الحياة جنس

الحياة جنس

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٤ يوليو ٢٠١٧

ما معنى أن تكون الحياة أنثى، تنتهي بالتاء المربوطة؛ أي إنها تربط الأشياء المعرفة وغير المعرفة إليها إلى دائرة أسرارها؟ ولقد مررت في بعض كتاباتي حول هذا العنوان، ولكني الآن أجدني أدخل عليه بمساحة أوسع، والدخول يعني عملية جنسية متكاملة، فإن لم تلد قادماً جديداً معرفياً طبعاً لا أكن قد نجحت، أي إنَّ عملية الإيلاج لم تكتمل، كما هو حال إيلاج المفتاح في القفل، ولكل ما نقوم به من عمليات حياتية بسيطة.
لندقق كيف نلبس ونأكل ونشرب ونعمل ونبدع، ومعاني إظهار نتاجنا إلى الوجود، أليست جميعها مبرمجة على الدخول والخروج ومتوافقة كلياً مع عنواننا، فالجنس يطلق على أحد شطري الأحياء مميزاً بالذكورة أو بالأنوثة، ولا يكتمل الجنس إلا من خلال العيش المشترك المتصل بالجاذبية الشهوانية ووجود التداخل والتلاقح المباشر أو غير المباشر؛ إنسانياً حيوانياً نباتياً، ساعياً إلى حالات تولد الحب والتكاثر وإفراغ الشهوة. كل ذلك تدعو إليه البنية الرئيسة المحددة في الجنس، متى يجب علينا المصارحة؟ لسنا بحاجة لأبعد من أن نكون واقعيين، فمشكلتنا تكمن بين أجسادنا المسكون فيها الشهوة والغريزة اللتان مهما حاولنا إبعادهما، لا يمكن لنا ذلك، فهما يمتلكان حيزاً مهماً في العقل، ويسيطران عليه بقوة حب الأنوثة للذكورة، والعكس ينطبق تماماً على ذلك، لأن الشهوة لبعضهما تجعلهما يتماثلان مع حب المال والسلطة والقوة والمجد والعظمة، هل هناك من يحب الفقر والضعف والذل والهوان؟ لا أحد مؤكداً، لكن تبقى الغريزة الجنسية الراغبة في الحياة مسيطرة حتى ضمن هذه المشاهد، والدليل الجنس والعنف والمخدرات والتكاثر، كيف يحدث هذا؟ من أجل نسيان الواقع والهروب منه إلى الأمام، أم بغاية إحداث اللذة وما فوقها والوصول إلى الترف الجنسي؟
الحياة جنس ووجدت من أجله، هل هناك من يختلف معي أو يعارض هذه الحالة الدقيقة من المعرفة التي تمثل جوهرها، التي ينبغي أن ننطلق لها بعد معرفة قيمة وقوة سلطتها المخفية، وتتحمل الفضائح القادمة من الليل الذكر المسكون في الأنثى ليليث منجبة حواء الاحتواء بعد أن يقوم عليها النهار بضوضائه وصخبه وحبه وعاطفته وجهالة سعيه، يفضحه ضوءه، وتستره ظلمتها وحياكتها للخبث والمكر والخداع والخيانة والقوة والعظمة والمجد، تقف وراءه، ولحظة خيانته لها تدفعه بقواها إلى الهاوية التي تشيطنه مستلبة منه قواه المادية واللا مادية، ماذا يعني تحقيق الرغبة والوصول إلى نشوة الذات وتحقيق الوصول إلى هدف؟ ما الغاية من أجل ذلك؟ أليس الوصول إلى الشريك الأنثى التي تكمن بها الحياة، ومن دونها لا حياة؟ هل من متخيل للحياة بلا أنثى، بلا جنس، تدفعه للطموح، للبناء، للهدم، للشر، للخير، للسلطة، للقوة؟ من دون جنس هل كان للحياة طعم؟ وهل كان للحب بريق؟ وعندما نفتح شيئاً ما، كيف بنا ننظر إليه؟ ألا يتماثل مع الوليد القادم إلى الحياة نتاج تداخل العضو الذكري في ذاك الأنثوي؟ أوَلم نتعلم من نظرية إلقاح السماء للأرض عبر تلك القطرة التي أحيتها، فأنبتت الواحد الذكر والواحد الأنثى، ليلتقيا ويبدأ التكاثر، أي يغدو للحياة طعم ومعنى.
