في ذكرى شهداء البرلمان السوري... أعواد الإرهاب الفرنسية لم تحرق يوماً جدار دمشق !!   بقلم - عبد الحليم سعود

في ذكرى شهداء البرلمان السوري... أعواد الإرهاب الفرنسية لم تحرق يوماً جدار دمشق !! بقلم - عبد الحليم سعود

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٩ مايو ٢٠١٨

أكثر ما يثير الاستغراب والاستهجان عند الحديث عن فرنسا في الإعلام أن بعض المستعربين يسارعون للتغني بأمجاد فرنسا ومبادئ ثورتها «الحرية والأخوة والمساواة» ويتناسون بقصد أو بدون قصد الماضي الاستعماري الفرنسي

الذي لطخ هذه الشعارات بالوحل على مدى قرنين ونيف من الزمان، ومن يتابع السياسة الفرنسية في منطقتنا على وجه التحديد وخاصة في سورية في السنوات السبع الماضية، سيجد أن مبادئ هذه الشعارات تحولت نتيجة الأطماع الاستعمارية المستمرة إلى كلمات جوفاء لتضليل الرأي العام وتمرير بعض السياسات المعادية لمصالح الأمم والشعوب.‏

فعندما يكون الحديث عن حقبة فرنسا الاستعمارية يلجأ الساسة الفرنسيون إلى أقصى درجات الحذر والغموض، ما يجعل مواقفهم محكومة بتضارب وارتباك لافت يمضي بحسب قناعات كل منهم وانتمائه الأيديولوجي والسياسي، لتتراوح مواقفهم بين «واجب الذاكرة» و»رفض التوبة» أو «إنكار» جرائم فرنسا في مستعمراتها السابقة، وتذهب إلى حد تبني خطاب مزدوج أحيانا، هربا من تحمل المسؤولية عن تلك الحقبة، وهو ما حدث خلال ولاية فرانسوا هولاند ففي زيارة له للجزائر انتقد فترة الاستعمار الفرنسي لهذا البلد العربي، لكنه في المقابل رفض الاعتذار عن هذه الحقبة السوداء التي دفع الجزائريون ثمنها أكثر من مليوني شهيد، وكانت الجزائر قد حاولت منذ العام 1962رسميا وشعبيا، دفع فرنسا لتقديم اعتذار عن «جرائمها» الاستعمارية بحق شعبها، لكن باريس تلكأت معتبرة أنه لا حاجة لأن يعتذر الأبناء عما ارتكبه الآباء والأجداد، في حين صادق البرلمان الفرنسي على قانون يمجد الاستعمار عام 2005 بأغلبية 183 صوتا ما أَضر بالعلاقات بين البلدين، الأمر الذي يعزز نظرية أن فرنسا بوجهها الحالي أكثر وفاء لماضيها الاستعماري من مبادئ ثورتها.‏

تاريخيا ومع تجاوز حقبة الحملات الصليبية وغزوات الفرنج لمنطقتنا وهي غزوات استعمارية رفعت شعارات دينية مضللة قبل قيام الثورة، فقد كانت حملة نابليون على مصر عام 1797 بداية تحول شعارات الثورة الفرنسية إلى عدوان ضد الشعوب والأمم الأخرى بحثا عن مناطق النفوذ والثروات، ولم يكن ثمة اختلاف بين حملة نابليون وما سبقها من محاولات فرنسية لغزو مصر والمنطقة، سوى أن الحملات الصليبية اتخذت بعدا دينيا طائفيا رفعت على إثره راية الصليب، وكانت الدوافع المُعلنة دينية بحتة.‏

أما حملة نابليون ـ وهي حملة استعمارية بالأصل ـ فقدمت نفسها بشكل مختلف ، وربطت نفسها بمظاهر عصر التنوير والتحديث في أوروبا، والخروج من ربقة التبعية الدينية للسلطات الكهنوتية الكاثوليكية، ولكن على أرض الواقع مارس نابليون العدوان والقتل والاضطهاد ضد المصريين، ولولا فشل حملته لاستمر في احتلال مصر ملحقاً إياها بباقي المستعمرات الفرنسية.‏

