حرب الشرق الأوسط مفتوحةٌ.. لم يعُد النفط السبب الوحيد

حرب الشرق الأوسط مفتوحةٌ.. لم يعُد النفط السبب الوحيد

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١١ يناير ٢٠١٧

نشر موقع «Global Research» تقريراً جاء فيه:
هل حقاً تُقام الحروب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب النفط؟
اندلعت حرب العراق فعلاً بسبب النفط، وذلك وفقاً لآلان غرينسبان، جون ماكين، جورج دبليو بوش، سارة بالين، وغيرهم من الضباط رفيعي المستوى في مجلس الأمن القومي.
أما ديك تشيني، فقد حوّل حقول النفط العراقية إلى أولوية للأمن القومي وذلك قبل أحداث 11 أيلول 2011، كما ذكرت صحيفة «صنداي هيرالد»: «دعت الولايات المتحدة الأميركية قبل خمسة أشهر من أحداث 11 أيلول، إلى استخدام القوة ضدّ العراق… وذلك بهدف تأمين سيطرتها على النفط. أيضاً وأيضاً، جرى التخطيط لحرب أفغانستان، قبل 11 أيلول». وبحسب ضباط الاستخبارات الفرنسية، فإن الولايات المتحدة الأميركية أرادت تشغيل خطّ أنابيب النفط عبر أفغانستان لنقله من آسيا الوسطى بسهولة أكبر وتكلفة أقلّ. وهكذا حذّرت الولايات المتحدة حركة «طالبان» قبيل أحداث 11 أيلول من أنه باستطاعتهم الحصول إما على «طبق من الذهب» أو «طبق من القنابل»، يحصلون على الأول إذا ما سمحوا بمدّ خطوط الأنابيب، وينهار وابل الثاني عليهم في حال رفضهم هذا العرض.
ويشير النائب في الكونغرس الأميركي إد ماركي قائلاً: «حسناً، نحن في ليبيا بسبب النفط وأيضاً سعت كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً في إيران، بسبب نيّته الإعلان عن تأميم صناعة النفط في بلاده».

إنها حربٌ من أجل الغاز
حان الآن دور الغاز تماماً كما النفط…
صرّح مهندس الحرب جون بولتون السنة الماضية: «إن النفط والغاز الطبيعي اللذين تنتجهما المنطقة واللذين خضنا عدداً من المعارك من أجلهما بهدف حماية اقتصادنا من التأثير السلبي لفقدان هذا العرض، وإلا فإنهما لن يكونا متاحين لنا سوى بأسعار مرتفعة جداً».
وعلى سبيل المثال، فإن خطّ الأنابيب الذي أرادت الولايات المتحدة الأميركية إنشاءه عبر أفغانستان قبل أحداث 11 أيلول، كان يهدف إلى نقل الغاز والنفط على حدّ سواء.

وكان جون دالي قد صرّح بالتالي: ما من شكٍ في أننا سنسمع الكثير عن خطّ تابي» المقترح بطول 1040 ميلاً، وبتكلفة تتجاوز 7.6 بليون دولار أميركي، والذي يمتدّ عبر تركمنستان، أفغانستان، باكستان، الهند… في الأشهر القليلة المقبلة. فإن لخطوط نقل أنابيب الغاز الطبيعي تاريخٌ طويل في المنطقة، حيث جاء العرض الأول حتى قبل سيطرة «طالبان» على كابول، كما وقعت كل من تركمنستان وباكستان عام 1995، على ورقة التفاهم الأولية لهذا المشروع. اما «تابي»، وبقدرة استيعابية تتجاوز 33 بليون مكعب من الغاز التركماني الطبيعي كلّ سنة، فقد كان من المتوقع أن يتمّ تشغيله من حقل الغاز في آباد التركمانية عبر أفغانستان وباكستان، لينتهي في بلدة فازيلكا شمال الهند.

