التربية الحديثة للأطفال.. صح أم خطأ!..مؤيدوها: تنتج إنساناً سوياً نفسياً.. معارضوها: أنتجت أطفالاً لايحترمون أحداً

التربية الحديثة للأطفال.. صح أم خطأ!..مؤيدوها: تنتج إنساناً سوياً نفسياً.. معارضوها: أنتجت أطفالاً لايحترمون أحداً

أخبار سورية

الأحد، ٧ يناير ٢٠١٨

فراس القاضي – لمى علي  

صفعة أم حِوار؟ صراخ أم نقاش؟
بين الخيارين السابقين ونقيضيهما، يتحدد مستقبل أبنائنا وتكوينهم النفسي والعقلي.. هكذا يقول المختصون.
ويبدو أن الحديث عن مفاهيم التربية الحديثة حديث ذو شجون، خاصة أن الكثيرين ينسبون الكثير مما جرى في السنوات الأخيرة، للجيل الذي نشأ في مدارسنا بعد إلغاء مادة التربية العسكرية الذي ترافق بقرار منع الضرب؛ أي -وبشكل غير معلن- لتطبيق بعض مفاهيم التربية الحديثة التي خلقت – حسب البعض– فجوة واضحة بين الأهل ومفاهيمهم وما تربوا عليه، وبين أبنائهم، فالفرق كبير جداً بين أب كان ينفذ رغبة والده حتى قبل أن يطلبها منه، وبين ابنه الذي عليه أن يقول له: لو سمحت، إن أراد منه شيئاً.
«تشرين» استمزجت آراء مجموعة من الآباء والأمهات في التربية الحديثة ومفاهيمها، فجاءت النتيجة متساوية تقريباً بين المؤيدين والرافضين لها.
الحوار ثم الحوار
المهندسة بسمة جولق قالت: إنها ومن خلال تجربتها مع أولادها ترى أن البداية يجب أن تكون بتقدير فارق السن والتفكير بين الأهل والأبناء، وتؤكد أن أهم ما في العلاقة بينهما هو الحوار الدائم، وإفساح المجال للأبناء للتعبير عن آرائهم ولو بأبسط الأمور، وذلك للتعرف على طريقة تفكيرهم، وعلى الأهل أن يتعاملوا بذكاء فيما يخص إعطاء التوجيهات، لأن الأبناء يكرهون النصائح والتهديد، أما الضرب، ففي رأيها أنه تصرف غبي جداً.
كذلك أكدت السيدة نداء صالح أنها في صف طرق التربية الحديثة التي تقوم على الحوار والتأكيد على سلامة الطفل النفسية، أما الطرق القديمة، فهي على الأغلب قائمة على التعنيف وخالية من الشعور بالمسؤولية العاطفية تجاه الطفل.
والسيدة مرام زيدان قالت: إنها مع الطرائق الحديثة في التربية، وخصوصاً تقبل شخصية الطفل ورغباته، مؤكدة أن على الأهل التوقف عن تحميل الأبناء أحلامهم التي لم تتحقق، إذ إن لهذا الطفل أحلامه الخاصة.
ومثلها السيدة لميس فرحة التي رأت أن الطرائق الحديثة أجدى؛ فالزمن تغير والجيل مختلف كلياً، وقالت: لنكن واقعيين؛ كل المبادئ والقوانين (القديمة والحديثة) تختفي في المواقف الصعبة وتتحكم بنا انفعالاتنا.. والأهم في رأيي من الطرائق التقليدية والحديثة طريقة تصرف الآباء أمام أبنائهم؛ لأنها أهم أساليب التربية على الإطلاق؛ فلا يمكن أن تقنع ابنك بشيء وأنت تنفذ عكسه.
الطرق القديمة أجدى
وكما للطرق الحديثة التي تحرّم ضرب الطفل، بأي طريقة كانت، مؤيدون، فإن للطرق التقليدية التي تعتمد كثيراً على التأنيب من دون أذى مؤيدون أيضاً، فالسيدة أ.م ترى أن التربية الحديثة غير مجدية، مستشهدة بالنتائج الإيجابية لتربيتها لأبنائها عبر طريقة (يد تضرب ويد تحن).
