الداخل الفلسطيني المحتل: هدم منازل وتهجير ممنهج.. تفاصيل وشهود عيان

الداخل الفلسطيني المحتل: هدم منازل وتهجير ممنهج.. تفاصيل وشهود عيان

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

عباس الزين - بيروت برس -

قامت "دولة اسرائيل" عام 1948 على المجازر الذي انتهجتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، بالإضافة الى الاستيلاء على المنازل وهدمها وتهجير أهلها. لذلك، فإنه ليس بالامر الجديد على سلطات العدو الاسرائيلي، قيامها بهدم منازل في القرى ذات الاغلبية العربية في الداخل الفلسطيني المحتل على وجه الخصوص. إجراءات الاحتلال التعسفية بحق الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، تتصاعد بشكل يومي، مهددةً تواجدهم وتمسكهم بأرضهم، لا سيما انها تأتي في وقتٍ تسعى فيه حكومة بنيامين نتنياهو الى اصدار "قوانين" استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس، الأمر الذي بدأ يتوسّع ليطال المدن والقرى العربية في الداخل المحتل، عبر قيام سلطات الاحتلال وبطريقة ممنهجة ومخطط لها بناءً على خرائط، بهدم منازل وإزالة قرى بأكملها، في العديد من مناطق الداخل.

وفي هذا السياق، هدمت جرافات وآليات سلطات الإحتلال بحماية قوات كبيرة من الشرطة، منازل في مدينة قلنسوة الواقعة في المثلث الجنوبي المحتل. وكانت قوات كبيرة من الشرطة ترافقها جرافات الهدم قد داهمت قلنسوة، لتنفيذ هدم المنازل في المنطقة الواقعة شمال غرب المدينة، وذلك بذريعة البناء غير المرخص. في غضون ذلك، تجمهر العديد من الأهالي في المنطقة في محاولة للتصدي للجرافات والآليات ومنع الهدم، غير أن قوات الشرطة منعت الأهالي من الاقتراب من المنطقة. وقال عدد من الأهالي إن "قوات الهدم حضرت لهدم منازل في قلنسوة، ونحن نناشد الجميع بالحضور إلى المنطقة، والعمل على منع هدم المنازل التي تأوي العشرات". وأضافوا أن "الأجواء متوترة في المدينة"، مناشدين "النواب العرب والقوى السياسية بكافة قياداتها وكوادرها الوقوف إلى جانب أصحاب المنازل"، مؤكدين ان "الأوضاع لا تحتمل وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه".

على صعيدٍ متصل، أكدت مصادر خاصة في الداخل الفلسطيني المحتل، لـ"بيروت برس"، ان الاحتلال يصادر الاراضي الفلسطينية باسم "دولة اسرائيل" عبر خرائط هيكلية لكل قرية ومدينة عربية في الداخل، عبر تحديد خرائط كل قرية ومنع سكانها من بناء المنازل بذريعة ان البناء لا يشمل الاراضي بل خارجها. وأضافت المصادر ان الاحتلال يسعى من خلال تلك الاجراءات الى الحد من توسّع القرى العربية في الداخل المحتل، بهدف الاستيلاء على تلك الاراضي في وقتٍ لاحق، عبر سماسرة يبيعوها للكيان بطريقة غير مباشرة، ومن دون علم سكان القرية.

وكشفت المصادر، انه في حال اراد سكان اي قرية عربية بناء منزلٍ فإنهم يتعرضون لاستغلال من قبل حكومة الاحتلال عبر ارغامهم على دفع مبالغ طائلة من اجل الحصول على رخصة، وفي حال تم البناء من دون رخصة فإنّ المنزل سيتعرض للهدم. وأكدت المصادر، انه في بعض الاحيان، تلجأ سلطات الاحتلال الى التساهل مع عملية البناء، وفور الانتهاء من اعمار المنزل تقوم بهدمه مباشرة، بعد ان يكون السكان قد تكلفوا مبالغ طائلة على اليد العاملة والمواد الأولية، ما يعني انه في جميع الحالات سيتعرض المنزل للهدم برخصة او من دون رخصة. ولفتت المصادر الى انه هذا بالتحديد ما حصل في مدينة قلنسوة بالداخل المحتل، حيث جاء قرار هدم المنازل فور الانتهاء من عملية اعمارها. وأكدت المصادر، ان هذا الوضع يشمل جميع اراضي الداخل الفلسطيني المحتل وفي كل بلدة عربية.

ناشطون في الداخل المحتل، أكدوا لـ"بيروت برس"، ان المشكلة لا تنحصر بإجراءات العدو الصهيوني، بل هي تمتد لتطال النواب العرب في "الكنيست" متهمين اياهم بـ"الفشل". ولفتوا الى ان اكثر ما يقوم به النواب العرب الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي حال ذهابهم الى مناطق الهدم فإنهم يلتقطون الصور بجانب المنازل المهدمة ويعرضونها ضمن مسرحياتهم في "الكنيست"، ومن ثم تنتهي القصة من دون اي نتيجة تخدم قضية المنازل التي يقوم الاحتلال بهدمها.

