ضيوف خادم الحرمين.. لا شكر الله سعيكم

ضيوف خادم الحرمين.. لا شكر الله سعيكم

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٠ أغسطس ٢٠١٧

إيهاب زكي - بيروت برس -

كنت شاهداً على استفتاء رجل أعمال لرجل دين حول عرضٍ بنكي، فقد عرض أحد البنوك على رجل الأعمال شراء عقار يعود للرجل، فاعتبر رجل الدين أنّ العقد حرام وغير جائز، وحين دفع الرجل بحِل البيع، احتج رجل الدين بأنه يعلم أنّ البنك سيرابي حراماً كنتيجة عقد البيع الحلال، وضرب له مثلاً عمن يبيع كرم عنبٍ لمصنع خمر، وكان رجل الدين هذا سلفياً أي أنه ينهل من الوهابية نهلاً نهماً، وقياساً على افتراض صحة هذه الفتوى، فإنّ الحج بعد العلم بسلوكيات آل سعود العدائية تجاه كل الإسلام ديناً وأفراداً ودولاً ومجتمعات، يصبح حراماً وغير جائز، بل حراماً مغلظاً ويلامس حدود الموبقات والكبائر، حيث لا تقتصر العوائد السعودية على المال كما هو حال البنك، بل عوائد معنوية وسياسية وهي الأشد خطراً كونها تعطي شرعية دينية ومشروعية سياسية لحكم آل سعود، وأحد ظواهرها استخدام الإعلام السعودي لمصطلح "ضيوف خادم الحرمين" بديلاً عن المصطلح السائد والمتعارف عليه "ضيوف الرحمن"، وطرح تدويل إدارة الحج بين الدول الإسلامية، هو أكثر ما يؤرق آل سعود ويجعل من طارحه عدواً لا مهادنة معه.

لو كان الإسلام عبارة عن شعائر لما قام النبي بهدم أحد المساجد، فمن كانوا يرتادون ذاك المسجد، لم يكونوا يمارسون فيه الرذائل والموبقات، بل كانوا يؤدون الصلوات كحال مسجد النبي، ولكن النبي اعتبره مسجداً ضراراً غير ملتفتٍ لإقامة شعيرة الصلاة داخله، وأنا سأفترض أنّ النبي لم يستطع هدم مسجد الضرار لأي سببٍ من الأسباب، فما هو الجزاء الأخروي لمن يدأبون ويحرصون على أداء الفرائض الخمس بداخله، يسبغون الوضوء ويتجشمون عناء السير ليلاً ونهاراً في قيظ الصيف وزمهرير الشتاء، ويجهدون النفس والبدن في الدعاء الخاشع. أو لنضرب مثلاً واقعياً آخر، لنفترض أنّ "دولة" الاحتلال "الإسرائيلي"، فرضت مبلغاً رمزياً على كل من يريد الدخول للصلاة في المسجد الأقصى، وأعلنت أو دون أن تعلن أنّ هذا المبلغ سيذهب للصرف على القوات "الإسرائيلية" التي تقوم على "حفظ الأمن" في محيط المسجد الأقصى، فهل ثواب الصلاة في هذا الحرم يبرر دفع ذلك المبلغ، ولكن الوهابية نجحت في تحويل الإسلام من كونه سنة حياة إلى مجرد شعائر وطقوس، فأنت لا يمكنك الاتكاء على يدك اليسرى أمام سلفي وهابي، لأنها جلسة المغضوب عليهم، وسينظر لك شزراً ويعطيك محاضرة فقهية في هيئة جلوس المسلم، ولكن بإمكانك أن تذبح مخالفاً أمامه فلا يرف له جفن وقد يربت على كتفك.

كان الدخل السعودي في العام 2016 من موسمي الحج والعمرة ما يناهز 16 مليار دولار، وتقول الخبيرة الاقتصادية نادية باعشن عميدة كلية إدارة الأعمال شمال جدة، "لو تم استغلال موسم الحج بأفضل مما هو عليه الآن، سيوازي مردوده الاقتصادي دخل النفط"، إنّ المتتبع لمصروفات الخزينة السعودية سيجد دون كثير عناء مسارب الصرف السخية لخدمة المصالح الأمريكية، فأينما وجدت المصالح الأمريكية حضرت الفواتير السعودية تدميراً أو إعماراً، وما دفعه آل سعود للولايات المتحدة في زيارة ترامب الأخيرة، لا يعدو كونه رأس جبل الجليد من الفواتير السعودية، وقد قال السيد نصرالله إنّ ما صُرف لتدمير سوريا- خصوصاً ما صرفته السعودية- يكفي لتحرير فلسطين عشر مرات، كما كرر خالد البطش القيادي في الجهاد الإسلامي الجملة ذاتها، وقس على ذلك ما صرف على تدمير العراق ولا زال يصرف لتمزيقه، وما صرف على تدمير اليمن وقتل شعبه ولا زال يُصرف، وما صرفته على تدمير ليبيا ولا زالت، حتى أنها صرفت على قتل شعب نيكاراغوا بأوامر أمريكية، والوجه الآخر للصرف هو عبثيات ومجون وإسراف الملوك والأمراء في أندية القمار ومواخير الغرب، وهو بحثٌ لا متسع له ولا مقام هنا، ولكن على سبيل المثال، فإنّ رحلة الملك سلمان إلى فرنسا كانت بتكلفة 40 مليون ريال يومياً حسب ما نقلت وسائل إعلام فرنسية وعربية وحسب مجتهد، كما أنه ترك ضيوفه وذهب للسياحة في المغرب، فإن تكلفة الرحلة للمغرب بتكلفة 50 مليون ريال، وهذا لا يدع مجالاً للشك بأنّ أموال المؤمنين تذهب لخدمة الإسلام والمسلمين، فرفاهية الملك ونزوات الأمراء واجبٌ على كل مسلمٍ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

إنّ الدعوة لكفّ يد آل سعود عن مكة والمدينة وبعيداً عن تسيُّسها- فهي ذات وجهٍ سياسيٍ شئنا أم أبينا-، هي دعوةٌ في لبّ العقيدة، وهي تأتي في إطار أضعف الإيمان، فالمسلمون اليوم كأنظمة عاجزين عن مواجهة آل سعود فضلاً عن إزالة ملكهم، فالدول في غالبها واقعة تحت ضغط المعونات السعودية أو النزعات المذهبية التي كرسها آل سعود وكهنتهم، أو تحت طائلة الخشية من استهدافهم بالإرهاب السعودي المستتر خلف داعش وأشباهه، أما على المستوى الفردي فإنّ إطعام هرة سيكون فيه ثوابٌ أفضل من وزر تقديم المال لأمريكا وقواعدها ومصالحها ولـ"إسرائيل" واحتلالها وإرهابها تحت ستار الشعيرة، فالإسلام ليس شعائر إنما منطلقات ومآلات، إنّ كل قرشٍ أو طلقةٍ أو كلمةٍ تساهم في خلخلة أركان حكم هذه العائلة أفضل من ألف حجةٍ بألف وزر.