ومثلها السيدة س.ب التي لا تنكر أنها استخدمت أسلوب الضرب وليست نادمة لأنها راضية عن النتائج.
أما ر.م فقالت: فلننظر إلى سلوك الأطفال والشباب حتى سن 16 عاماً، ولنقارنه بسلوكنا عندما كنا في العمر ذاته، الفرق شاسع بكل التفاصيل، وهذا ليس ذنب الأبناء، بل ذنب الأهل الذين تخلوا عن المبادئ التي تربوا وفقها.

Mother scolding her son with pointed finger

أما السيد ع.م فكان الأوضح حين قال: إن التعليم والتربية فشلا مذ مُنع الضرب في المدارس، وترحم على أيام مادة التربية العسكرية وحلاقة رأس طالب المسيء التي جعلت من جيل كامل يختبئ إن رأى أحد أساتذته في الشارع.
التكامل مطلوب
السيد عدنان الناصر قال: إن التربية تكامل مابين البيت والمدرسة والشارع؛ أي الرفقة، وإن أحد أهم أسباب فشل التربية هو التناقض بين ما يتعلمه الطفل في المنزل وما يتعلمه في المدرسة، فالكثير من الأهالي يزرعون في أذهان أولادهم مبدأ (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) ثم يطلبون من المدرسة أن تعلم بالطرق الباريسية.
وأيدت الكلام السابق السيدة بلسم عباس التي أكدت أن المنزل هو البذرة الأولى، بمعنى أن ما تزرعه في ابنك من أمور ومفاهيم وقيم إيجابية سيثمر مستقبلاً، موضحة أن كل طفل هو حالة خاصة، لذا لا يجوز أن نقلد تربية الجار أو الصديق أو القريب.
التربية الدينية منهج
المهندس عيسى اللجي قال: إن المنهج النبوي خير المناهج إن تم تطبيقه بالشكل الصحيح فقد رسمه النبي صلى الله عليه وسلم كالآتي:
(داعبه سبعاً وأدبه سبعاً وراقبه سبعاً ثم اترك له الحبل على الغارب)، لذا كان لزاماً الابتعاد عن العنف في السبع الأولى كي لا يقع الطفل في التعنت لعدم الفهم وعدم إدراك الغاية، أما التأديب فيكون تعليماً وعقاباً إن لزم العقاب، فقد حدد سن التعليم بالسبع، إذ أمر بتعليم الصلاة فيها والضرب القائم على الأثر النفسي لا المادي، أي الضرب للتعليم لا للأذى، وفي العاشرة على التقصير في الصلاة، والمراقبة تتطلب التركيز من الأبوين.
العقاب والثواب
القسم الأكبر ممن سألناهم آراءهم كانوا مع أن يكون هناك عقاب وثواب للطفل، لكن بطرق مختلفة، جورج أنطون قال: إنه مع سياسة العقاب والثواب للأطفال، لكن ليس عبر الضرب أو التعنيف اللفظي، ويفضل أن يكون العقاب حرماناً مؤقتاً من الأشياء التي يحبها الطفل.
أما علي السالم فيرى أن عدم وجود تربية صحيحة من قبل الأهل هو الذي ينتج طفلاً يحتاج إلى ضرب، فالطفل الذي تربى بشكل سليم لا يحتاج إلى عقاب، مضيفاً أن التربية مسؤولية، وعلى من لا يتقنها ألا ينجب أولاداً يحولهم بتربيته السيئة إلى شواذ خلقياً واجتماعياً.
وقالت السيدة إسراء الشاوي: إن تعويد الطفل على الضرب منذ الصغر خطأ كبير، وإن هناك أساليب عقاب أخرى مجدية أكثر، لأن الضرب سيجعل الطفل يفكر في إعادة الخطأ مرة أخرى وتحمّل الضرب الذي سينتجه عن فعلته، أما الحرمان من أشيائه المحببة فهو مجدٍ أكثر.