تطلّب «تابي» الموافقة من حركة «طالبان»، وبعد سنتين على توقيع مذكّرة التفاهم حول أنابيب الغاز المحدودة مع آسيا الوسطى من قبل شركة «Unocal» في الولايات المتحدة الأميركية، توجه وفدٌ من «طالبان» إلى «Unocal» في الولايات المتحدة عام 2007، وقد أكدت هذه الزيارة بعض الوسائل الإعلامية التي تدعم الشركات الأميركية مثل «Unocal» و«Enron» ، بشكلٍ كامل، أن تملّق الشركات حتى عام 2001 لحركة «طالبان» بهدف القبول بمنحهم الضوء الأخضر لإنشاء خطّ الأنابيب. وعلى سبيل المثال، فإن اثنين من الكتّاب الفرنسيين أحدهما وكيل جهاز الاستخبارات الفرنسي السابق ممن يتمتعان بخبرة مكثفة في النظام الاستخباري ـ ادّعيا: أنه حتى شهر آب عام 2001، كانت الحكومة الأميركية ترى نظام «طالبان» على أنه «باعثٌ على الاستقرار وعامل ثقة رئيس في آسيا الوسطى، والذي سوف يمكّن الولايات المتحدة الأميركية من بناء خطّ الأنابيب عبر آسيا الوسطى»، وذلك من حقول النفط الغنية الممتدّة من تركمنستان، أوزبكستان وكازاخستان، عبر أفغانستان وباكستان، وصولاً إلى المحيط الهندي. ولغاية تاريخه ـ يقول الكتاب ـ «تبقى روسيا مسيطرةً على الغاز والنفط المحفوظ في آسيا الوسطى، فيما تسعى حكومة بوش إلى تغيير هذا الواقع برمّته».

وكان بيبي إسكوبار قد أوضح:
تتسلّل شركة «Unocal»، تحت حكم الرئيس المنتخب حديثاً في كانون الثاني، جورج دبليو بوش إلى واجهة اللعبة مجدّداً، لتتملّق «طالبان» مرة أخرى، مدعومةٌ من الشخصيات الشهيرة في الحكومة أمثال ريتشارد آرميتاج، الذي يشكل بحدّ ذاته أحد الجماعات الضاغطة في «Unocal».

انهارت هذه المفاوضات بسبب رسوم العبور المزعجة التي ما فتئت تطالب بها «طالبان». لكن، حذارِ إغضاب الإمبراطورية. وفي اجتماع لمجموعة الثماني في جنوى في تموز عام 2001، أشار الدبلوماسيون الغربيون إلى أن إدارة بوش قد اتخذت قراراً بالإطاحة بـ«طالبان» قبل نهاية السنة وهذا ما أكده لي أيضاً عدد من الدبلوماسيين الباكستانيين في إسلام آباد في ما بعد. أما هجمات 11 أيلول، فقد سرّعت قليلاً فقط في تقريب الموعد المحدّد.

فبعد وقتٍ قصير على اندلاع الحرب الأفغانية، وتولّي كرزاي الرئاسة في أفغانستان، ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن كرزاي لم يكن سوى مستشاراً لشركة «Unocal»، لذا، فقد كان من الممكن الخلط بينه وبين المحافظ الجديد الذي أوصل كرزاي إلى سدّة الرئاسة زلماي خليل زاد. وغير بعيد من هذا الوقت، وبعد مرور سنة على الانتخاب، وقّع النظام الأفغاني الصديق لأميركا على معاهدة «تابي».

وكذلك فعلت الهند، ما أغلق الطريق على منافسة تاريخية طويلة لخطّ الأنابيب بين إيران ـ باكستان ـ الهند.

التنافس على أنابيب الأحلام
يستند التوتر الجيوسياسي العالمي الحالي إلى رؤية تتجه نحو السيطرة على «طريق الحرير الجديد». لكن قبل أن ندخل في صلب فهمنا هذه الرؤى المتنافسة، فإنه علينا النظر إلى الخرائط:

ها هي خطوط الأنابيب المدعومة من الولايات المتحدة وإيران، قبل أن تقف الهند إلى جانب الولايات المتحدة: فبوجود الخرائط بين أيدينا، يمكننا أن نناقش المعركة الجيوسياسية الهائلة، التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من ناحية، وروسيا والصين وإيران من ناحية أخرى.

لا تزال كلّ من إيران وباكستان تتناقشان حول إمكانية إنشاء خطّ أنابيب بمعزل عن الهند، وترحّب روسيا بهذا الاتجاه وتدعمه.

