حساسية ملف وطرح كهذا، جعلت العمل عليه كالسير في حقل ألغام بفارق وحيد، أنك هنا تسير على رؤوس مشاعرك ودموعك وليس رؤوس أصابعك.
خلف كل نزيل قصة، وخلف كل قصة غصة، لكن في الوقت ذاته، قلة قليلة من الذين التقيناهم في دور المسنين جاؤوا إليها مرغمين من قبل ذويهم، والأغلبية إما بإرادتهم لعدم رغبتهم في الإقامة مع أحد، وإما بسبب مفرزات الحرب وبالذات هجرة الشباب والتهجير من المناطق الساخنة التي رفعت نسب الإقبال على دور المسنين بشكل كبير.
وعن دور رعاية المسنين، ونظرة المجتمع لموضوع إقامة المسنين فيها، أجرت (تشرين) استطلاعاً للرأي شمل 60 عينة من فئات عمرية مختلفة، وكانت النتائج كالآتي:
رفض وقبول
80% رفض قاطع لإقامة المسن في دور رعاية المسنين مهما كانت الظروف، لأسباب تتعلق في أغلبها بالموروث الاجتماعي والديني الذي يضع الأهل بمكانة مقدسة لا يجوز مسها تحت أي ظرف.
ومنهم أماني وشاح التي قالت إنها ضد الفكرة بالمطلق، لأن الأب والأم فعلا المستحيل ليبلغ الأبناء ما بلغوه، ورافقا أبناءهما في صحتهم ومرضهم وحزنهم وفرحهم وبكل تفاصيل حياتهم وبكل رضا وصبر، لذا لا يوجد أي مسوغ ليقول أحد إنه لا يملك الوقت لرعايتهم، مضيفة أن من يملك المقدرة على وضع أحد والديه في دار المسنين فهو حتماً يملك القدرة على تخصيص ممرض له إن كان مريضاً.
كذلك نور الطلب استنكرت الفكرة جداً ونَسَبتها لرغبة البعض بتقليد المجتمع الغربي، وقالت: «لمَ لا نربي أولادنا على الإسلام الصحيح، وفي هذه الحالة سيعاملوننا كما أمرهم الله وأوصاهم به الرسول (ص)»؟.
الحرب والتهجير مجرد حجة، لأن التهجير لا يكون إلا من مكان غير آمن، وتالياً فلن يكون دار المسنين آمناً).
12% يفضلون إقامة المسن مع أسرته أو ما تبقى منها، لكنهم لا يرفضون إقامة المسن في دار الرعاية إن اقتضت الحاجة.
ومنهم نور عبد الكريم التي أوضحت أنه بوجود الأسرة مجتمعة فلا مسوغ لوضع الأهل في دار المسنين، وحتى في حال التهجير، فالأفضل أن يتهجر المسن مع أسرته بدلاً من أن يبقى وحيداً في دار المسنين، لكن في الوقت نفسه، فإن وجود دور رعاية للمسنين أمر ضروري جداً، لأن هناك كثيراً من الناس لم يتبقَ لهم أحد، ولابد من مأوى لهم وأشخاص يقومون برعايتهم.

جودة الدار.. من أهم المعايير
8% لم يمانعوا إقامة المسن في دور الرعاية لأنها تقدم له خدمات قد لا يستطيع أفراد أسرته تأمينها، لكن شرط أن تكون الدار تتمتع بجودة ومواصفات معينة.
حيث قالت نعمى أصلان إن رد الفعل السلبي من موضوع دور رعاية المسنين مردّه ليس فقط للناحية الأخلاقية أو بسبب الموروث، بل لأن فكرة الناس عن وضع مراكز الخدمات الاجتماعية غير جيدة.
من جهتها منى شحادي قالت إن هذا الأمر يحدده المسن إن كان يريد المكوث في دار الرعاية أم يبقى مع أسرته، لكن أيضاً يقيّم الوضع بحسب وضع دار المسنين، فإن كان نظيفاً والخدمات مؤمنة فيه من رياضة وحدائق ونزلاء أصدقاء وعروض ترفيهية، ففي حالة السلم أو الحرب قد يكون الأفضل للمسن أن يبقى في الدار، أما في حال عدم توافر هذه الصفات فالأفضل أن يبقى مع أسرته.