تجربة شخصية
إياد شاكر والد طفل عمره ثلاث سنوات، يقول أولاً إن الطفل صناعة والديه، وليس فقط جينات موروثة، وعلى الجميع أن يدركوا هذا، ومن بعدها يقررون إن كانوا أهلاً لإنجاب الأبناء أم لا.
يتابع شاكر إنه قرأ الكثير من الكتب والدراسات والنظريات التي تتحدث عن التربية الحديثة، وذلك ليطبقها بحذافيرها على ابنه، فقد حرص طول فترة الحمل على إسماع الجنين موسيقا لموزارت مخصصة للأطفال، وبعد ولادة الطفل، كانت هذه الموسيقا بمثابة المهدئ والمسكّن له عند الألم أو الجوع.
وأضاف: إنه يختار بعناية شديدة ألفاظه أمام ابنه، وكذلك يحرص على تصرفاته كي لا ينقل إليه ما هو سلبي منها، ويضيف: (أخطأت مرة ومارست التدخين داخل الغرفة، وفي اليوم التالي، وجدت ابني يحمل قلم تلوين ويضعه في فمه ليقلدني). ويختم صاحب التجربة، بأنه راضٍ تماماً عن النتائج التي حققتها التربية الحديثة، ويراها ويلمسها كل يوم.
مفكّر منذ اللحظة الأولى
وللتعرف على مفاهيم التربية الحديثة بشكل أكاديمي وعملي، توجهت (تشرين) إلى المركز الإقليمي للطفولة المبكرة، والتقت بمديرته كفاح حداد (ماجستير في كيفية وضع المناهج التي تتناسب مع العصر وكيفية إعداد منهاج رياض الأطفال بالتشارك بين الأهل والرياض) التي قالت: إنه وفي ظل عصر تغزوه التكنولوجيا من كل الجوانب، لا يمكن أن يكون التربويون والأكاديميون وخبراء الطفولة بعيدين عن أساليب التربية الحديثة للطفل، وإن أول أمر يجب أخذه بالحسبان في أساليب التربية الحديثة، هو اعتبار الطفل أساس الدائرة التي نقاطها هم المعنيون بالطفولة، ومجرد اتفاقنا على أن الطفل هو محور العملية التربوية هو بداية للعمل الصحيح.
وأكدت حداد أن الطفل لديه القدرة على التعبير عن أحاسيسه منذ الصرخة الأولى المتفق على تسميتها صرخة الحياة، فمن ناحية فلسفية تربوية هذه الصرخة هي تعبير من الطفل عن ذاته، لأنه بصرخته استخدم دماغه وعبر عن انتقاله إلى جو جديد، كذلك عندما يستدل الرضيع على ثدي أمه من أجل الرضاعة، فهو يستخدم ملكاته التي خلقت معه، موضحة أن عاطفة الأم تجاه الطفل هي غريزة الأمومة، أما عاطفة الطفل تجاه أمه فهي تعلق قبل الحب، تعلق بالشخص الذي يهتم به ويحتضنه، وهذا ينم عن تفكير ووعي.
وعند احترام هذه النقطة، أي إن الطفل يفكر منذ البداية نكون قد بدأنا بالطريقة الصحيحة لتربية الطفل.
الحوار واحترام الرغبات
وتوضح حداد أن أساليب التربية الحديثة تتطلب احترام واكتشاف ما لدى الطفل منذ اللحظة الأولى لولادته، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الطفل ومنذ تكونه في أحشاء الأم يتواصل مع العالم الخارجي، فعندما تظهر عند الطفل موهبة موسيقية، وكانت أمه تتقصد سماع الموسيقا وهي في فترة الحمل، فهذا أحد الدلائل على أنه كان يتواصل مع العالم الخارجي، ومثل هذا بقية الأمثلة، وهذه ليست مورثات طبيعية بل مكتسبة.