من جانبه، أشار المحامي والاسير المحرر مجد الجندب، ان قرار هدم الاحتلال لبيوت المواطنين الفلسطينيين يهدف بالدرجة الاولى لتمرير السياسة التي قامت الحركة الصهيونية على اثرها، وهي اقتلاع الفلسطيني من ارضه. الجندب أضاف لـ"بيروت برس"، ان "هدم البيوت في قلنسوة جاء نتيجة مباشرة لتوجيهات رئيس حكومة العدو منذ ثلاثة اسابيع لوزير "الامن الداخلي" جلعاد اردان بتسريع هدم البيوت العربية وخطوة اولى باتّجاه تطبيق سياسة الهدم الحكومية الجديدة التي ترى بالمواطن العربي مجرم".

ولفت الجندب، الى ان "حكومة الاحتلال هي المتسبب الاول بعدم ترخيص بناء البيوت للمواطنين العرب وتقوم بإجراءات تضيق على المواطن العربي للحصول على اذن بترخيص البناء وبالتالي البيوت التي هدمت بذريعة عدم وجود تراخيصها هي ذريعة واهية المتسبب بها الاحتلال نفسه". وأكد الجندب، ان "استمرار سياسة الهدم هو انتهاك مباشر للحق في المأوى والحق في العيش بكرامة، التي كفلتها الشرعة الدولية، ومس خطير بالحقوق الاساسيّة للجماهير العربية في بلادهم"، موضحًا أنّ "هناك قانون عنصري تشرع حكومة الاحتلال باقراره وهو قانون "كيمنتس"، وفي حال تمّت الموافقة عليه سيكون مصير عشرات البيوت غير المرخصة مصير ما حصل في بيوت المواطنين في قلنسوة".

وفي الوقت التي كانت فيه جرافات الاحتلال تهدم المنازل، سارع وزير "الأمن الداخلي" في حكومة العدو، غلعاد إردان، إلى امتداح قوات شرطة الاحتلال التي تقوم بحماية جرافات وآليات الهدم في قلنسوة، وقال إن "الحملة المركبة تعبر عن تنفيذٍ متساوٍ لتطبيق القانون في "إسرائيل" كما يجب أن يكون". من جانبه أعلن رئيس بلدية قلنسوة، عبد الباسط سلامة، أنه سيقدم استقالته فور تنفيذ أوامر هدم المنازل. وقال: "إنني وصلت لنتيجة وقرار أن رئيس البلدية لا يملك لنفسه نفعًا أو ضرًا، من هنا أقدم استقالتي لوزارة الداخلية مع بدء الهدم، لا يليق بنا الاستمرار في هذا الأمر"، في حين اكد أحد سكان قلنسوة أنّ "قوات كبيرة من الشرطة والقوات الخاصة "اليسام" وما يزيد عن الـ20 جرافة داهمت قلنسوة بوحشية غير مسبوقة، فيما تواجد أهالي المدينة في أعمالهم".

من جانبها، أعلنت لجنة "المتابعة العليا للجماهير العربية" الإضراب العام والشامل، للجماهير العربية، على أن يشمل كافة مناحي الحياة، بما فيها جهاز التعليم والمدارس، وذلك احتجاجًا على جريمة تدمير المنازل، في مدينة قلنسوة. وشددت المتابعة في بيان أصدرته على "ضرورة الوحدة ورص الصفوف، لصد الهجمة الجديدة التي تعلن الحكومة ضد جماهيرنا، ولن تستثني منها أي منطقة". وقال رئيس المتابعة، محمد بركة، "إننا ندين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصيًا بهذه الجرائم، التي تعبّر أولًا عن عقليته العنصرية، وأيضًا من أجل حذف الأنظار عن فضائحه". ولفت رئيس المتابعة، الى ان "هذا الهجوم على قلنسوة، بموازاة استمرار الهجوم والتدمير في بلدات النقب، هو تنفيذ لأوامر بنيامين نتنياهو التي أطلقها جهارة في الشهر الماضي، لتكثيف تدمير البيوت العربية، تحت حجة البناء غير المرخص، بزعم أن هذا سيكون بموازاة إخلاء عصابة استيطانية استولت على أراضي فلسطينية بملكية خاصة".

وفي وقتٍ لاحق، تابعت قوات الاحتلال هدمها للمنازل، حيث أقدمت آليات وجرافات الهدم على اقتحام وهدم قرية العراقيب في النقب، للمرة الـ108 على التوالي. وقال أحد سكان العراقيب، إن "قوات الهدم والخراب اقتحمت القرية وقامت بمصادرة ممتلكات وسيارات تعود لعدد من أهالي العراقيب، كما قامت بهدم القرية للمرة الـ108 وترك الأهالي في العراء رغم أحوال الطقس". وأضاف: "نحن نتعرض لظلم مستمر، ونؤكد أن كل جرائم الهدم لا تخيفنا ولن تثنينا عن إعادة بناء منازلنا والتمسك بأرضنا ووطننا". وأكد أهالي العراقيب، أن "هذه السّياسة التّعسّفيّة الإجراميّة وغير الإنسانيّة المتمثّلة بالهدم تهدف إلى الاقتلاع والتّهجير، ونحن ستزيد من إصرارنا وعزيمتنا، على عكس ما تتوقّع دولة الاحتلال". يذكر أن آليات إسرائيلية هدمت قرية العراقيب للمرة الـ107 على التوالي في 22.12.2016، وتركت الأهالي في العراء قرب مقبرة القرية.