أما هنادي شدود فأكدت أنه يجب عدم تناول الموضوع من الناحية العاطفية فقط، فدور المسنين لم تؤسَس عن عبث، فهناك الكثير من الأشخاص الذين لا معيل لهم، وإن منعت الظروف أبناءهم من القيام بواجبهم تجاه أهاليهم، فلا مانع من أن يعتني بهم فريق دار المسنين.
وأيّد نور الدين قنوص ما ذهبت إليه شدود من حيث إن دار المسنين مخصصة للناس الذين ليس لهم من يرعاهم أو إن كانوا يعانون أمراضاً مزمنة لا يستطيع الأبناء التعامل معها وبحاجة لعناية خاصة، لكن أيضاً بشرط ألا ينسى الابن أهله وأن يزورهم بشكل مستمر للاطمئنان على أحوالهم.

رفاهية مدفوعة وبالمجان
في زيارة لدار السعادة للمسنين (منطقة المزة) التابعة لجمعية الإسعاف العام، التقت «تشرين» ميساء شعباني (مديرة الدار) التي أشارت إلى زيادة الإقبال على الدار خلال سنوات الأزمة بشكل كبير جداً، لدرجة أن بعض الراغبين بدخول الدار ينتظرون حوالي السنة على قائمة الانتظار للحصول على مكان شاغر، مع التأكيد أن حوالي 70% من الموجودين في الدار أتوا بأنفسهم للعيش في هذا المكان، وتقول: هناك فئات معينة من المجتمع أصبحت مقتنعة أن المكان الأنسب للمسنين في دور الرعاية المخصصة لهم، وأدركوا مع مرور الوقت والاطلاع المباشر على الخدمات المقدمة أهمية تلك الدور. أما الأجور المرتفعة التي أصبحت إدارة الدار تتقاضاها مقابل إقامة المسن لديها، ووصلت في الآونة الأخيرة إلى 120 ألف ليرة سورية للغرفة و200 ألف ليرة للجناح، مع مراعاة النزلاء القدامى برفع الأجور المترتبة عليهم فقط حوالي 20%، تبررها الإدارة بتضاعف الأسعار على كل المواد، وتالياً تم رفع الأسعار للنزلاء الجدد للمحافظة على مستوى الخدمات المقدمة من طعام – تدفئة – تمريض – نظافة وغيرها. بالإشارة إلى وجود قسم مجاني يشكل حوالي 30% من الاستيعاب الكلي للدار الذي يصل 150 مكاناً تقريباً، يتم فيه استقبال المسنين غير القادرين على دفع الأجور وذوي حالات إنسانية خاصة، ويُقدم لهم كافة الخدمات المقدمة لبقية النزلاء إضافة إلى الأدوية والعمليات الطبية مجاناً، والموافقة عليهم تكون من خلال لجنة إدارة الجمعية التي تدرس الحالات وتقرر من هي الأكثر حاجة، حسب السيدة لميس حفار رئيسة مجلس إدارة الجمعية.
وفي جولة على المسنين الموجودين في الدار وجدنا السيدة منى عيد (75 عاماً) تجلس في «السويت» الخاص بها في دار السعادة للمسنين، أمام «الايباد» للتواصل مع ابنتها في أمريكا.. في الوقت الذي يتناول بقية نزلاء الدار وجبة الغداء، هي لاتزال تشرب «نسكافيه» الصباح، وتوضح أنها لا تستيقظ في وقت باكر، وتالياً لا تلتزم غالباً بأوقات تقديم الطعام في الدار، فتدفع مبلغاً إضافياً تعدّه رمزياً مقابل خدمة إيصال الطعام لها وقت تشاء.. السيدة منى التي بدأت رحلتها في هذا المكان قبل عامين رغم المعارضة التي لاقتها من ابنها وأخيها، تشير إلى أنها بقيت 9 أشهر على لائحة الانتظار حتى سنحت لها فرصة الحصول على هذا المكان الذي تجده ممتازاً بكل المعايير، وقالت: وجدت هنا الاستقرار والاستقلالية، وسهولة تأمين متطلباتي في جميع الأوقات، أتيت إلى هنا بملء إرادتي لأنني لا أستطيع العيش في منزل أحد ولا يمكنني العيش وحدي، أقوم بما أرغب خلال وجودي هنا، أستقبل زيارات أو أخرج نزهات وأتصرف بكامل حريتي.