كما أن الحوار من أهم مكونات التربية الحديثة، إذ يجب نقاش الطفل في كل ما يعنيه وأخذ رأيه في الأمور التي تخصه، ومن خلال تعزيز الحوار والنقاش مع الطفل، يتم تعزيز ثقته بنفسه عبر إدراكه أن رأيه أمر مهم وأساس، وهذا مهم في تواصله مع الآخرين، ويمنحه طلاقة في حديثه، وتعلمه لغة الإصغاء للغير وتقدير رأيه.
رياض الأطفال شرط أساس
وأكدت مديرة المركز الإقليمي للطفولة أن التربية الحديثة والسليمة تفرض على الأهل أن يقتنعوا بأن عمر ثلاث سنوات هو عمر يسمح بفك التصاق الطفل عن الأسرة والوالدين للالتحاق بالروضة، وفي سورية يتم استقبال الطفل في الرياض من عمر ثلاث سنوات وهو الأفضل، بينما في الولايات المتحدة مثلاً، يرفضون إلحاق الطفل بالروضة قبل عمر أربع سنوات.
وتشير حداد إلى أن الالتحاق بالرياض مهم جداً لنمو وتطور الطفل الذي على الأهل إلحاقه بها حتى لو كانت الأم ربة منزل وبلا عمل، وذلك من أجل الانتقال إلى مرحلة الأقران الذين لهم تأثير كبير في الطفل وفي نموه الطبيعي، لأن الطفل في هذه المرحلة يتعرف على بيئات مختلفة، ويكتسب من خلالها خبرات جديدة، إضافة إلى تعزيز الخبرات التي اكتسبها خلال السنوات الثلاث مع أهله في منزل الأسرة، ففي الروضة يكتسب خبرات لغوية واجتماعية ورياضية وتربوية وحسية وحركية، فالمنهاج يرصد كل هذه الحاجات لدى الطفل، ومن خلال هذه المناهج تتطور خبرات الطفل ويُكتشف ما لديه من خلال التعامل اليومي مع المربية ومع أقرانه في بيئة الروضة مختلفة الأجواء، لكن كل ما سبق لا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة ما لم يتابع من قبل الأهل، وتكون الدائرة مكتملة بينهم وبين الروضة، لذلك فإن وجود لجنة تضم الأهل والروضة أمر مهم جداً.
وأكدت حداد أن الطفل الذي ينتقل من الروضة إلى مرحلة التعليم الأساسي مختلف جداً عن الطفل الذي لم يمر في مرحلة رياض الأطفال، لأن كل الخبرات التي اكتسبها تكون من جانب واحد.
وفي مرحلة الرياض، يبدأ اكتشاف مواهب الطفل من خلال تطبيق مشاريع كثيرة تعمل عليها الدولة السورية، موضحة أن المركز الإقليمي ومن خلال تشجيعه على القراءة في مرحلة الطفولة المبكرة، يضع سداً منيعاً بين الطفل وحصوله على المعلومة عبر أجهزة التكنولوجيا، لأن تعزيز فكرة الحصول على المعلومة من الكتاب والقراءة يضع الطفل على الطريق الصحيح، وتشجيع الطفل على القراءة يتطلب تشجيع محيطه أيضاً على القراءة، طبعاً هذا لا يعني إنكار أهمية الأجهزة التكنولوجية، لكن يجب استخدامها بالطريقة الصحيحة وللمدة الصحيحة.
الضوابط ضرورية جداً
وفيما يخص العقاب، قالت حداد: إن السؤال يوجّه أولاً للأهل، وهو كيف وصل الطفل إلى مرحلة التخريب أو الشغب؟ والتربية الحديثة التي تمنع الضرب لا تعني أبداً ترك الطفل بلا ضوابط وتوجيه، والضوابط عبر الحوار وجعله يشعر بأنه ارتكب أمراً خاطئاً، ولا مانع من أن تُشعر الأم ابنها المخطئ مثلاً بأنها مستاءة منه وأن تعامله بقليل من الجفاء، لأن الأم شخص مهم جداً بالنسبة للطفل، والضرب لن يغيّر شيئاً، كما أن الحرمان لا يجوز قبل عمر ثلاث سنوات، وحتى بعد هذا العمر، يجب تبرير الحرمان عندما يستعمل عقاباً عبر الربط بينه وبين الفعل الخاطئ الذي ارتكبه الطفل، وهذا يوصل إلى نتيجة مرضية.
