تضارب القرارات ساهم بانتشار الفوضى السلوك المدرسي.. تحولات تنذر بانحرافات تربوية خطيرة وغياب الضوابط يشي بالانفلات

تضارب القرارات ساهم بانتشار الفوضى السلوك المدرسي.. تحولات تنذر بانحرافات تربوية خطيرة وغياب الضوابط يشي بالانفلات

أخبار سورية

الجمعة، ١٩ يناير ٢٠١٨

تحولات يمكن وصفها بالجذرية أو المحورية، طرأت على العملية التدريسية جراء العديد من العوامل والمعوقات والمدخلات الجديدة التي طرأت تلك العملية، منها ما هو من مفرزات الأزمة، ومنها ما كان سابقاً لها، وإذا كان للأزمة، وما تعرضت له البلاد من حرب جائرة طالت القطاعات كافة، ومنها القطاع التربوي تداعيات كبيرة،  إلا أن العديد من القرارات، ومنها إلغاء مادة التربية العسكرية كان لها تداعيات لا تقل أهمية عن تداعيات الأزمة لجهة الفوضى التي خيّمت على واقع معظم مدارس القطر.. واليوم تتعالى الأصوات المنادية بعودة سلطة المدرّس، وكبح جماح الطلاب الذين تمردوا على أسرهم ومدرسيهم، فهل عودة مادة التربية العسكرية تشكل حلاً  لذلك، أم أن تفعيل الإرشاد النفسي يحقق النتائج المطلوبة؟.
“ميوعة” وفوضى
مشهد لباس الفتوة، وحالة الانضباط المرافقة له مازال حاضراً في أذهان الغالبية العظمى من السوريين، وكذلك المعسكرات الإنتاجية، ورصف الحجارة في الطرق، أو تنظيف السدود، أو غيرها من الأعمال التي تعمّق انتماء جيل الشباب بوطنهم والبيئة التي يسكنون فيها… الصوت الجهوري لمدرب الفتوة، وحالة الخوف من المدرس قصص مازال يستذكرها كل من عايش تلك المرحلة التي كانت تتصف بالانضباط والاحترام، وبناء الشخصية لدى الطالب، كما تقول المدرّسة هدى، وهي موجهة في إحدى المدارس: إن حالة الطلاب اليوم تتصف”بالميوعة”وعدم المسؤولية جراء غياب رقابة الأسرة، وتكبيل المدرّس في التعامل مع الطالب، وإحالته إلى الإرشاد النفسي الذي لا حول له ولا قوة في ظل  تفشي ظاهرة اللامبالاة بين صفوف الطلاب، وتقول هدى: إن الإرشاد النفسي  يساهم في حل الكثير من المشاكل الخاصة التي تعترض الطلاب، إلا أنه لا يشكل حلاً لمشكلة الفوضى التي تسود المدارس.

قرارات متضاربة
البعث زارت عدداً من مدارس المحافظة، واستمعت لآراء المدرسين حول أسباب انتشار الفوضى في المدارس، ورغم تعدد الأسباب برأيهم، إلا أنه يمكن القول: إن أهم الأسباب برأيهم والتي اجتمعت عليها معظم الآراء هو قرار منع الضرب الذي كان بداية النهاية لحالة الانضباط في المدارس، حيث اتخذه الطلاب وأولياؤهم ذريعة للتحرر من الأنظمة والقوانين كافة التي كانت سائدة، وأهمها اللباس والهندام، وأصبح المدرّس بين مطرقة قانون منع الضرب، وما يتعرض له من مساءلة وإحالة للقضاء في حال المخالفة، وسندان الفوضى، وعدم الانضباط التي عمت الشعبة الدرسية، أما السبب الثاني برأي المدرسين الذين التقيناهم، فهو القرارات الملتبسة والمتضاربة حول تنظيم العملية التربوية، وإشكالية المناهج، وما جرى حولها من لغط، كل ذلك انعكس على سير العملية التدريسية لجهة عدم ثقة الأهل والطلاب بالقائمين على  العمل التربوي من رأس الهرم إلى القاعدة، وأشار البعض إلى الفجوة الكبيرة بين مخرجات كلية التربية والمناهج الجديدة، منوهين إلى قرار وزير التربية بإخراج مدرسي الاختصاص من الصفين الخامس والسادس، وتكليف معلمي الصف بها، وهو ما سبب إرباكاً كبيراً وضعفاً واضحاً في الأداء، دفع الطلاب إلى التوجه نحو الدروس الخصوصية، أما الأهم فهو البنية التحتية، فمعظم المدارس تحتاج إلى ترميم، ولا تتوافق مع المناهج الجديدة، وطرق تدريسها سواء لجهة القاعات التدريسية نفسها، وعدم توفر وسائل الإيضاح، والتزايد الكبير لعدد الطلاب في الشعبة الصفية، كلها عوامل جعلت من تطبيق المناهج الجديدة أمراً شبه مستحيل.