ابتسامة الرضا التي وجدناها على وجه السيدة فوزية (66 عاماً) لم تكن لتعكس الحال التي وصلت إليها قبل مجيئها إلى دار السعادة، حيث تم استقبالها في القسم المجاني نظراً لعدم وجود أي مكان آخر تأوي إليه، فبعد وفاة أبويها وهي البنت التي نذرت حياتها لهما لم تجد الخير من إخوتها –على حسب تعبيرها- فكل منهم التفت إلى حياته الشخصية، وقضت فترة من الزمن تعيش على المساعدات من الأقارب والجيران والجمعيات الخيرية، فلا راتب تقاعد تملكه ولا ورثة حصلت عليها، حتى تمكنت قبل عام وأكثر من دخول الدار، وحصلت على كل الخدمات التي تقدم لأي نزيل يدفع شهرياً ما يتجاوز أحياناً 100 ألف ليرة، باستثناء وجودها في غرفة مشتركة مع اثنتين غيرها من النزيلات، إذ تقول عن علاقتها بهما: إنهما أعز من إخوتها.

رضا.. لكن الأمنية الخروج!
وفي زيارة لدار الحنان للمسنين والعجزة (في منطقة أشرفية صحنايا) التي تضم حوالي 60 نزيلاً بين مسن وعاجز، أشارت مديرة الدار الدكتورة ندى فرحات إلى أنه بعد الأزمة لم يعد يوجد أي مكان شاغر، والأجور ارتفعت بشكل تدريجي حتى وصلت اليوم إلى 40 ألف ليرة شهرياً للمسن و50 ألف ليرة للعاجز، لسد النفقات التي تتحملها الدار، حيث لا مورد إضافياً لها غير التبرعات، ومع ذلك تستقبل الدار من تبرعات المحسنين ومجلس الإدارة حالات إنسانية مجاناً بنسبة 45%، فلا ترفض أي شخص يطرق بابها مادام يحقق شروط القبول ومنها: أن يكون عمره فوق الستين عاماً، مع وجود استثناءات لحالات إنسانية معينة، ألا يكون مريض زهايمر لأنه مرض معقد يحتاج خبرات طبية نفسية خاصة، مع إنه إذا أصيب أحد النزلاء بهذا المرض خلال إقامته في الدار لا مشكلة في بقائه، وألا يحمل أمراضاً معدية وسارية، وأخيراً أن يكون دخول الشخص إلى الدار بإرادته..
في جولة ضمن دار الحنان التي تبدو أقل رفاهية، وجدنا من خلال لقاءات عدد من النزلاء أن الأغلبية متأقلمون مع وجودهم في الدار ومرتاحون للخدمات المقدمة ويعيشون حياة راضية إلى حدّ ما، ومع ذلك أغلب الأمنيات كانت الخروج إلى حياة أفضل.. ومن بينهم سعيد (70 عاماً) الذي يتمنى لو أنه يجد مستقبلاً مكاناً له خارج الدار، على الرغم من إشادته بالخدمات المقدمة والعناية من قبل القائمين عليه، مشيراً إلى أنه بعد مرضه اتفق مع أخيه الذي لم يبق له غيره في هذه الحياة، أن يقيم هنا بدلاً من العيش معه في منزله مع عائلته، أفضل لهما معاً – حسب تعبيره، ويقوم الأخ بدفع التكلفة الشهرية، ويزوره بين الحين والآخر.. إلا أن سعيد يتوق إلى حياة عادية يرى فيها الشارع والسوق وأشخاصاً جدداً في كل يوم..