وختمت حداد بأن أصعب ما في التربية الحديثة هو المقارنة بين الأجيال وطرق تربيتهم، لأن الوضع الآن مختلف جداً من كل النواحي.
معايير ونظريات غير ثابتة
وفي لقاء مع الاستشارية في العلوم السلوكية، ورياض الأطفال والتدخل المبكر روعة كنج، أشارت إلى أن المفهوم الشائع للتربية الحديثة القائم على مبدأ واحد؛ هو الابتعاد عن القسوة في التعامل عن الطفل، مختلف تماماً عن المفهوم الأكاديمي للتربية الحديثة الذي يضم العديد من الأساليب والنظريات والدراسات الخاصة بالتواصل مع الطفل، ويركز على التكوين الجسدي والمعرفي والعاطفي للطفل منذ لحظة ولادته، ويتجاوز الخطأ باعتبار الطفولة المبكرة من عمر 3 إلى 6 سنوات، حيث تُلغى السنوات الثلاث الأولى من حياة الإنسان، وهي أهم سنوات حياته، ففيها يتكون 80% من قدرات الطفل المعرفية والعقلية.. فعلى الأغلب يتم التعامل مع الطفل في سنوات عمره الثلاث الأولى مثلما يتم التعامل مع الحيوان، من خلال تلبية حاجاته الأساسية فقط من أكل وشرب ونوم، بينما تحاول أساليب التربية الحديثة نقل هذا الطفل من كونه كائناً حيوياً إلى كائن معرفي له حاجات نفسية وعاطفية ومعرفية، وبناءً على ذلك يختلف التعامل بين الأطفال وتتنوع أساليب تعليمهم والتواصل معهم وتلبية حاجاتهم، ومع ذلك تجتمع كل الأساليب على معايير أساسية للتربية الحديثة وهي الحوار مع الطفل وتعليمه لغة الجسد والتعبير غير اللفظي إلى جانب التعبير اللفظي.
وأكدت روعة أنه لا يوجد منهج محدد لأساليب التربية الحديثة وإنما هي نظريات على أساسها تختار المؤسسات التعليمية والتربوية كيفية التعامل مع الطفل، وحل مشكلة غياب دور أحد الأبوين في مرحلة معينة من مراحل عمر الطفل، فأحد أساسيات التربية الحديثة أن يأخذ الأب والأم دوراً حيادياً في حياة الطفل بعيداً عن كل من التسلط والإهمال، وأضافت: من نظريات التربية الحديثة؛ نظرية المونتيسوري القائمة على تعليم الطفل حسب المرحلة العمرية، وهي نظرية تطورية، وهناك نظريات أخرى منها التي تشرك المجتمع بشكل كبير في حياة الطفل، ومنها ما تعتمد على أسلوب ترك الطفل يتعلم من خلال الملاحظة من البيئة المحيطة به، وهنا يكون دور المربي أو الأهل هو تمثيل البيئة حتى يتلقى الطفل المعلومة أو يكتشفها.
