السياحة الشتوية في اللاذقية.. منشآت سياحية معطلة.. خسائر مالية كبيرة والعمال يطاردون “البخشيش”

السياحة الشتوية في اللاذقية.. منشآت سياحية معطلة.. خسائر مالية كبيرة والعمال يطاردون “البخشيش”

أخبار سورية

الخميس، ١٦ نوفمبر ٢٠١٧

تعد محافظة اللاذقية قبلة السياحة الأولى في سورية لما تتمتع به من مقومات كثيرة ومتنوعة، بدءاً بجمالها وغناها الطبيعي، وانتهاء بامتلاكها لجميع الأنواع السياحية والتي تؤهلها لصناعة سياحة متطورة ودائمة على مدار العام، تضاهي أكثر البلاد السياحية تطوراً، إلّا أنه رغم هذا التنوع وتلك المقومات، مازلنا عندما نطلق مصطلح السياحة في اللاذقية يتبادر إلى الذهن سريعاً فصل الصيف، والسباحة في البحر مع الغياب الكامل للسياحة الشتوية التي ما زال تفعيلها على أرض الواقع حتى اليوم معضلة عصيّة على التحقيق.
ففي اللاذقية “أم السياحة”،  لا تزيد أيام السياحة عن تسعين يوماً في أفضل الأوقات، أي خلال الموسم السياحي، واقع الحال الذي ينتقص من القيمة الحقيقية للمحافظة، باعتبارها المقصد التقليدي الأول للسياحة في سورية، ناهيك عن الخسارات المضاعفة التي تنعكس بالجملة على أصحاب المنشآت والسياح وأبناء المنطقة بسبب دخول السياحة في مرحلة السبات الشتوي الطويل.

سياحة تنفيسية
السياحة في اللاذقية ليست سياحة  بالمعنى الحقيقي للكلمة، سواء أكانت في الصيف وفي عز الموسم السياحي أو في الشتاء، وإنما هي كما يقول سيبوه قرة يعقوبيان صاحب منتجع “رزوق” في كسب: هي عبارة عن سياحة تنفيسية، حيث يقصد الزبائن المنشآت السياحية يومي الخميس والجمعة فقط، فيما يكون المنتجع خاوياً بقية أيام الأسبوع.
ويضيف: لا توجد مقومات لكي تكون هناك سياحة، وإشغالات خلال فصل الشتاء، ونحن نتعرض لخسارة كبيرة، دفعت معظم المنشآت السياحية، وخاصة الواقعة في الجبل إلى الإغلاق خلال الخريف والشتاء بسبب قلة الإشغالات، وهجرة العمالة باتجاه المدن بسبب توفر الفرص وبرواتب أعلى، ناهيك عما يحصلون عليه من “إكراميات”.
وبالنسبة للعمالة، بيّن يعقوبيان أن العمال قليلون جداً، فمنهم من هاجر، ومنهم من ترك العمل، مؤكداً أن القسم الكبير من الذين يعملون في المطاعم هم من النساء، ونحن بحكم تواجدنا في منطقة جبلية من الصعب أن تعمل لدينا امرأة بسبب العادات والتقاليد التي لا تسمح لها بالتأخر بالعودة إلى المنزل، بالإضافة إلى ارتفاع  أجور العمال.

العمال يبتزوننا!
تقاطعت هموم أصحاب الفنادق الجبلية في الركود وقلة العمالة، وزاد عليها مديح العش صاحب فندق “اوديسا” على طريق صلنفة بالقول: السياحة الشتوية ضعيفة بسبب ابتزاز العمال لأرباب العمل، وخاصة في الفترات التي يكون فيها إقبال، فإذا توجهنا بأية ملاحظة للعامل يهددنا بترك العمل.
وأوضح العش أن معظم المنشآت السياحية الواقعة في المناطق الجبلية تغلق خلال الشتاء بسبب ندرة الزبائن، عدا عن أن معظم العمال يتسربون ليعملون في المدينة بسبب أن إيرادات المنشآت هناك أفضل بالنسبة لهم، ناهيك أن المنشآت الجبلية عندما تغلق يضطر العمال إلى البحث عن عمل آخر حتى تعود المنشآت للعمل في بداية الموسم السياحي.