الدار الحكومية الوحيدة
الحالة قد تختلف إلى حدّ كبير في دار الكرامة للمسنين والعجرة (منطقة باب شرقي) الدار الحكومية الوحيدة في دمشق والتي تتبع إدارياً لمحافظة دمشق، ومع ذلك تعدّ في مستوى جيد من الخدمات من حيث الطعام والتدفئة والنظافة، إلا أن العدد الكبير في كل غرفة وشكل البناء المدرسي ووجود المسنين مع العجزة في مكان واحد يعطي المكان شعوراً سلبياً إلى حدّ ما، ما انعكس على بعض النزلاء، بينما لم يؤثر في البعض الآخر الذي وجد في هذا المكان المأوى والأمان من دون مقابل.. وفي لقاء المهندس مازن فرزلي- مدير الدار أشار إلى أن أماكن الدار أصبحت ممتلئة بشكل كامل ولاسيما في سنوات الأزمة الأخيرة، وأن العدد الحالي يصل إلى حوالي 85 نزيلاً مع وجود لائحة انتظار طويلة، موضحاً أنه يتم العمل في الفترة الأخيرة على دعم عمل الدار من حيث النظافة والطعام والناحية النفسية والاجتماعية، فتقديم الإقامة والطعام والطبابة لا تكفي، لأن وقت الفراغ الذي يقضيه النزلاء في الدار يجب ملؤه بأي نشاط، لتخفيف العبء النفسي الذي يعيشونه، حيث قدمنا لهم برنامج تدريب على الأشغال اليدوية وشاركوا في معارض وحققنا حالة إيجابية مميزة، إضافة إلى القيام ببعض النشاطات الترفيهية كزيارة السينما وحديقة الحيوانات والمتنزهات.
وعن معايير القبول في الدار يقول فرزلي: هي ليست ثابتة بسبب عدم وجود نظام داخلي محدد للدار إلا أنه يتم العمل على ذلك مع الجهات المعنية، أما حالياً فيتم القبول وفق طلب شخصي شرط عدم الخروج إلا بموافقة كفيل، وألا يعاني المسن أمراضاً معدية وسارية، وتتم دراسة كل حالة بمفردها وتقدير مدى أولوية قبولها في الدار، ويكون الاشتراك الشهري 1000 ليرة سورية، ويعفى منها من نجد أنه غير قادر على دفعها.
ومن خلال لقاء عدد من النزلاء في الدار، التقينا حنان (70 عاماً) التي أتت إلى الدار برفقة أخيها التي كانت تسكن معه في بيت واحد بعد وفاة زوجها وهي لم تنجب أولاداً، وبعد أن أجبرته ظروف التهجير على ترك منزله والعيش في منزل أحد أقربائه، لم تجد غيره من أخواتها يؤويها، فقبلت دخول الدار مرغمة، ورغم الألم الذي شعرت به في البداية إلا أنها اليوم وبعد 4 سنوات تجد أنه الحل الأنسب لها، وأصبحت راضية بشكل كبير عن حالتها، وشكرت القائمين على الخدمات المقدمة مجاناً.
على عكس أم عاطف (75 عاماً) التي وبعد 7 سنوات من إقامتها في الدار لم تتأقلم مع الوضع، ولا يعجبها أي شيء مما يُقدم لها، وأصبحت ناقمة على كل من حولها بسبب وجودها هنا وعدم قدرتها على الخروج، قصتها كانت غير واضحة، فالسيدة التي دخلت أحد مشافي الدولة لإجراء عمل جراحي، وجدت نفسها بعد أيام في دار المسنين، والحصة التي كانت تملكها في بيت العائلة لا تعرف ماذا حل بها، تشعر بالوحدة فلا أحد يزورها بعد أن قضى أولادها بسبب الأحداث التي تمر بها البلاد، ولا تفكر إلا بكيفية الخروج من الدار ومحاولة استرداد حقها الضائع.

التواصل مع المسن
والتقت «تشرين» الاختصاصية الاجتماعية مي برقاوي التي قالت إن موضوع المسن اليوم يستحق منا كل الاهتمام، ليس لأن الشيخوخة هي أكثر مراحل الإنسان التي تحتاج إلى رعاية، إنما أيضاً لأن تطور نظام الأسرة من الممتدة الكبيرة الى الأضيق، وتعقد الظروف الاجتماعية والمعيشية لها، انعكس على المسن بشكل سلبي وكبير، مثل افتقاده دوره وصفته ككبير العائلة وغياب دوره الاجتماعي والأسري مع إحساس بالضعف العام وهو أقسى وأصعب إحساس يمكن أن يشعره الشخص بعامة والكبير المسن بالذات، خاصة إذا ساهم المحيطون به من أسرته وأقاربه بتكريس هذا الشعور لديه والذي يزيد من انفعالاته السلبية وافتقاده الشعور بالأمان وضعف انتمائه للآخرين والعزلة والوحدة، ما ينعكس سلباً على وضعه النفسي والاجتماعي والصحي.
