مياه الصرف الصحي وري المزروعات.. نســب تـلوث عالية.. حـول مؤقتـــة.. معالجـــة قاصـرة

مياه الصرف الصحي وري المزروعات.. نســب تـلوث عالية.. حـول مؤقتـــة.. معالجـــة قاصـرة

أخبار سورية

الخميس، ٤ يناير ٢٠١٨

لماذا يسقي بعض المواطنين أشجارهم ومزروعاتهم بمياه الصرف الصحي؟.. سؤال تبادر إلى أذهاننا كثيراً وطويلاً، ورغم معرفة الكثيرين منهم من الأضرار الصحية البيئية التي تسببها هذه السقاية، إلّا أن بعضهم يصر عليها، وهناك قرى عدة في ريف دمشق ودمشق  تعتمد في سقايتها على مياه الصرف الصحي، ومنها ببيلا والسيدة زينب والغوطة الشرقية  ووادي بردى،  ومن هذه البلدات التي يرى الكثير من المواطنين بأن مزروعاتها لا تؤكل، والسبب هو المياه التي تُسقى بها هذه المزروعات، فما هي الأسباب الموجبة، وكيف يمكن لشخص يعرف أن مياهه ليست نظيفة أن يأكل من ثمار منتوجاته؟.

آراء ومبررات
آراء عدة، سمعناها من الأهالي والمزارعين،  يقول بعضهم: إن الجفاف، وقلة توافر المياه، وتدهور نوعية المياه العذبة المتوافرة بسبب التخلص غير السليم من مياه الصرف الصحي، هي السبب، بينما يرد بعضهم الآخر الأسباب إلى عدم وجود مصادر مياه بديلة، ووفرة مياه الصرف الصحي… وبذلك يتم اعتماده كمورد للري، بينما يعد بعض من المزارعين أن مياه الصرف الصحي تحتوي على المواد الغذائية اللازمة التي تساعد على زيادة نسبة المحاصيل، ويمكن أن تشكل البديل من الأسمدة الكيميائية، فما مدى صحة هذه الأقاويل والاعتقادات، وما هي الآثار الحقيقية لاستخدام مياه الصرف في الري على الزراعة، وسلامة التربة، والمياه الجوفية، وسلامة المحاصيل، والغذاء، والمزارعين، والصحة العامة والبيئة، وما هي البدائل الممكنة وغير المكلفة بالنسبة إلى المزارع، وما الذي يمكن أن يفعله المستــهلك لحـماية نفسه من إمكانية تلوث المنتجات الزراعية للتخفيف من أضرارها وآثارها السلبية على صحته؟… بانتـظار أن تتم معالجة هذه المسألة من جذورها، عبر مكافحة تلوث المياه الزراعية مـن مصادرها الصرف الصحي والصناعات والمبيدات، وعبر اعتماد أبسط الأساليب للمعالجة.
ولمعرفة مخاطر استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات، يجب معرفة ما هي مكونات مياه الصرف، وما هي الصفات الفيزيائية والكيميائية لمياه الصرف الصحي في تحديد الآثار الصحية والبيئية، حسب خبراء  تحتوي مياه الصرف الصحي ماء بنسبة 99,9%، فضلاً عن كميات صغيرة من المواد العائمة والذائبة العضوية وغير العضوية، أما الملوثات التي تشكل الخطر الأكبر والمسببة للأمراض، فهي الفيروسات والفيروسات المعوية والبكتيريا الإشريكية القولونية السالمونيلا الشيغيلة الكوليرا والديدان والطفيليات وغيرها، والتي تكون بنسب مرتفعة ومختلفة في مياه الصرف غير المعالجة، بالإضافة إلى ذلك  يمكن لهذه الميكروبات البقاء على قيد الحياة في التربة، أو على أسطح المحاصيل لفترات طويلة من الوقت إلى أن تنتقل بعد ذلك للإنسان أو الحيوان، أما مسببات الأمراض الأكثر مقاومة للظروف البيئية، فهي الديدان وبيض الديدان التي يمكنها أن تبقى على قيد الحياة لسنوات في التربة، وحياة هذه الديدان مرتبطة بعوامل عدة، كحالة الطقس، فإن درجة الحرارة المنخفضة تساهم في إطالة بقاء العوامل المسببة للأمراض على قيد الحياة، وهي بالتالي تسبب الخطر الأكبر على صحة الإنسان لأن مدة بقائها أطول مقارنة بالبكتيريا والفيروسات، المكونات الرئيسية لمياه الصرف الصحي،‏‏ بحسب منظمة الصحة العالمية، المواد غير العضوية الرمل، والرماد والزجاج والحصى وغيرها، المواد العضوية الكربوهيدرات، والزيوت والدهون والصابون، ومواد التنظيف المنزلية، والبروتينات – المواد العضوية السامة (المبيدات، وبقايا الأدوية- الأملاح الصوديوم، والكلوريد- والمواد غير العضوية السامة مثل المعادن الثقيلة الزرنيخ، الكادميوم، الكروم، النحاس، الرصاص، الزئبق، الزنك وغيرها- والمواد الغذائية النيتروجين، الفوسفورالبوتاسيوم‏‏.

