أحلام لا وردية

أحلام لا وردية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٤ ديسمبر ٢٠١٨

شعارات رنانة، إصلاح، مكافحة فساد، مصلحة عامة، مصالح وطنية، حقوق المرأة، غلاء المعيشة، زيادة الأجور، تدشين أفران للخبز، الإسفلت وعبوات الماء البلاستيكية المستوردة بشكل تحاميل، خطابات تستخدم سين التسويف؛ سنعمل، سنبني، سننشئ، سنقوم، سنبادر، لن ندع حفرة إلا سنردمها، ولا هضبة إلا سنخترقها، ولا جبلاً إلا وسنشقه، ولا وادياً إلا وسنصل إلى عمقه، سنشغل الشباب ممن يحمل الشهادات من الخريجين والخريجات، وحتى جميع من يحمل الشهادات من محو الأمية إلى العليا، سنلتصق بالشعب، وسننزل إليه من على منابر الخطابة الدينية والحزبية والوظيفية، سنطور قدراتنا في كل الاتجاهات التي تحمي الوطن والمواطن، سنسمح للإبداع أن يتحقق في الفنون السبعة، سنتحول إلى مصاف الأمم في النظافة والنزاهة، سيكون الجميع تحت سقف القانون، وسيلتزم الجميع بقوانين السير والجمارك وأخلاق التجارة العامة والخاصة، وستصل المرأة إلى ما تصبو إليه من منحها الجنسية لأبنائها إن كان زوجها من غير جنسية، وتتقاسم الميراث مع زوجها مناصفة، وسيكون لها الحماية من التحرش بها بعد التزامها بمنع مغريات التحرش، وسيكون هناك أشد العقوبات لمغتصبي الحقوق والأجساد والشاذين جنسياً وللمدمنين على الكحول والمخدرات، سيسمح بإعلان الإفلاس نتاج الظروف القاهرة، لن تشهد مجتمعاتنا أي جرائم صغيرة أو كبيرة، لأن الشرطة في خدمة الشعب، ولن تطارد الجمارك الشاحنات والحمولات على اختلاف أنواعها ضمن الشوارع وحواري المدن، لأن كل شيء نظامي، ويتم تدقيقه لحظة دخوله من المرافئ الجوية والبرية والبحرية، والمنتج الوطني صالح للاستخدام بجودة تضاهي المستورد، إن لم تفقْه.

لن يكون هناك طوائف ولا مذاهب، لأن الهوية الأولى والأخيرة لإنساننا الوطنية، حيث أخذت تعتلي فكره، وهي تكفل حقوقه في المواطنة والوطن، أي إنه غدا يعرف ما له وما عليه، ناهيكم عن فكرة الكرم والإكرامية، وأنها طبع إنساني، أما الرشوة فهي فعل شائن، لكن الحاجة والفاقة والفقر تدفع إلى المجهول، وعدم إحداث توازن بين الدخل والإنفاق يسمح بالوصول إلى أن نكون في حالة ضياع تسودها أنواع الشجون والمجون والجريمة التي تملأ السجون.

أظن أن الولادة حاصلة، لأنها تعني انتهاء الهزائم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وحتى العسكرية والسياسية، وبدأ زمن الواجبات، كل من موقعه المكاني والزماني العلمي والمعرفي، لا نقد، لا إدانة بعد اليوم؛ بل الاتجاه السريع إلى تحديد مواطن الخلل وإجراء الإصلاح الفوري، هذا يدلنا إلى انتهاء حالة التعفن نتاج الأزمات والحروب والإرهاب والابتزاز والتخويف والترويع، كل جهة لديها نافذة واحدة مؤتمتة، يستطيع المواطن أن يصل إلى ما يريد، من دون هدر للوقت والمال، وكل من تضرر سيعوض عليه، وستقدم الحكومة قروضاً ميسرة للمزارعين والصناعيين والموظفين، ولكل من يحتاج من دون عوائق، مع إرشاد الجميع لضبط الإنفاق وتعميم لغة (خود ورد ما بتنرد) مع سد الثغرات الدينية القديمة والمتهالكة المستترة وراء ستر الظواهر العلمية التي لم تصل إليها بعد.

هل أصرخ في واد أم أنفخ على رماد؟ إني أسعى للإطاحة بالأوتاد، أو أن تأخذ بنا الرياح الهوجاء، طبعاً لا، ولأنني أؤمن بأن حياتنا خصبة، وإنساننا مبدع خلاق، يشع على الحياة عملاً وعلماً وإبداعاً، فالذي يحتاجه هو التنظيم والانتظام وبيان ما نحن عليه حاضراً، ووصف أعراضه المريضة والذهاب بالواقعية لعلاجها، وإعلام الناس وصولاً لإنذارهم بسوء العواقب، وتوجيه الملامة على المخطئ بغير قصد، وإبعاد واتهام ومعاقبة صاحب القصد.