كيف ننظر للحياة التي نحن أحد أجناسها؟ وأقصد البشر، أوَلم تعلمنا الحيوانات الجنس وطرقه وطبائعه المولدة للعنف والحب والاغتصاب والمخالفات الجميلة والقاسية؟ أوَلم نعلم أيضاً أن النبات بكل أشكاله يقوم بذلك؟ أوَلم يدعونا للتعلم؟ وكيف يحدث غبار الطلع للزهر اللقاح؟ وكيف بنا نشهد الأطفال القادمين بفعل منذ بدء الرضاعة والزحف والمشي الأول، يستكشفون أعضاءهم الجنسية؟ كيف بنا نفهم ونُفهِم هذه اللغة الحياتية التي من دونها لا حياة؟ هل من أحد منا لا يؤمن بذلك؟ من منا يدرك أن الأنثى تحدد شخصية الرجل ومدى نجاحه في الحياة من خلال نجاحه معها، فإن فقد ذكورته فقد جنسه، وتحول إلى أداة وخادم، أوَلم تستعبد ليليث آدم بعدما اكتشفت ذكورته وعدم قدرته لإيصالها إلى النشوة التي تنشدها كل أنثى؟ وإن لم تتحقق لديها يضعف ذكرها مهما كان واقعه، ومن خلال استطلاع عالمي دقيق فإن النسبة الكبرى من نساء العالم لا يصلن إلى النشوة، ولذلك تنتشر الجريمة والفساد والخيانة، وبشكل خاص في عوالمنا العربية والإسلامية، نسأل لماذا؟ الجواب عدم وجود مصارحات مبكرة حول العملية الجنسية وتطور الخيانة الفكرية بشكل كبير، وأيضاً البنية التربوية التي لا تشرح الحاجة النفسية البيولوجية بعلمية نوعية، لا بروحية مهمة، بل يمارس في مجتمعاتنا التخويف والتجهيل، كيف بنا نخرج من الرحم إلى الحياة وندخل عليها؟ أليست عمليات جنسية؟ أطالب الجميع بإعمال الفكر والتأمل في الحياة، لأن نجاح العملية الجنسية التي ينبغي أن يدركها العقل هي الفعل الدقيق لمسيرتنا المعيشة المنظورة بين البداية والنهاية، حيث يتشابه الدخول على الحياة والخروج منها إلى اللحد الذي يتشابه مع العضو الأنثوي، أكان باتجاه أفقي أم عمودي، من الغرب إلى الشرق، أو من الشمال إلى الجنوب.   
الحياة جنس، والجنس حبٌّ، ولدى كل إنسان حينما يحب وجهان، ماضٍ ومستقبل، وعليه إدراكهما من الواقع، تمتلئ بنيران تتأجج في داخله، تدفعه لرفض العيش كعبد، لأنه كمخلوق وجد كي يخلق بعد أن يخترق القحاب مختزلاً الدوران حولها، ويصل إلى الأهداف بأقل زمن يداعب جميع الشرمطاء، أي  الورود الحمراء المتشققة الأوراق، أو الشفاه المزينة عليه أن يحيا كعاهر يطلب فيجاب، وعليه أن يجيب، والعهر تمردٌ على السكون واختراقٌ لثقافة الشهوة والغريزة التقليدية، من دونه لا حبّ لا إبداع، من يؤمن به يؤمن بصناعة الجمال وخلق حياة مختلفة في السياسة والاقتصاد والمجتمع مع الفنون السبعة، ويقل لا للكبت، لا للمحظور بلا غاية، نعم للحياة الجنسية الكاملة ضمن الاتفاق، فكل ما فيها جنس، إن لم يتحد فلن يصنع المعجزات.
تنجح الحياة ويزدهر كامل مناحيها عندما ينجح جنسها بين جزأيه، لدرجة كبيرة، وكلما كانت هناك مصارحات دقيقة في فعل حضوره قضى على أشكال الخيانة الفكرية والوطنية، وأدى إلى إحداث البسمات وتجديد الطاقات، وغدت المجتمعات نشطة، لأن الجنس جزء مهم من منظومة الفكر، تؤثر فيه سلباً حين لا ينجح، وتمنحه النجاح حين بلوغه النشوة، ومجتمعاتنا تحتاج إلى تحرر جنسي دقيق عبر نظم تربوية علمية وبرامج ثقافية نوعية ورؤى دينية تتوافق مع حركة التقدم بعدما صور الجنس في الجنان، وبعدما شهدنا كل ذلك القتل والجريمة المنظمة وغيرهما وكامل أنواع الإرهاب، دعونا نذهب وننجز قوانين جريئة وحديثة وراقية تتفهم أن الحياة جنس.

د. نبيل طعمة