المخاطر
يقول الدكتور محمد العالول، مدير المنطقة الصحية في منطقة الزبداني الأكثر سقاية لأراضيها بمياه الصرف الصحي:  تحتوي مياه الصرف الصحي العديد من الجراثيم والمعادن الثقيلة والمركبات العضوية المسببة للأمراض المعوية بسبب انتقالها إلى المحاصيل المروية، وهي تشكل خطراً صحياً على المزارعين، ومن ثم على مستهلكي المحاصيل المروية.. وعلى الناس الذين على مقربة من هذه الحقول.‏‏
تعتمد هذه المخاطر الصحية على عوامل عدة هي: مدة بقاء الجراثيم المسببة للأمراض في الماء أو التربة، والجرعة المحددة لهذه الجراثيم والمواد الكيميائية القادرة على التأثير على الناس، ومدى مناعة الإنسان ضد هذه الجراثيم في عام 2012، وشكّلت زيادة الوعي جراء المخاوف من انتشار الأمراض الدافع الأساسي وراء منظمة الصحة العالمية لوضع مبادئ توجيهية صارمة، ومعايير لمكونات مياه الصرف المستخدمة في الري، بالإضافة إلى التلوث الميكروبيولوجي الموجود في مياه الصرف الصحي، وهناك المواد الكيميائية العضوية مثل: المبيدات، والمعادن الثقيلة كالرصاص، والكادميوم، تهدد الصحة العامة، لأنها يمكن أن تتراكم في التربة، والمحاصيل، والمياه الجوفية، وقد لا تترك تركيزات المواد الكيميائية في المنتجات آثاراً مباشرة على الصحة على المدى القصير، لكنها تترك آثاراً خطرة على المدى البعيد، وتتسبب بأمراض صحية مزمنة مثل سرطان الثدي والبروستات، كما قد تؤثر في النشاط الهرموني والغدد، وإضعاف جهاز المناعة، مع أمراض في الجهاز العصبي.
تأثيرات على التربة
ويرى محي الدين أبو الشمس، عضو المكتب التنفيذي في محافظة ريف دمشق لقطاع الزراعة والري، أن مصادر المياه‏‏ من جراء استخدام مياه الصرف الصحي تعرّض التربة الزراعية للتلوث الميكروبي، كما تتسرب الملوثات من التربة إلى المياه الجوفية المستخدمة للشرب بسبب نقل هذه الجراثيم مع المياه إلى الطبقات الجوفية، وتتراكم هذه المركزات في التربة، وينتقل قسم منها إلى النباتات، والمحاصيل المروية، فتفقد بالتالي مواصفات السلامة الصحية، أما المشكلة الأخطر التي تتعرّض لها التربة من جراء تشبعها بمياه الصرف فهي الملوحة التي تؤدي إلى تآكل التربة، والحد من الأوكسجين، وبالتالي يتوقف نمو النباتات، وكلما زاد استخدام مياه الصرف في ري المزروعات، تتراكم الأيونات السامة مثل كلوريد الصوديوم، والبورون، بالإضافة إلى المعادن الثقيلة في الأوراق، وتختلف نسبة ضررها حسب حساسية هذه النباتات، وبالتالي سيشكّل ذلك انخفاضاً في معدل المحاصيل الزراعية، وفي نوعيتها، كما تتسبب مياه الصرف الصحي في تلويث المياه الجوفية، والآبار الارتوازية من النترات التي تتحول عند وجودها داخل جسم الإنسان مع بعض أنواع البكتيريا إلى مواد أخرى مسببة لأمراض سرطانية، وبالأخص سرطان المعدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن فائض النتروجين والفوسفور في مياه الصرف الصحي يؤدي إلى تلويث المياه السطحية، ويمكن أن يسبب ارتفاع نسبة المغذيات في المياه الذي يؤدي إلى خلق الظروف البيئية المناسبة لنمو البكتيريا الزرقاء، والطحالب المنتجة للسموم، وبالتالي يسبب ذلك التهابات في المعدة والأمعاء، وتلف الكبد، وضعف الجهاز العصبي، وتهيجاً في الجلد.‏‏

معرفة  الأسباب
ولدى مراجعتنا لأكثر من رئيس بلدية  للسؤال عن الموضوع أجابنا رؤساء البلديات المعنية بأن نسبة قليلة من المزروعات تروى بمياه الصرف الصحي، لأن معظم الأهالي قد قاموا بحفر آبار ارتوازية لسقاية مزروعاتهم، ولكن كما نعرف فإن قلة المحروقات قد حرمت الكثير منهم من إمكانية السقاية، ومع هذا فإننا نقوم بدوريات دائمة، ويخالف كل من يضبط وهو يسقي من مياه الصرف الصحي، وكنا قد علمنا أن بعض المزارعين يقومون بكسر قساطل الصرف الصحي التي تمر بالقرية من أجل السقاية.‏‏

في الختام‏‏
لابد أن يكون هناك حل جذري لهذه المشكلة التي تتدخل بالصحة العامة لنا كمواطنين، فغذاؤنا أمانة في أعناق المزارعين، ولهم وحدهم نوجه نداءنا بعد أن عجزت الجهات المعنية في الأمر عن حل الموضوع، والحق يقال إنها غير قادرة في ظل الظروف الحالية على حله، ويبقى الضمير وحده المراقب والمحاسب.‏‏
عبد الرحمن جاويش