهما على شبكات التواصل التي تفتح الباب على محادثات وحوارات مباشرة بالصوت والصورة، وتطور ذلك إلى ما يهدد الحياة الزوجية وانهيار الثقة بين الزوجين، وهذا ما ينعكس سلباً على مستقبل الأطفال في الأسرة بسبب انفصال ذويهم أو خلافهم وشجارهم الدائم.
وأيضاً فقدان مهارات التواصل الحقيقية فالاستخدام الطويل للهاتف الذكي يؤدّي إلى انعدام ثقافة الحوار بين الناس، وندرة التحدث المباشر مع الآخرين والتواصل الحقيقي معهم، وتالياً إصابة المستخدمين بالغباء الاجتماعي، وتدني مهاراتهم في قراءة تعابير الوجه التي تتسم بالعمق والشفافية حيث استبدلت بجهاز فاقد للمشاعر والأحاسيس.
وكذلك سهولة انتشار الشائعات والأخبار المغرضة حيث باتت الهواتف الذكية، بما تنطوي عليه التطبيقات والبرامج المتاحة فيها، ميداناً خصباً لتداول الشائعات والأخبار الخطأ ومرتعاً للمغرضين وأصحاب الأفكار المنحرفة من خلال نشرهم مواد ضارّة ومشككة في الحقائق ومثيرة للفتن التي تؤدّي في ختام المطاف إلى قلق المستخدم واهتزاز المجتمع والوطن.
الآفات التربوية
وحسب الدراسة التي أعدها الدكتور نظام تبرز الآفات التربوية لوسائل التواصل من خلال نشر الأفكار الهدّامة والفساد الأخلاقي، وخير مثال ما هو واقع في زماننا هذا حيث يتم تسخير مواقع الاتصال لنشر الفكر المنحرف والضال الذي سبب وقوع اعتداءات على الأنفس والحرمات وتدمير البلاد، كما أنها ساهمت في انتشار المواقع الإباحية التي هدّدت القيم والأخلاق وأفسدت الشباب.
أضف إلى ذلك انخفاض المستوى الدراسي للطلاب بسبب الوقت المقتطع من الدراسة والتحصيل العلمي لحساب شبكات التواصل الاجتماعي.
وضياع لغتنا الأصيلة لأن أغلبية الرسائل والتعليقات المتبادلة بين الفئات الشبابية في قالب لغة جديدة بين العربية والإنكليزية أو في اللهجات العاميّة، الأمر الذي سيزيد يوماً بعد يوم في التباعد بين أجيالنا ولغتنا العربية الأصيلة ويساهم في ضياع هوية وطننا وأمتنا في المستقبل القريب.

الآفات السلوكية
ويحذر الدكتور نظام من انتهاك الخصوصيات، فلقد تعدّى الأمر المحادثات الهاتفية الساخنة التي ساهمت في حينها بانتشار الفساد والرذيلة، ووصل الأمر إلى انتهاك الخصوصيات ونشر الصور ومقاطع الفيديو الخلاعية والتعليقات الإباحية التي تساهم بتفشّي الكثير من العادات والتصرفات السيئة التي تأخذ بأيدي شبابنا وبناتنا إلى مستنقعات الرذيلة والدمار النفسي والأخلاقي، كما بات من السهل اختراق حسابات المستخدمين وانتحال شخصياتهم، بل الاعتداء عليهم بالكلمات البذيئة والعبارات غير اللائقة. وكذلك بات من السهل نشر الفيروسات الإلكترونية وبرامج التجسس وتالياً سرقة الملفات الخاصة.
وأيضاً المساهمة في الاعتداء على حقوق الملكيات الفردية، فقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الكشف عن الكثير من المواهب الأدبية المختلفة، إلّا أنّها لم تحفظ حقوق الملكية الفكرية لصانعيها، كما أن هذه المواقع تشجع الناس على الكسل ولا تحثهم على الحركة أو ممارسة الرياضة لكون استخدامها لا يتطلب أي حركة إضافة إلى خطر عدم إثارة التفكير لأن التدفق السريع والمتلاحق للمعلومات لا يمنح الوقت الكافي للتفكير أو التدقيق فيها، وأيضاً قتل الإبداع وعدم تنمية وممارسة الهوايات إذ تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي على تشجيع ردود الفعل السريعة، هذه الخديعة الكبرى، التي تجعلك متأهباً للمشاركة بسرعة في أي حدث تتعارض مع كونها خلّاقة، وتقتل الإبداع في ذهنك… ومن جانب آخر فإن قضاء الساعات الطويلة في استخدامها يحرم من تعلم أو تنمية أي مهارة أوهواية، كالقراءة أو الرياضة.
ولا ننسى هدر الوقت فالاستخدام المفرط للهاتف يعني في المقابل ضياع مئات الساعات على قضايا هامشية ونقاشات جوفاء بدلاً من صرفها بما هو مفيد علمياً وثقافياً، وهو ما يشكل خسارة كبرى وتراجعاً حضاريّاً على مستوى الفرد والأمّة.
أما فيما يتعلق بالآفات العملية والوظيفية فيقدر الدكتور نظام أن الدراسات أثبتت أن حوالي51% من الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين(25-34) عاماً يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في أثناء فترات عملهم ما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وتكبد الكثير من الخسائر لجهة العمل.

سلاح ذو حدّين
إنّ مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة على شبكات الإنترنت، ولاسيما من خلال الهواتف الذكيّة التي أصبحت في متناول الصغار قبل الكبار، وباتت من لوازم وضرورات العصر، لكن حالها تبقى حال الكثير من التقنيات الحديثة من حولنا، فهي سلاح ذو حدّين، يمكننا من خلالها أن نرتقي إلى قمم العلم والتطور، أو أن تنحدر بنا إلى المستوى الذي يخرجنا من حقيقة وجودنا وغاية خلقنا.
إننّا نحتاج فعلاً للحكمة والوعي والإرادة والعزم في تعاملنا مع هذه المواقع التي تدور رحاها بين حالتي الاستثمار أو الاستدمار، وإن مسؤوليتنا جميعاً أفراداً وهيئات ومؤسسات تتجلّى في أن نعرف كيف نطوّع هذا الإنجاز العلمي فنضيف إلى مخزوننا الفكري والاجتماعي والإنساني، لا أن نأخذ منه وننقصه.
وأن نساهم في إعداد جيل جديد يعرف كيف ينظم نفسه جيداً، وكيف يكون مسؤولاً عن نفسه ، ومراقباً لها، ومدركاً لأهميّة الوقت في الحياة، وكيف يبقى سيّداً لا عبداً، في سلوكياته وعلاقاته وجزئيات حياته، ومستخدماً حكيماً، وذكيّاً، وبارعاً، لأجهزة صمّاء من صنع الإنسان، عمّت البلاد، وشغلت العباد، وملأت الأوقات، وأدخلت الحياة في عصر التحدّيات.