عروض لجذب الزبائن
وفيما تنقسم المنشآت الجبلية خلال الشتاء بين مغلقة حتى يعود الصيف، وأخرى تتدبر أمرها، وتتجرع خساراتها لتبقى في السوق السياحي منافسة ولو من بعيد، كانت المنشآت السياحية الواقعة في المدينة تناور على قلة الإشغالات، وركود الحركة باللجوء إلى خطط تجذب إليها الزبائن بعروض وندوات وحتى دورات تدريبية.
مدير التسويق في أحد الفنادق داخل مدينة اللاذقية، أكد أن حركة الإشغالات بدأت بالركود تدريجياً مع دخول فصل الشتاء، باعتبار أنه لا توجد هناك سياحة شتوية في المحافظة، لكننا في المقابل نقوم بما يستوجب علينا من عروض ونشاطات ودورات تدريبية لجذب الزبائن.
ورغم تخفيض أسعار الخدمات السياحية في الفندق إلى النصف تقريباً، إلا أن حركة الإشغالات خجولة، مشيراً إلى ازدياد أعباء المصاريف، إذ يجب أن تبقى المطاعم والغرف وجميع الخدمات جاهزة على مدار الساعة رغم قلة الزبائن، مؤكدأ أن العاملين في الفندق أساسيون ورواتبهم جيدة.

اعتمادنا على “الإكراميات”
وللعمال أيضاً حصتهم من الخسارة جراء سبات السوق السياحي في الشتاء، حيث قال أحمد عبد الله، عامل في إحدى المنشآت السياحية الواقعة في المدينة: ما أتقاضاه كراتب من عملي خلال فصل الشتاء بالكاد يكفيني لشراء مستلزمات عائلتي، مع العلم أنني أعمل “وارديتين” حتى لا أضطر للبحث عن عمل في مكان آخر.
فيما قال أكرم يوسف: كنت أعمل في فندق برأس البسيط، إلّا أن ندرة الزبائن، وقلة الإشغالات دفعتني إلى البحث عن عمل آخر بمطعم في المدينة التي تشهد إقبالاً أكثر من الريف، وخاصة في الشتاء، ويضيف: أجورنا لا تكفينا حتى خلال الموسم السياحي، واعتمادنا على ما نأخذه من “إكراميات”.
فاتورة كاوية
لسان  حال الأهالي، أكد عدم وجود سياحة شتوية في ظل استمرار المنشآت السياحية برفع الأسعار لتعويض خساراتها جراء ما تشهده من ركود، فقد قال أيهم علي: في الصيف وخلال أيام العطل تستطيع أنت وعائلتك أن تقصد البحر، أو الجبل في “سيران” شعبي، وتكون أنت من يحدد كم تدفع على شراء الطعام والشراب بما يتناسب مع ما في جيبك من مال، ويضيف: أما الوضع في الشتاء فمختلف، إذ لا يمكنك الخروج من المنزل إلا للمطاعم والفنادق بسبب برودة الطقس، ولكي تستمتع بوقتك عليك الدفع والاستعداد لتحمّل صدمة الفاتورة الكاوية.
ريم الحسن أشارت إلى أن اللاذقية لا توجد فيها سياحة شتوية رغم أنها تتمتع بكل المقومات الطبيعية التي تؤهلها لتكون مقصداً سياحياً شتوياً أكثر من الدول المجاورة، عازية السبب في ذلك إلى عدم وجود الرغبة لدى أصحاب المنشآت السياحية، مضيفة: الأموال التي جمعوها خلال الموسم السياحي تكفيهم وتعوضهم عن قلة الحركة في الشتاء.

