في بلاد الغربة .. أحلام ضائعـة في زحمـة الأكاذيـب.. وحنيــن يُنبىء بعــودة قريبة للوطـن

في بلاد الغربة .. أحلام ضائعـة في زحمـة الأكاذيـب.. وحنيــن يُنبىء بعــودة قريبة للوطـن

أخبار سورية

الاثنين، ١٥ يناير ٢٠١٨

ارتسمت الهجرة في عيون الشباب ومخيلتهم بالهروب إلى الجنة الأوروبية المزعومة، فشدوا الرحال بخطا ثابتة نحو حلم منتظر في ظل الحرب القاسية التي أجبرت الكثيرين على ترك أوطانهم وبيوتهم ليصبحوا لاجئين أو مهجرين  أينما حطوا، والبعض ترك وطنه وانتماءه تحت اسم مهجر ليصل إلى  أوروبا التي لم يرها يوماً إلا قطعة من السماء فتحت أبوابها بميزات يحلم بها كل إنسان من سكن مريح وراتب جيد، وتكفلت بتعليم الأطفال حتى سن البلوغ، كما التزمت بدفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها. كل هذه المغريات  شجعت الشباب على الهجرة إليها، فسلكت أفواج من الشباب الطريق إليها، فمن أزمير إلى اليونان عبر بحر إيجة ليكملوا الرحلة مغامرين بأرواحهم وأرواح  أطفالهم للوصول إلى الجنة المزعومة.

تهريب وتجارة بشر

محمود ابن السابعة والثلاثين عاماً، يقول: “لقد عشت التجربة، واطلعت على الكثير، وأرغب في الحديث عن أمور عدة لتوعية الناس من حلم أوروبا، ففي عام 2013 انتعشت مافيا التهريب وتجارة البشر، فالزورق أو ما يسمى البلم يتسع لأربعين شخصاً فقط، لكنه كان يحمل أضعافاً مضاعفة من البشر، فعلى المهرّب أن يجلب خمسين ألف دولار، سواء وصل الركاب أو لم يصلوا، فهذا الأمر لا يعنيه بالإضافة إلى استغلال النساء اللواتي لا يملكن المال، فكان عليهن تقديم تنازلات. كل هذا وبقيت أوروبا حلماً للجميع، لكنني اليوم أخاف على أطفالي من هذه البلدان، فقد احتوت أبناءنا في مدارسها ملتزمة بتكاليف تعليمهم عاداتهم وإرثهم الأوروبي، سالخين عنهم انتماءهم العربي، فأية أسرة تتألف من أطفال ترحب بها ولها الأولوية في القبول، فغاية أوروبا هي تأمين جيل مثقف مثالي يربى في أحضانها ليكون الداعم البنّاء لمستقبلها، ويتابع محمود: في أوروبا الأسرة العربية تفككت، فالمرأة التي كانت تتحمّل أعباء الحياة الزوجية أصبحت اليوم أكثر تمرداً، فأي خلاف ينشأ بينها وبين زوجها بكل بساطة تقول له:  أنا اليوم مستقلة مادياً، وأستطيع العيش وحدي، ويوجد العديد من الحالات التي شهدت انفصالاً أو ترحيلاً للزوج من قبل الحكومة  بناء على طلب الزوجة، ويتابع محمود قوله: “لا أقبل أن أكون لاجئاً جاهلاً، وعلى أوروبا أن تعلم أننا على إدراك بغايتها من فتح بابها بمصرعيه”.

كذبة كبيرة

بأمل كبير ودعت “أ.ع ” أهلها  وابنتها وأحفادها. حملت حقائبها، وانطلقت في رحلتها من سورية إلى لبنان إلى تركيا،  وهنا بدأت الرحلة خلال يومين من السير على الأقدام في غابة موحشة باردة لتبدأ رحلة البحر بالبلم.

تصف ابنة 47 عاماً رحلتها، فتقول:”عشنا أصعب لحظات الخوف والقلق، كنا ننتظر بكل لحظة  الغرق والموت حتى وصلنا الشاطئ إلى جزيرة مجهولة بالنسبة لنا، فبعد المسير على الأقدام لما يقارب الست ساعات، وصلنا مخيمات تعج بالبشر من جنسيات مختلفة، قضينا يومين بالعراء دون طعام أو ماء البعض، أخذ قطعة من الكرتون سريراً له، والبعض فضّل عدم النوم حتى تم نقلنا إلى هنغاريا، وهناك أخذتنا الحكومة واستجوبتنا، وتم تسفيرنا إلى ألمانيا ثم إلى هولندا التي أستقر فيها حالياً.

وحول الوضع في ألمانيا تتابع قائلة: “بالبداية تم فرزنا على “كامبات”، وهي شبيهة بالمعسكرات، بقيت في الكامب حوالي سبعة شهور، وهنا صُدمت بأوروبا التي صورتها في خيالي بلد الرفاهية والتمييز إلى أن رأيتها بعيني، وأدركت حينها أن أوروبا أكذوبة كبيرة، عندما عشت في الكامب ظللت سنة كاملة أعاني حالة من الاكتئاب القاسية، شعرت كأنني شخص أدمن على رائحة تراب ووطن معين، وهنا يحاولون أن يخرجوني من هذا الإدمان، لا أنكر أن أوروبا بلد النظام، وبلد جميل المنظر، وكل شيء متوفر بأريحية، لكنها بلد بلا روح، وبلا حياة.