عقاب وعقبات
وعن مفهوم العقاب السائد في التربية التقليدية أوضحت كنج أن الخلل الموجود في هذا المفهوم هو موروث مجتمعي له أسباب مختلفة منها الثقافة، الدين، الزواج المبكر، الأمية، الفقر وغير ذلك، وأبرز أشكال العقوبات التي تمارس في المجتمع؛ العقاب الجسدي (الضرب)، التعنيف اللفظي والعقاب الجماعي، وتقوم أساليب التربية الحديثة على إلغاء فكرة العقاب تماماً واستبدالها بالانضباط، لأن العقاب تأثيره عابر ولا يقدم للطفل إلا فكرة واحدة؛ هي أنه من الممكن معاقبة الآخر، أما الانضباط فيقوم على عدة أسس مع استخدام التعابير الصحيحة مع الطفل، خاصة أن التربية الحديثة تقوم بشكل أساس على اللغة التي نتعامل بها مع الأطفال وتؤثر بشكل كبير في فهم الطفل وتقديره لذاته، إضافة إلى استخدام خطة تعديل السلوك التي غالباً ما تستخدم مع الأطفال ذوي الحاجات الخاصة، من خلال إعطاء الوقت الكافي لملاحظة سلوك الطفل، متى ولماذا وكيف حدث سلوك معين، ودراسة الحالة ومراقبتها وإعطائها الوقت والجهد الكافيين للوصول إلى مرحلة تعديل السلوك، مع الأخذ بالعلم أنه لا يوجد طفل مطابق لآخر بالسلوك ولا يوجد سلوك مثالي، وتالياً يجب أن نعرف نوع سلوك الطفل والطريقة التي يجب أن نتعامل بها معه، ذلك نجد أن التربية الحديثة تعتمد على نظريات ودراسات ليست ثابتة بل تتغير وتتطور باستمرار.
وتابعت: إلى جانب الانضباط يجب أن تكون هناك تبعات بدل العقاب، فأي تصرف سواء كان جيداً أو غير جيد فيجب أن تكون له تبعات، وعلى الطفل أن يكون على دراية بتبعات كل سلوك يقوم به من خلال الحوار المستمر معه، وفي حال أقدم الطفل على سلوك غير جيد يستخدم معه أسلوب المنع من الأشياء التي يحبها كتبعات لهذا السلوك من دون أن يكون ذلك بالحرمان المباشر، وإنما توضيح الأسباب التي أدت إلى زوال ممارسة الشيء الذي يرغب فيه الطفل تبعاً للسلوك الذي قام به، وهذا الأسلوب يحدث تغييراً حقيقياً، لأن الطفل يتقبل التعامل معه كشخص واع من دون فرض الأوامر عليه أو حرمانه من شيء معين.
ورداً على الفكرة التي انتشرت بعد سنوات من صدور قرار منع عقوبة الضرب في المدارس الذي نتج عنه جيل غير مهذب في نظر الكثيرين تقول روعة: النتيجة التي حصلنا عليها من منع عقوبة الضرب في المدارس وهي جيل فاشل – إن صح التعبير- ليست نتيجة طبيعية لانعدام عقوبة الضرب، وإنما نتيجة طبيعية للمنهج الذي كان متبعاً منذ عقود في مدارسنا وغياب فلسفة التربية من الأساس فيها، فالثغرة كانت في أن المؤسسات التعليمية التي تعتمد على عقوبة الضرب كمنهج لم يكن لديها بديل جاهز لهذا المنهج، فلا الكادر التعليمي مدرب على فكرة الانضباط ولا على خطة تعديل السلوك، وتالياً تطبيق القرار من جانب واحد شكل خللاً في طريقة التعامل مع الطلاب.
مقترح مستقبلي
وتركز الاستشارية روعة على نقطة مهمة وهي التكامل بين أدوار جميع المؤسسات التي يتعامل معها الطفل، سواء البيت، المدرسة، الحي، النادي والمؤسسات المجتمعية المختلفة، فلا تظهر فعالية التربية الحديثة من دون هذا التكامل، وهذا يحتاج إلى ثقافة مجتمع بأكمله، وأن تكون الجهات الحكومية متعاونة على كل المستويات، من خلال إنشاء نواد تثقيفية للأهل والمربين وإقامة دورات في مجال تربية الطفل، وتقترح كنج أن تُلزم الجهات المختصة المقبلين على الزواج باتباع دورة في أصول التواصل والتربية كما تلزمهم بالفحص الطبي، معتبرة أن نجاح التواصل بين الأب والأم سينتج عنه نجاح في التواصل مع أطفالهم، وهذا المقترح قابل للتطبيق لأنه لا يتعارض مع مبدأين أساسيين هما الدين والإنفاق (الحالة الاقتصادية).