وأضافت برقاوي: مع إن رعاية المسنين قد أقرتها الأديان والأعراف والقوانين الاجتماعية والدولية (حقوق الانسان)، لكن تبقى الأسرة هي أولاً ثم أولاً ثم أولاً، لأنها أهم مؤسسة اجتماعية تقوم برعايته وتوفر له حاجاته المعيشية والصحية والاجتماعية من فرص تواصل وتفاعل مثل الجلوس معه والاستماع لأحاديثه وخاصة بالنسبة للأطفال قبل الكبار، فالمسن أنموذج لتراكم الخبرات الاجتماعية والأخلاقية والوطنية وبالمعنى العام الإنسانية، ومن الممكن أن ينقلها إلى محيطه بطريقة محببة ومشوقة كجزء من تربيتهم، ما يعزز ثقة المسن بنفسه وشعوره بالسعادة وبأهميته في الأسرة والمحيط، كذلك من الممكن الاستفادة من المسنين في أنشطة المدارس فيما يتعلق بالتراث والعمل وأنشطة الذاكرة الشفوية والوطنية، كذلك على الأسرة أن تؤمن للمسن فرص اللقاء مع أصدقائه الذين يشكلون بالنسبة إليه حاجة وجدانية وعاطفية تعطيه الشعور بالراحة والسعادة.
الحركة والترفيه
وعن الاهتمام بطرق الوقاية والعلاج من الأمراض التي يعانيها والتي قد تصيبه، قالت برقاوي: يجب الاهتمام بنوعية الغذاء المناسب الذي لا يتعارض مع ما يعانيه من أمراض، وتوفير الغذاء الذي يساعد في تقوية ذاكرته وبنيته العظمية، إضافة إلى توفير فرص القراءة إن أمكن والحركة والرياضة والترفيه والنزهات، فالمسن يصبح صديق الطبيعة أكثر من أي شيء آخر.
وختمت برقاوي بأن الأسرة وخاصة الأسرة العاملة خارج المنزل قد تشعر بأن الاهتمام بالمسن هو عبء إضافي لأعبائها في الحياة، لكن تقاسم الأدوار فيما بينهم وبطريقة منظمة سيسهل تحقيق حاجاته مع الإتاحة له لتحمل المسؤولية تجاه نفسه وحسب استطاعته بشكل مرن ومقبول من دون شعوره بأنه عبء على الأسرة.
خطط مستقبلية
ومن الجهات الأساسية في وضع الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بكل شرائح الأسرة، الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، التقت (تشرين) رئيس الهيئة الدكتور أكرم القش، الذي قال إن ملف المسنين ليس ملفاً منسياً، لكن حدثت بعض الانزياحات في بعض الأولويات بسبب الأزمة التي طالت مفرزاتها كل القطاعات، لكن المسنين أصبحوا في الخطط الجديدة أولوية لأسباب عدة منها هجرة الأبناء التي تسببت بها الحرب وبقاء عدد غير قليل من المسنين من دون معين، إضافة إلى أن عمل الهيئة ينحصر بوضع الاستراتيجيات والسياسات لتقوم الجهات التنفيذية بتنفيذها.
وأوضح رئيس الهيئة أنه قد تم وضع استراتيجية كاملة للتعامل مع قضايا المسنين من قبل كل الجهات المعنية بالعمل على ملف المسنين، وذلك بما يتعلق بالقوانين والتشريعات وتطوير المؤسسات التي ترعى قضايا المسنين، كما تمت العودة لتفعيل قانون قديم صادر في الستينيات ينص على أن يكون هناك دار للمسنين في كل محافظة، إضافة إلى فتح المجال أمام القطاع الخاص لتأسيس مثل هذه الدور.