والواقع، فإن «اللعبة الكبرى» التي مورِست حتى الوقت الراهن من قِبل القوى العالمية، قد انخفضت حدّتها بشكل كبير، بعد بروز صراع آخر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول أحقية السيطرة على مصادر النفط والغاز الأوراسيَّين:

فكلٌ من روسيا والولايات المتحدة خضعتا لحالة من المنافسة في المنطقة، أكثر من أيّ وقت مضى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وإصرار روسيا على ضرورة بقاء الأميركيين خارج سياج آسيا الوسطى. كما تهدف روسيا إلى زيادة هيمنة الغاز الأوروبي على مواردها، في حين كانت الولايات المتحدة تتطلّع إلى تنويع إمدادات الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي، بعيداً من الهيمنة الروسية. فهناك بالفعل ما لا يقلّ عن ثلاثة خطوط من الأنابيب الروسية الرئيسة التي تزوّد أوروبا بالطاقة، فضلاً عن تخطيط روسيا لإنشاء اثنين آخرَيْن.

الصين، هي القوة الصاعدة الأخرى التي تملك تأثيراً لا يُستهان به أيضاً في هذه اللعبة العظيمة:

إن اللاعب الثالث الكبير في هذه اللعبة الجديدة العظيمة هو الصين، كما أنه يشكل المستهلك الأكبر للطاقة في العالم، وهو يستورد الغاز في الوقت الحالي من تركمنستان عبر كازاخستان وأوزبكستان ناحية إقليم شينغيانغ ـ المعروف بخطّ أنابيب آسيا ـ الصين ـ والذي نجح في ترجيح كفّة التوازن لمصلحة آسيا. يُطلق بيبي إسكوبار على هذا الخطّ منذ بداية القرن الحادي والعشرين اسم «طريق الحرير»، وذلك منذ أصبح هذا الخطّ قيد التشغيل عام 2009. إن حاجة الصين إلى الطاقة، إنما تخضع للزيادة بنسبة 150 في المئة، ما يفسّر توقيعها عدداً كبيراً من الصفقات والمعاهدات مع دول آسيا الوسطى، وأيضاً مع بعض الدول الخاضعة لقانون العقوبات الدولية مثل إيران وأفغانستان.

خطّطت الصين لإنشاء نحو خمسة من خطوط الغاز بين الغرب والشرق، أحدها أصبح قيد التشغيل داخل البلاد من شنغهاي إلى شينغيانغ، ويبقى البعض الآخر قيد الإنشاء، ليكون متّصلاً باحتياطات الغاز المركزية الآسيوية.

كما تسعى الصين إلى إيجاد بديل عن «تابي»: خطّ أنابيب تركمنستان ـ أفغانستان ـ الصين.

إيران تلعب على سجيّتها
دولة أخرى على غاية من الأهمية هي إيران، التي تتربّع على ثاني احتياطي للغاز في العالم، وتملك أكثر من 93 بليون برميل من الاحتياطي النفطي المؤكّد مع ما مجموعه 4.17 مليون برميل يومياً عام 2009. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فتُعدّ إيران من ألدّ أعدائها وأشهرهم. أما خطّ أنابيب الغاز الذي أنشئ بين تركمنستان وإيران عام 1997، كان الأولّ الذي يخرج من آسيا الوسطى. وعلاوةً على ذلك، فقد وقّعت إيران مع الصين صفقة للتنقيب عن الغاز بلغت 120 مليار دولار، وقد أُطلق عليها اسم «صفقة القرن».

وهذه الصفقة التي وُقعت عام 2004، تنطوي على الصادرات السنوية لحوالى 10 مليون طنّ من الغاز الطبيعي المُسال الإيراني إلى الصين لمدّة 25 سنة. فضلاً عن أنه يعطي شركة النفط الحكومية في الصين الحقّ في المشاركة في مشاريع مثل الاستكشاف والتنقيب عن الصناعات البتروكيماوية والغاز في إيران.

كما تخطّط إيران أيضاً لبيع إنتاجها من الغاز إلى أوروبا عبر خطّ أنابيب الغاز الفارسي الذي تحوّل ليصبح منافساً لخطّ أنابيب «نابوكو» التابع للولايات المتحدة الأميركية. والأكثر أهمية من هذا كلّه، والذي يشكّل طرفاً أساسياً، هو خطّ الأنابيب المقترح بين إيران وباكستان، والذي أُطلق عليه سابقاً اسم «خطّ أنابيب السلام». وبموجب هذه الخطّة، التي اقتُرحت للمرّة الأولى عام 1995، سوف تتمكّن إيران من بيع الغاز من حقولها العملاقة في الجنوب إلى باكستان والهند.

