حلب وتدمر حرب تحت طاولة المفاوضات

حلب وتدمر حرب تحت طاولة المفاوضات

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

ثريا عاصي

ثعاد السيد ستيفان ديمستورا إلى الإهتمام بمدينة حلب كما اهتم بخروج المسلحين! علما أن هؤلاء هم في غالبيتهم من القاعدة ـ جبهة النصرة وحلفائها . لا شك في ان الرجل يعبر في سورية عن موقف وسياسة الذين كانوا مع تنظيم القاعدة منذ 2011 وحتى هذا التاريخ . يشهد على ذلك  الحملة الإعلامية الواسعة والصاخبة والمغرضة التي أطلقتها دول الغرب كمثل فرنسا بحجة إنقاذ المدنيين في أحياء حلب الشرقية ... وكأن الحرب العدوانية الأميركية ـ التركية ـ السعودية، لا تنشر الموت والدمار في كافة أنحاء سورية وليس في مدينة حلب وحدها.
اللافت للنظر في تصريح ديمستورا في موضوع إخلاء المسلحين من أحياء حلب الشرقية أنه ميز المحادثات بين تركيا ـ وروسيا (لم يذكر إيران) حول حلب من المفاوضات المزمع إجراؤها في جنيف في شهر شباط  القادم . بتعبير آخر يعترف مبعوث الأمم المتحدة بأن مسألة مدينة حلب هي تركية ـ روسية وبالتالي يمكن حلها   من خلال إتفاق بين الطرفين المذكورين . ولكن هذا المبعوث الدولي، المنحاز، لا يقول بالقطع الحقيقة وإنما يتمنى فرض حقيقة الذين يمثلهم، أي الولايات المتحدة الأميركية  وفرنسا وإسرائيل.
الدليل على ذلك أنه أغفل حضور الوفد الإيراني ومشاركته جنباً إلى جنب مع الوفد التركي حول طاولة المفاوضات مع  الوفد الروسي هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن ديمستورا الذي لم يلحظ الوفد الإيراني يتناسى أيضاً فحوى البيان الذي أصدره المتفاوضون الذي تناول مجمل الأوضاع في سورية وأعلن عن تأييد الجميع   للدولة السورية ولسيادتها ولوحدة أراضيها في ظل نظام ديمقراطي علماني . أغلب الظن أن السيد ديمستورا، القلق على مصير مقاتلي تنظيم القاعدة في مدينة حلب،  انزعج من هذا البيان، فأشاح بوجهه ! مفضلاً الرد في «المكان والزمان المناسبين» كما  يقول حكام العرب، في جنيف وفي شباط 2017.
    مهما يكن، إننا نفهم من كلام المبعوث الأممي، الذي يحتوي ضمنياً من و جهة نظري على احتجاج بسبب تجاوز الإيراني والتركي في مباحثاتهما مع الروسي، موضوع مدينة حلب، وتناولهما للمسألة السورية، نفهم وهذا ما قلناه في مقال سابق، أن تركيا كانت رأس حربة في الحرب على الشمال السوري بواسطة تنظيمي داعش والقاعدة ! يجب أن يكون هذا المعطى حاضراً في الأذهان اليوم وغداً . بمعنى آخر قادت تركيا عميلة «الإرهاب الإسلامي» في سورية مثلما فعلت باكستان في أفغانستان.
من المعروف أن هذا كله مرتبط بالدور الذي لعبه الإخوان المسلمون، وتحريض شيخهم القرضاوي على القتل وعلى إلقاء القنابل على الناس هذا من ناحية. أما من ناحية ثانية فيتوجب الحذر من  المثقفين الذين اعتبروا أن ما يجري في سورية إنما هي «ثورة شعب عظيم» !.. ولكن قبل أيام قليلة في 2106/12/17 .. أقدم «ثائر سوري عظيم» على «تفخيخ إبنته» ولها من العمر ثماني سنوات، ثم قام بتفجيرها بنفسه عن بعد في مركز للشرطة في دمشق . فلو كان لدى هؤلاء المثقفين ذرة من الوطنية   لما أيدوا «ثورة الشعب العطيم» التي تقاتل ضد «النظام الديكتاتوري» في صفوف الجيش التركي وتحت الراية الأميركية إلى جانب إرهابيين يستخدمون بناتهم  الصغيرات، كأدوات للقتل ! لتريثوا وانتظروا فرصة أخرى!