حساب ذهني
ومن جهة أخرى إن المنهاج المقرر خلال السنة الدراسية يخلق عبئاً على المدرس والطالب في آن واحد،  فالأول يحاول إنهاء المنهاج المقرر، والثاني يتعرض لكمية هائلة من المعلومات، ما يجعله يحاول التشويش، وإضاعة الوقت كنوع من التفريغ لأخذ الاستراحة اللازمة لتجديد التركيز، أما عن مسألة الساعات الخصوصية مدفوعة الأجر، فحدّث بلا حرج، حيث لا يخفى علينا كمية الدروس الخصوصية المعطاة خارج المدرسة، فأصبح المدرّس يعتبرها مصدر رزق شبه أساسي ليقارع ظروف الحياة التي يمر بها، وأيضاً مادة الحساب الذهني التي انتشرت بشكل واسع، فهل من المعقول أن نتساهل باللباس المدرسي، ونترك الدروس الخاصة تثقل كاهل الأهالي؟ وبذكر موضوع اللباس المدرسي، فإن معاناة السنة الدراسية الحالية أخف مما مرت به المدارس في السنوات السابقة، فخلال الأزمة أصدرت وزارة التربية والتعليم قراراً بالتساهل في اللباس المدرسي، وبشكل خاص مع الوافدين من الطلاب، فانتشرت ظواهر مختلفة، ولم تقتصر على الوافدين، بل شملت طلاب المحافظة.

مخدرات وتدخين
التدخين في المدرسة منذ بضع أعوام فقط، كان جريمة يرتكبها الطالب إذا ما ضبط يقوم بالتدخين داخل أسوار المدرسة، واليوم نرى هذه الظاهرة أصبحت شبه اعتيادية وروتينية، وفي بعض الأحيان تمارس أمام أعين المدرسين، ويصنف بعض المدرسين والمراقبين أن سبب تنامي هذه الظاهرة في المدارس يعود إلى كف يد المدرسين، وتأطير صلاحياتهم من قبل وزارة التربية والتعليم، ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقط، إنما تطورت ووصلت إلى تعاطي بعض الطلبة المواد المخدرة، فانتشار المخدرات أمر بات مقلقاً بالنسبة لأهالي المحافظة، ففي شكوى إحدى الفتيات، قالت: كنت أشكو لصديقتي جوعي، فعرضت علي أن أتناول قطعة من شطيرتها، وعندما أخذت القطعة لآكلها لمحت شيئاً أبيض مفتتاً داخلها، ولكنني لست فضولية، فلم أفتح الشطيرة لأعرف ما في داخلها، لكن عيني لم تكن تفارق الفتاة، فبقيت أراقبها طوال الساعات الدراسية، وكأنها غابت عن وعيها، أو غير مكترثة بما يجري حولها.

خارج الأسوار
وما يحدث خارج أسوار المدرسة لا يقل أهمية عما يحدث داخلها، وأهم ذلك مظاهر العنف التي تعاني منها مدارس محافظة السويداء، وإذا كانت ساحات هذا العنف خارج الأسوار، إلا أن أدواته وتداعياته وانعكاساته من المؤكد أنها داخل تلك الأسوار، ومثال ذلك الشجار الذي وقع بين طلبة قرية الغارية، وقرية المغير في ثانوية الغارية منذ مدة ليست بالبعيدة، حيث انتهى هذا الأمر إلى إصابة بعض الطلاب بجروح خطيرة، ودخولهم إلى المستشفى، لتتعالى بعدها أصوات الأهالي لوضع حد لتلك الفوضى؟!.
مدير المدرسة سامر أبو طافش قال بأن الشجار حصل خارج أسوار المدرسة، ومع ذلك تدخّل بعض المدرّسين محاولين احتواء الموقف، وبالفعل تمكنوا من السيطرة عليه، ولكن وجود بعض الشبان المتواجدين بالعراك، وهم ليسوا طلبة، وكانت بحوزتهم أدوات حادة، رفع منسوب العنف، وعلى أثره حصلت الإصابات لبعض الطلاب، وهنا يفترض أن يفعّل دور الأجهزة المعنية أكثر لمنع تكرار مثل هذه الظاهرة مجدداً، أما بخصوص الاتهامات التي وجهت لهم فقال مدير المدرسة: نحن في هذه المدرسة، معلمين وطلاباً، نعيش كأسرة واحدة، وإن من الإجحاف بحق المدرّسين المتواجدين في المدرسة توجيه مثل هذه الاتهامات لهم، وإننا نعتبر جميع الطلاب في المدرسة أبناء لنا دون تمييز أو تفريق بينهم، ولكننا نحبذ الطالب المتفوق، ونظهر ذلك عمداً لكي يكون حافزاً لغيره من الطلبة.