وبهذا، يمكننا تفسير دعم الصين الهائل لإيران في مجالي النفط والغاز كما يلي: فبالنسبة إلى الصين، يوضح إسكوبار أنّ أهم ما في الأمر، عزل إيران الذي يعتبر جزءاً من المصلحة الأمنية القومية العليا للصين التي رفضت العقوبات الأميركية على إيران بشكل قاطع، علماً أنه من الممكن أن تكون الصين هي الرابح الوحيد من هذه عقوبات واشنطن الجديدة، لأنه من المستحسن الحصول على النفط والغاز بأسعار رخيصة، فيما يتطوّر الإيرانيون ليصبحوا أكثر اعتماداً على السوق الصينية.

كذلك، أبدت الصين اهتماماً ببناء خطّ الأنابيب الإيراني ـ الباكستاني وجرّه ناحية أراضيها. ما يعني عملياً أن يبدأ في «غوادار»، كما تخطّط بكين لبناء خطّ آخر، يعبر بلوشستان، ثمّ طريق كاراكورام السريع شمالاً على طول الخطّ مع شينغيانغ في الصين الغربية. من الأفضل، والحال هذه، أن تحصل الصين على عقد بناء هذا الخطّ.

وكما ذكرنا أعلاه، فإنّ الشركات الصينية هي جزءٌ من مجموعة شركات كبيرة مُنحت عقد استشارات في المشروع الجديد. وهناك مقاربةٌ أخرى في مشروع الطاقة الآسيوي سيساعد الصين أيضاً في زيادة تأثيرها في المنطقة بهدف خلق «سلسلة من اللآلئ» عبر المنطقة، ولطالما أخاف هذا الواقع الهند التي تنظر إلى هذا المشروع بوصفه تطويق استراتيجي من قبل الحكومة الصينية.

لكن، لماذا سورية؟
قد نتساءل عن الخلفية الكامنة خلف هذا التركيز على سورية في الوقت الحالي.

حسناً، إن سورية هي جزءٌ لا يتجزّأ من خط الغاز العربي المقترح بطول 1200 كيلومتر: إذاً، جرى التخطيط لتغيير النظام في سورية، كما في العراق، ليبيا، لبنان، الصومال، السودان وإيران، في السنوات العشرين الأخيرة.

ونعم، إن الهجوم على سورية سيضعف حلفاءها أي إيران وروسيا… والصين بشكل غير مباشر. غير أن دور سورية المركزي في خطّ أنابيب الغاز العربي، هو أيضاً دليل واضح على استهدافها في الوقت الحالي. وتماماً كما كان مقرّراً إزالة «طالبان» بعد إلحاحها على طلب الكثير في مقابل خطّ أنابيب «يونوكال»، كذلك، استُهدف الأسد لكونه «لاعباً» يمكن الاعتماد عليه.

وعلى وجه التحديد، أرادت كلّ من تركيا و«إسرائيل» وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية، تدفق الغاز عبر سورية، لكنهم رفضوا وقوف نظام سوريّ موالٍ لهذه الدول الثلاث، في وجه هذا الخطّ… أو أن يطالب باقتطاع جزءٍ كبير من الأرباح.

يلخّص بيبي إسكوبار القيادة الجغرافية السياسية العالمية الراهنة، وصلتها بالحرب باعتبار أن ما نتحدّث عنه هو ما يحصل فعلاً على أرض المعركة الهائلة في طاقاتها والممتدّة من إيران حتى المحيط الهادئ. وهناك، حيث يكمن سائل الحرب حيث يُراد لأوراسيا أن تُحكم سيطرتها.

نعم، فإن ذلك كلّه مرتبطٌ بالذهب الأسود و«الذهب الأزرق» أي الغاز الطبيعي، والثروة الهيدروكربونية التي لا تُقارن، ليحين حينئذٍ وقت العودة إلى العجائب وتتدفق أكثر من أيّ وقت مضى إلى حاشية «أصحاب الأنابيب»، إلى عالم العجائب.

ملاحظة: لم يكن المحافظون الجدد هم من خطّطوا لهذه الاستراتيجية. ساعد مستشار الأمن القومي جيمي كارتر على رسم خطّة المعركة لموارد النفط الأوراسية منذ أكثر من عشر سنوات.

قد يقول البعض إنّ الحروب تجبر العالم على خوض عالم الدولارات والبنوك المركزية الخاصة، لكن لهذه المسألة قصة أخرى مختلفة تماماً.