هل نحن في أمان؟ لم تعد القضية قضية دول ومجتمعات، إنما قضية أفراد فقدوا الأخلاق ومعايير بناء الأوطان، وانتموا لأنفسهم بدلاً من الانتماء للقيم والمبادئ والمثل. طبيعي أن يسعى المرء للفائدة شريطة أن تنعكس على المجتمع والوطن، فما الذي نراه؟ وأين نحن من الواقع؟ وكيف سننتقل إلى الغد؟ وما الذي سنورثه للأجيال القادمة والحية بين جنباتنا؟ أين تكمن قيمة القوانين، في قوتها أم في القدرة على تنفيذها؟ كيف يتم اختيار الأشخاص للأماكن الحساسة وغيرها؟ ما معنى الأمن العام والأمن الفردي؟ من يراقب أداء المسؤول؟ أليس مسؤولاً آخر؟ هنا يسأل السائل: كيف نميز الفرق بينهما؟ كيف بنا نفرق بين السياسة والدين والعلم والتعليم، من دون أن  نسيء لأي منها؟ أين تكمن أهمية إيجاد الفواصل ووضع النقاط والابتعاد عن الاستفهام والتعجب والجدل العقيم الذي نحن عليه والذهاب للبحث عن الروابط؟

من يساعد مجهولي النسب القادمين بأرقام مذهلة نتاج الحرب الظالمة على سورية، ناهيكم عن اللقطاء أبناء الخطيئة؟ أليس لديهم الحق في الحياة؟ انظروا ودققوا، إن قادة ألمانيا كانوا من لقطاء الحرب العالمية الثانية، أمثال هلموت شميت وفيلي براندت وكثيرين من قادة العالم، كيف بنا نهرج ونمرج لحظة طرح قانون لحمايتهم؟ أليسوا أبناء الحياة؟ هل سنشهد تطوراً نوعياً يأخذ بنا إلى دولة مدنية نؤمن فيها أن الله يخص الجميع، وللإنسان الحق فيما يعتنق من دين ودنيا، وأن الرئيس رئيس للبلاد والعباد والناس كافة، وهو كذلك، والجيش للوطن، عقيدته الدفاع عن حياضه والذود عن علمه وحماية رفعته وسموه، وأن الأهداف البعيدة والقريبة تقر في الواقع المنطقي والعلمي، حيث تدعو الجميع للانخراط في تحقيقها والعمل الحثيث للوصول إليها.

نحن السوريين، إذا آمنا بأننا سوريون بعيداً من الأفكار الهدامة، فقد أمِنا الفقر والهزيمة، لأن النظام والانتظام مع الإخلاص غِنى، فأي إشكالية موضوعة في العقل توافقاً مع منظومته لا يمكن ربطها بالإيحاء، لأن في ذلك انتقاصاً من قدراته، لأنه من ذاته؛ أي من العقل، يعود للبحث في أسباب حصولها، والعجز كل العجز في عدم الإفصاح عنها، وعدم القدرة على حلها، أو عدم الانكباب على دراستها علمياً ومزجها بالجوارح والمشاعر، فالعقل يجب أن يرافقه اهتزاز الأعصاب واختلاج القلب، حتى يحصل على الحل الصحيح وإيجاد السبيل السليم للخروج منها، فمتى نلتمس الدواء من علمنا الذي يدعونا لأن نحميه ونحن معه، ونحفز الهمم عوضاً عن التواكل وانتظار مساعدة الآخر، ومتى ندرك فنون التربية وأهم فن فيها تربية الأخلاق؟

إن عالم الشمال برمته ينظر إلينا، ناهيكم عن محيطنا المتشابه معنا، إلا أنه يحمل الضغائن التاريخية، وهي مستمرة لنا، فالشمال يعتبرنا متنزهاً له، وسبل عبور ومواد أولية وطاقات بشرية هائلة، يستغلنا ويسخرنا ويساوم علينا، والغاية الأولى والأخيرة تأمين مصالحه والحفاظ على حضوره وقوته وانتعاشه، وكلما أحس بالنقص قلب المعادلة على رؤوسنا، وأوقعنا في شرور أعمالنا، فمتى سنصل إلى هذا الوعي، ونعمل لبلدنا بدلاً من أن نعمل من دون أن ندري؟

عنونت ما سرت إليه بالأحلام اللاوردية، لماذا؟ لأن عقلية الدولة تمتلك الوعي العميق والرؤى الشمولية التي توزعها بدقة من خلال عينها التي تبحث في عيون مواطنيها، ألا نقول لبعضنا، عملت عين العقل؟ وهذا ما يختلف ويمايز عن عقلية المواطن الناقلة والناقدة والمعترضة، لأن عين عقل الدولة ترى ما يراه المواطن، لكنه لا يراها، وهنا لا أبالغ عندما أقول: إن المتغيرات تحدث لحظة استشعار الدولة بضرورة إحداثها، تثير من خلاله الراحة وتشعها، فيرضى السواد، ويمتعض البعض، لكنها تفيد الكثرة من المبتدأ  إلى الخبر، وأنا هنا لا أدعي بأنها عقلية رائعة، لكنني أستطيع أن أقول إنها متقدمة إلى درجة كبيرة، هذا هو الواقع بعيداً من أي خيال، لأن الحلم الوردي قابل للتحقق، وغيره بعيد المنال.

د. نبيل طعمة