وعن الحرية المزعومة التي لهث الشباب خلفها، فتشبيهها بسيط جداً، فكأنك طائر في قفص كبير جداً مؤمن بالطعام والشراب، ويقولون لك خذ هذه هي حريتك، فهي بلد مريحة لمن يريد أن يأكل وينام فقط، الحياة الاجتماعية معدومة، المواصلات غالية جداً، فإذا كان الشخص يأخذ 500 يورو سيضع ما يعادل 150 يورو مواصلات، لذلك يفضل الجلوس في البيت، بالإضافة إلى كوننا لاجئين لا نستطيع التحرك إلى أي مكان دون أخذ الموافقة، الحلم انقلب عندها إلى وحدة، وغربة، وفقدان للأهل والأرض والوطن، وأشد ما يؤلمها هو الشباب الذي زحف إلى أوروبا، وأوطانهم بأمس الحاجة لهم، الكل صدم بواقع مرير جعلهم ينغمسون في حياة شرب، وملاه ليلية، وعزلة، ووحدة، وهنا تكمن الخطورة، وللأسف الشباب الذي يأمل أن يجمع المال وجد هذا المنال صعباً جداً، فيوجد أشخاص يقيمون هنا منذ عشرين عاماً ومازالوا على حالهم!.

وحول دوافعها للهجرة تقول: “لقد فكرت كثيراً قبل أن أتخذ القرار للهجرة وترك الوطن، فالظروف الصعبة كنت أتعامل معها بشكل يومي كامرأة مطلقة ليس لها معين أو دخل مادي سوى ما أجنيه من عملي الذي كان يأخذ طيلة النهار لتأمين المستلزمات الأساسية للعيش فقط، فعندما سمعت عن التسهيلات التي تقدمها أوروبا للمهجّرين من راتب يكفي للعيش المريح، وتأمين المنزل الجيد الذي كنت بأمس الحاجة له في بلادي، حينها قررت الهجرة والرحيل”.

واقع مرير

أما أدهم، وهو ابن خمسة وعشرين عاماً فيجيب عن تساؤل مهم يراود أي شخص يبحث عن الحقيقة، فيقول: “أوروبا هي حلم لكل شاب عربي، أتينا ورأينا الحلم واقعاً مريراً صعباً، فالحياة هنا ليست سهلة كما يتخيلها البعض، فكل دقيقة تحسب عليك، اعتقدنا أننا نصل وننزل إلى الشارع مباشرة للعمل، فاكتشفنا أن هذا الأمر صعب، لأن هذه البلدان بلدان أوراق وشهادات، فهي لا تعترف بشيء اسمه مهنة أو مهارة، ولكي نحصل على الشهادة علينا اتباع دورة لمدة ثلاث سنوات ونصف، بعدها نحصل على الشهادة المعترف بها للعمل، وهاأنا أقيم منذ سنتين بألمانيا، ومازلت بلا عمل أو مردود مادي، ثم تأتي اللغة التي تشكّل عقبة كبيرة بالنسبة لنا، فمن الصعب إتقانها بفترة قصيرة، وهذا بدوره يشكّل حاجزاً كبيراً بالتعامل مع أهلها، ويزيد من إحساسنا بالغربة والوحدة”!.

كرت ذهبي

عام 2012 بدأ دخول السوريين إلى تركيا بشكل عشوائي دون أية أوراق ثبوتية، حتى إن البعض كان يدخل بسيارته الخاصة، استقروا بالمدن المحاذية للشريط الحدودي السوري على أمل أن يعودوا للوطن، إلا أنه بعد فترة بدأ السوري يتعمق بالمدن التركية باحثاً عن العمل والاستقرار، وبدأت تتوافد الأسر المهجّرة بأعداد كبيرة جعلت الدول الأوروبية تتخوف من هذا الزحف العشوائي، فكان عليها الاتفاق مع تركيا للحد من هذا الزحف عن طريق ضبط الحدود من قبلها، وهنا كانت الورقة الرابحة بيد تركيا، حيث أصبحت تركيا تهدد الاتحاد الأوروبي بأن لديها 3 ملايين لاجئ سوري، وأن الاتحاد لا يدعمها، فأصدر الاتحاد الأوروبي قراراً بمنح قروض للعائلات السورية، بما يعادل 120 ليرة تركية للشخص الواحد شهرياً، ويسمى (كرت هلال)، والاختلاف هنا أن الإحصائيات التركية تقول: إن لديها 2,7 مليون لاجئ، وتقدم فواتير للاتحاد الأوروبي بمليارات الدولارات كعلاج للسوريين سنوياً، وللتعليم، وفي الوقت الذي يقول فيه الأتراك إن اللاجئ السوري يخفض من اقتصاد تركيا، فإن المعطيات تشير إلى أنه يشكّل كرتاً ذهبياً لها.

كرم طائي

اليوم ومع عودة الحياة الطبيعية لكامل الجغرافيا السورية، نتمنى عودة  الكفاءات والخبرات الوطنية الشابة للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، فالأشهر القليلة القادمة ستكون مرحلة العمل والبناء، وبأيد وطنية بامتياز.

رفعت الديك-البعث