مع بداية القرن العشرين وبعد الانتصار في الحرب العالمية الأولى عام 1914 اتفقت بريطانيا و فرنسا على تقسيم إرث السلطنة العثمانية البائدة في منطقتنا بمعاهدتين أو اتفاقيتين سيئتين هما سايكس بيكو وسان ريمو، وكان أهم بنودهما وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والعراق تحت الانتداب الإنكليزي، أما فلسطين وشرقي الأردن فوضعا تحت الانتداب الإنكليزي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم الذي صدر عام 1917، ثم جاءت جيوشهم الغازية في العام 1920 لتنفيذ هاتين المعاهدتين اللتين ما تزال منطقتنا تدفع أثمانهما حتى اليوم.‏

ورغم انتهاء حقبة الاستعمار الفرنسي عن سورية عام 1946 وخروج القوات الغازية منها، لم تستطع فرنسا التخلص من ماضيها وعقليتها الاستعمارية في المنطقة، وتستبدلها بعلاقات طبيعية تقوم على الاحترام المتبادل مع سورية المستقلة، وقد كشفت سنوات الحرب الارهابية على سورية عن دور فرنسي قذر في هذه الحرب لم يتوقف عند حدود الدعم السياسي للجماعات الارهابية أو ما يسمى المعارضة الخارجية، بل تعدى ذلك إلى قيام الاستخبارات الفرنسية بإرسال إرهابيين فرنسيين إلى سورية وتقديم الأسلحة والذخائر لهم من أجل إسقاط الحكومة الشرعية فيها، وعقد مؤتمرات تآمرية لما يسمى «أصدقاء الشعب السوري» من أجل التحريض الدولي وزيادة تعقيد الأوضاع الأمنية فيها ومنع الوصول إلى حل سياسي للأزمة، كما تحالفت مع الولايات المتحدة الأميركية في إطار ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة الارهاب دون التنسيق أو أخذ موافقة الحكومة السورية وشنت غارات قتل فيها مئات المدنيين السوريين ودمرت البنية التحتية في بعض مدن شمال شرق سورية، كما شاركت بعدوان ثلاثي ضد سورية في الرابع عشر من نيسان الماضي بذريعة مزيفة لها علاقة باستخدام مزعوم للسلاح الكيماوي دون انتظار تحقيق أو أدلة لها قيمة، كما قامت بنشر قوات لها في منطقة منبج السورية في إطار دعم مليشيات انفصالية تقاتل الدولة السورية، وتسعى للمس بوحدة الأراضي السورية.‏

من يتابع السياسة الاستعمارية العدوانية الفرنسية في منطقتنا هذه الأيام، لا بد له أن يعود بذاكرته إلى تلك الحقبة السوداء من الوجود الفرنسي في سورية الذي واجهه السوريون بكل بسالة وشجاعة مقدمين عشرات آلاف الشهداء والجرحى في سبيل نيل الاستقلال، ولا بد له أن يتوقف بخشوع واحترام وإجلال أما الملحمة البطولية التي قدمتها حامية البرلمان التي رفض أبناؤها تقديم التحية لعلم الاحتلال الفرنسي فكان العدوان الفرنسي المجرم على دمشق الذي قدم صورة حقيقية عن وحشية المستعمر وبسالة السوريين وشجاعتهم المنقطعة النظير في مقاومته، حيث لم يستطع الفرنسيون تحمل وزر عدوانهم الآثم فخرجوا أذلاء مقهورين من سورية، وكذلك لن يطول المقام بالمرتزقة الفرنسيين في شمال سورية، ولن يختلف مصيرهم عن مصير أجدادهم من الغزاة المحتلين مهما طال بقاؤهم ومهما كانت ذرائعهم ومبرراتهم.‏