في السياق نفسه تزعم حكومة العثمانيين الجدد أنها أرسلت قواتها إلى سورية  بقصد إبعاد الإرهابيين الإسلاميين عن حدودها ! أية مصداقية تستأهلها هذه الحكومة؟ من يستطيع الآن أن يشكك بأن هذه الحكومة العثمانية تأتي في المرتبة الأولى عالمياً في عدد سجناء الرأي؟ من يستطيع أن يشكك في أنها تواطأت مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا في إيصال الإمدادات العسكرية والتموينية إلى تنظيمي داعش والقاعدة في سورية ؟ من يستطيع أن ينكر أن هذه الحكومة العثمانية غضت النظر عن تجارة داعش بالنفظ عبر تركية ؟ من يستطيع أن ينكر أن هذه الحكومة العثمانية فتحت حدودها أمام جميع الذين أتوا إلى سورية من أوروبا وبلاد العرب باسم الجهاد ؟ من يستطيع أن ينفي أن الخبراء العسكريين الأتراك دربوا ورافقوا وأرشدوا الجهاديين في شمال سورية؟
نستحضر في نفس السياق أن وكالة المخابرات الأميركية نقلت إلى المتمردين السوريين، بواسطة سفينة ليبية، رست في ميناء تركي 400 طن من السلاح بينها صواريخ سام سبعة ! ويحسن التذكير في السياق نفسه «بالجسر الجوي الكرواتي» في بداية 2013، حيث تم إمداد المتمردين السوريين جواً، عبر تركيا ( أي ثوار الشعب العظيم بحسب مثقفين سوريين ولبنانيين عرب ثاروا دفاعا عن تنظيم القاعدة في شرق حلب) بثلاثة آلاف طن من السلاح، من كرواتيا وفرنسا وبريطانيا . 160 رحلة جوية مولتها السعودية على ذمة نيويورك تايمز عدد 24 آذار .2013 . هذا غيض من فيض ما فعلته الحكومة العثمانية التركية في سورية!
من البديهي أن الحرب العدوانية الشرسة التي تتعرض لها سورية منذ 2011، والتي يشترك فيها دول كثيرة، جميع الدول التي تأتمر بأمر السيد الأميركي، ومن ضمنها طبعاً جل الدول العربية، لست أدري في هذا الزمان على ماذا تدل تسمية «الدول العربية»، بالإضافة إلى جزء من السوريين تطوعوا ليحاربوا ضد جيرانهم وأبناء بلدتهم ومدينتهم وضد جيشهم، أقول أن هذه الحرب الغريبة البشعة صارت تؤثر بحسب اعتقادي على تفكيرنا وعلى المنطق الذي نتبعه في مقاربة الأمور والمسائل.
أردت  بهذه  التوطئة أن أمهد لمقاربة موضوع مدينة تدمر التي وصلتنا أخبار تفيد  أنه توازياً مع مسار معركة تحرير مدينة حلب، جرى إحتلالها من جديد من قبل تنظيم داعش الذي هاجمها إنطلاقاً من مواقعه في مدينة الرقة، علماً أن كل مراقب موضوعي يـُقر بأن معركة تحرير حلب كانت من الناحية العسكرية متعرجة جداً، تخللتها محطات وتراجعات، بحيث يمكننا أن نقول بأنها لم تكن عسكرية خالصة، أو بتعبير أكثر وضوحاً خالطتها المساومات والضغوط، فتضاعفت الخسائر البشرية واتسع مدى الدمار.
سمعنا منذ عدة أشهر أن الطائرات الأميركية قامت بقصف مواقع الجيش السوري في منطقة دير الزور كما أذكر، وأوقعت في صفوفه عدداً كبيراً من الشهداء، مما أتاح لنتظيم داعش التقدم  واحتلال موقع كان يهدف لاحتلاله.
ألا يحق لنا أن نسأل هنا عما جرى فعلاً في مدينة تدمر . هناك معلومات مستقاة من تقارير أميركية، وروسية وداعشية . ماذا تقول القيادة السورية؟ هل كان للطيران الحربي الأميركي دور في هذه المسرحية ؟ نسمع من آونة إلى أخرى أن طائرات «التحالف الدولي» تدك يومياً مواقع تنظيم داعش في الرقة، كيف استطاعت إذاً قوات داعش الخروج من الرقة والوصول إلى تدمر ؟

الديار