وأضاف د. القش أن هذه الاستراتيجية امتدت إلى عمل الإدارة المحلية وبرامج إعادة الإعمار لتأخذ في الحسبان طبيعة حركة المسنين وتكون البيئة الجديدة صديقة لهم إن كان بتصميم الشوارع والطرقات والأرصفة، كذلك لحظت وزارة التعليم العالي موضوع المسنين، حيث تم العمل على تطوير المناهج الخاصة بأمراض الشيخوخة والمسنين، وأصبح لدينا مشفى تخصصي لتقديم الخدمات الخاصة بهم.
وأشار رئيس الهيئة إلى أنه قد تم البدء بتنفيذ هذه الاستراتيجية ببعض البرامج والسياسات، وسيستكمل العمل بها من خلال مشروع (سورية ما بعد الحرب) الذي يضم قطاعاً كاملاً للحماية الاجتماعية والشأن الاجتماعي ومن ضمنه المسنون، حيث سيقدم لهم خدمات خاصة من ناحية الرعاية والخدمات الاجتماعية والنفسية والعلاجية والدوائية.
وكشف د. القش أن الهيئة تقوم بالتخطيط لتأسيس مقر قد تتم تسميته (بيت الأسرة السورية) يقدم خدماته لكل الأسرة، لكن كأسرة وليس كأفراد، بمن فيهم المسنون، حيث سيكون لدى المسن مكان نهاري يمارس فيه أنشطته المختلفة لكنه ليس للإقامة، ففي مجتمعنا لايزال موضوع دور المسنين له حساسية كبيرة، ويعدّ وضع الكبار في هذه الدور نوعاً من النكران، لذا تم البحث عن شيء يشبه بيئتنا ومجتمعنا، كما يمكن أن يكون المسن في هذه الفكرة الجديدة مفيداً للمجتمع، من حيث الاستفادة من خبراتهم في تقديم خدمات وخبرات للشباب حسب إمكاناتهم.
وعن عمل الهيئة في ملف المسنين قبل الحرب، قال د. القش إن الهيئة أجرت دراستين، وعلى ضوئها، تمت بعض التدخلات الترميمية الخاصة بالمسنين تحديداً، فكانت هناك دراسة لأوضاعهم ضمن دور الرعاية، وعلى أساسها تم تعديل بعض الإجراءات في كيفية تقديم الخدمات، وتم التدخل في موضوع الأسعار والتكاليف في الدور الخاصة، وتم تنشيط الدور الحكومية وتجاوز بعض مشكلاتها وخاصة المتعلقة بالتواصل مع المجتمع والأنشطة الترفيهية.
وعن العناية المباشرة، بيّن د. القش أن مهمة الحكومة تنحصر في تمكين البيئة عبر القوانين والتشريعات وإنشاء مراكز التأهيل والدعم، أما الرعاية، فهي مهمة الجمعيات ويلعب العمل التطوعي فيها دوراً كبيراً، والأمر يجب ألا يقتصر على تقديم الخدمات الصحية والفيزيولوجية، بل خدمات التواصل، فقد بينت الدراسة التي أجرتها الهيئة أن أكبر مشكلة لدى المسنين سواء في منازلهم أو في دور الرعاية هي ضعف التواصل الاجتماعي والأسري مع المسنين، ما يجعلهم يشعرون بفراغ ويضطرون للانزواء، وهذه المشكلة تكبر في دور الرعاية حيث تكون الزيارات محدودة والتواصل مع الأصدقاء محدوداً أيضاً، وحل هذه المشكلة يحتاج تنشيط العمل الجماعي وعمل الجمعيات وتفعيل المبادرات التطوعية عند الشباب لتعزيز ثقة المسنين بمجتمعهم، لأنهم يشعرون أنهم خدموا أسرهم ومجتمعاتهم ثم تم الاستغناء عنهم، لذا قامت الهيئة قبل الحرب ببعض الأنشطة الاجتماعية مثل الحفلات والأنشطة الترويحية، وكانت لديها مبادرات شبابية تقوم بنوع من المزج بين الشباب والمسنين بأنشطة خارج دور الإقامة.