سياحة موسمية
الدكتور محمد سليمان المتخصص في مجال السياحة قال: معظم الدول السياحية التي لديها سياحة شتوية، إمكانياتها ومقوماتها أقل بكثير مما لدينا في سورية، وخاصة في اللاذقية، لكنها استثمرت مقوماتها بشكل مدروس، فلم تعد سياحتهم تقتصر على فصل معين، إلا أننا مازلنا نعتمد على السياحة الصيفية، فيما تدخل السياحة الشتوية سباتاً طويلاً يمتد خلال الخريف والشتاء.
سليمان الذي أكد أن السياحة في المحافظة موسمية، أوضح معناها بأن المنشآت السياحية تعمل بصورة متكررة لجزء محدود فقط من السنة، وهو فصل الصيف، وهذا له تأثيرات سلبية على القطاعين العام أو الخاص، وبين العرض والطلب على الإشغالات في الفنادق، والجاذبية السياحية للمنطقة، إذ ترتفع أسعار الإيواء السياحي خلال فترة الصيف عنها في الأشهر الأخرى من السنة.‏
وأهم الصعوبات التي تعترض السياحة الشتوية أوجزها سليمان بعدم وجود فعاليات اقتصادية في المحافظة تهتم بتنشيط السياحة الشتوية، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية، وقلة الاستثمار السياحي في الشتاء، وعدم وجود آلية عمل مشتركة تنسق بين جميع هذه الجهات، والأهم من ذلك ضعف الترويج السياحي، فالدعاية السياحية للمحافظة تقتصر على فترة الموسم السياحي الصيفي فقط، علماً بأن فترة الأعياد والمناسبات كثيرة في الشتاء لتمضية هذه العطل في ربوع المحافظة.
كما أن موسمية السياحة تسبب تردياً في الخدمات المقدمة للسياح، وخصوصاً في ذروة الموسم السياحي نتيجة الازدحام، ما يظهر التناقضات بين الطلب على الخدمات السياحية، والعرض السياحي المستقر نسبياً،‏ فضلاً عن إعاقة تطور وتنمية السياحة والاقتصاد السياحي، ناهيك عن تسرب الكوادر المؤهلة نتيجة لتراجع عمل المؤسسات السياحية بعد فصل الصيف للبحث عن عمل آخر، لاسيما أنها تقلل كثيراً من الفعالية الاقتصادية للاعتمادات المالية في الأرباح والدخل، كما أن استثمار هذه المؤسسات والمنشآت السياحية لفترة محدودة من السنة يرفع بشكل واضح أسعار الخدمات السياحية فيها في فصل الصيف لتعويض الركود، أو التوقف الذي سوف تتعرّض له تلك المؤسسات السياحية.‏
ويضيف: عندما نبرز الوجه السياحي الشتوي لبلدنا نشجع على الاستثمار، وعلى جذب الزوار والسياح، فطبيعتنا لاتزال عذراء وأرضية خصبة للاستثمار، فالقطاع الخاص يلعب دوراً كبيراً في إنجاح هذه السياحة من خلال نشاطه باستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح.
ولتنشيط حركة السياحة على مدار العام، الحل برأي سليمان يبدأ بزيادة الاهتمام بالسياحة، متسائلاً: لم لا يكون هناك مهرجان سياحي شتوي له هوية وطابع المحافظة تتشارك به كل الفعاليات الاقتصادية، لافتاً إلى أن السياحة صناعة لها مردود متزايد باستمرار، ويجب أن توجد آليات واضحة للتعاون فيما بين الجميع ضمن العمل المنظم المشترك الذي يحقق الأهداف المرجوة، والمتمثّلة في النهاية بزيادة العائدات السياحية من خلال زيادة أعداد السائحين، وتشجيعهم للعودة إلى سورية مرة ثانية، فمهمة الترويج السياحي وصناعة السياحة لا تقع على جهة واحدة فقط، وهذه المعادلة صعبة الحل إلا إذا وجدت لجنة سياحية مركزية تضع خطة مشتركة.

تعاون جماعي
رامز بربهان مدير سياحة اللاذقية: السياحة الشتوية في اللاذقية ضعيفة، فنجاحها يتطلب عملية جماعية، وتعاوناً من قبل الجميع في المحافظة، لافتاً إلى أنه توجد على موقع وزارة السياحة بيانات تفصيلية عن جميع المعالم، والفنادق، والمنشآت الموجودة في المحافظة، إذ تقوم المديرية في الشتاء بتعميم نشرة أسعار مخفضة بنسبة تصل إلى 40%، حسب سياسة كل فندق، ومطعم، ومنشأة.
ولتنشيط الحركة السياحية أكد بربهان أن المديرية تقوم خلال أشهر الركود بإقامة العديد من الفعاليات مثل المؤتمرات بكل أنواعها وأشكالها، مضيفاً: حالياً تشهد المنشآت السياحية ضعفاً في حركة الإشغال، ويتفاقم الوضع ركوداً في تشرين الثاني، وكانون الأول، ليشهد تحسناً ملحوظاً قبل 15 يوماً من أعياد الميلاد ورأس السنة، وبعدها بـ 15 يوماً أخرى.
وأشار بربهان إلى أن البعض من أصحاب المنشآت السياحية لا يعملون على تشغيل منشآتهم بالشكل السياحي الأمثل، ففي فصل الشتاء يجب أن يكون لدى المنشآت ما تعرضه لجذب السائح، مشيراً إلى أن هناك الكثير من المنشآت التي تقع في المناطق الجبلية تتوقف عن العمل خلال فصل الشتاء، واصفاً أصحابها بالضعفاء، إذ يجب عليهم أن ينافسوا على مكانتهم في السوق السياحي.
باسل يوسف-البعث