معاناة مدارس الفتيات
تعاني مدارس الفتيات في السويداء من ظاهرة تجمع الذكور أمامها، وهذا ليس بالأمر الجديد، فلا يقتصر الأمر على الطلاب من الذكور، بل يشمل الشباب من عمر خمسة عشر عاماً إلى الرابعة والعشرين، وهنا تقع المسؤولية على عاتق المدرّسين والإدارة للاهتمام بالطالبات خوفاً من تعرّض أية فتاة إلى موقف غير مرغوب به، ومن المعروف أن التفاهم مع شاب بهذا العمر هو أمر صعب، وبالتالي قد يتعرّض أحد المدرّسين للضرب من قبل هؤلاء الشباب، وهذا ما حصل مع أحد المدرّسين في محاولة منه لإبعادهم من أمام المدرسة، وفي بعض المدارس كمدرسة توفيق مزهر مثلاً قامت مجموعة من أهالي الحي بتشكيل لجان شبابية تحاول قدر الإمكان إبعاد مثل هؤلاء الشباب، حيث تعاني هذه المدرسة بالذات من هذه المشكلة، والأمر لم يعد خفياً، فلم يعد العبء محصوراً في تعامل المدرّس مع تلاميذه داخل القاعات الدراسية، بل وخارجها أيضاً.

نظام الفتوة
وضع المدارس بات أمراً مثار جدل، وحديثاً عند أهالي محافظة السويداء، والتي تشكّل مخرجات التعليم فيها مراحل متقدمة، وقطعت أشواطاً كبيرة في ميدان التعليم، إلا أن بعض المنغصات باتت تشوب تلك العملية، حيث يقول مدير مدرسة فواز البدعيش في مدينة السويداء مؤنس العصفور:ما بين ليلة وضحاها اختلف وضع المدارس من حال إلى حال، فبالأمس كان مدرّس الفتوة قادراً على ضبط أكثر من ألفي طالب بصوت واحد، وبقرار فجائي اختل توازن العملية التعليمية، حيث أصدر ما يلغي دور نظام الفتوة في المدارس، وبدأت مهاجمة المدرّسين في حال حاول أحدهم ضبط صفه بالطرق التي اعتاد عليها، ومن إحدى “المهاجمات” التي تعرّض لها أحد المدرّسين (معاقبة لأنه زجر طالباً)، وهل يحصل التغيير فجأة دون تمهيد؟!.
فمنذ متى كان المدرّس يعاقب على ضبطه لصفه؟ هذا ما أضعف دور المدرّس في أدائه لوظيفته بشكل مكتمل، وبالتالي خلق تمرداً لدى التلاميذ، وأضاف العصفور: طبعاً نحن لسنا بصدد التشجيع على إعادة نظام الفتوة، ولكن نطالب على الأقل بالموازاة قليلاً بين المدرّس والطالب، فمن غير المرضي أن يقضي المدرّس الحصة الدراسية بترجّي طلابه بأن ينصتوا إليه ويكفّوا عن الشغب، وبمحاولة من وزارة التربية والتعليم لإيجاد حل، تم وضع مادة السلوك لضبط الطالب، فكان هذا الحل سيفاً ذا حدين، وضع المدرّس في حالة حيرة، إما أن يستخدمها لتأنيب الطالب على شغبه، ويكون بهذا التصرف قد أتلف عاماً من جهد الطالب على حساب سلوكه المشاغب، أو أن يتساهل مع الطالب، وهكذا يكون قد شجع أو على الأقل تجاهل الشغب الحاصل في الصفوف، ومن الأمر البديهي والمعروف أن الشغب سلوك ملازم للطفل في جميع مراحله الدراسية، وهذا ناتج عن الضغط والعبء الملقى عليه من كمية المعلومات الموجودة في المنهاج الدراسي؟!.

الإرشاد النفسي
وأضاف العصفور قائلاً: أما عن الإرشاد النفسي الذي أراه بشكل شخصي غير فعال، ولا يقوم بدوره على النحو المطلوب، فيعتبر(مدرّس الإرشاد) نفسه محامي دفاع عن الطالب، وهذا أسلوب خاطئ، إنما الشكل الصحيح لوظيفته يتجلى بالتقريب بين المدرّس والطالب، وتحسين تفكير الطالب، وجعله أكثر مرونة، وتقبّل النصائح التي يقدمها المدرّس، وفي بعض الحالات نجد أن مدرّسي الإرشاد النفسي على غير دراية بالطالب المتفوق أو الطالب المتأخر دراسياً، وبالتالي هم غير قادرين على تقييم الطلاب، أو حتى تقديم المساعدة، وما أكثر وجود مثل هؤلاء المدرّسين، فالقلة القلائل من هم فاعلون في هذا المجال الذي يعتبر تربوياً تعليمياً وتثقيفياً في آن واحد.

دعم معنوي
بعد انتشار هذه الظواهر، وفي ظل عدم نجاح الأساليب التربوية المتبعة حالياً، والتي ساهمت إلى حد بعيد في تفاقم المشاكل، هل ستكون هناك إجراءات جديدة تساهم في التصدي لهذه المشكلات، أم سيكون من المفيد العودة للتربية العسكرية التي كانت العمود الفقري للعملية التربوية في المدارس، وأهم أدوات الانضباط فيها؟!.
رفعت الديك