لماذا تأخر تنازل الملك سلمان عن العرش لولي عهده؟

لماذا تأخر تنازل الملك سلمان عن العرش لولي عهده؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٤ نوفمبر ٢٠١٧

لا نَستغرب الرواية التي تَقول أن أسم ولي العَهد السعودي محمد بن سلمان هو الأكثر تداولاً على مُحرّكات البَحث (غوغل وغيرها) هذهِ الأيّام، فأخباره تتصدّر مُعظم الصّحف العالميّة بكُل اللّغات تقريباً.

الأمير بن سلمان استطاع في غُضون عامين أن يُغيّر ليس السعوديّة فقط، وإنّما المِنطقة بأسْرها، سَلباً أو إيجاباً، حسب مَوقف صاحب الحُكم السّياسي والخَندق الذي يَقف فيه، يُشعل فتيل حَرب ليَنتقل إلى أُخرى، يَفتتح مَشروع لينتقلَ إلى آخر، يُجري حملة من الاعتقالات تَطال خُصومه في الدّاخل، من أُمراء ورجال أعمال، ووزراء، ليَنتقل إلى الخارج، ليَستدعي رئيساً عربياً (محمود عباس)، ويَفرض الإقامة الجبريّة على آخر (سعد الحريري)، ويُواصل التّحشيد ضِد إيران وحُلفائها في اليَمن ولبنان، والقادم أعظم.

هُناك من لا يتردّد، في الغرب والشرق معاً، من إبداء القَلق والخَوف، من سُرعة هذهِ التغيّرات وانعكاساتها السلبيّة المُحتملة، وهو قَلقٌ مَشروع، لأنّه يَنطلق من اختلاف المَقاييس، والمَعايير، التي كانت تُستخدم في الماضي، في قياسِ الإيقاع السعودي الذي استمرّ طِوال ثمانين عاماً، وكان يتّسم بالبُطئ والحَذر الشديد والرّعب من التغيير، ومُفاجآته المُحتملة على أمن البلاد واستقرارها اللذين يَحتلّان قمّة الأولويّات لأهل الحُكم.

ثلاثة أعمدة رئيسيّة كانت تحكم استقرار الحُكم ومُعادلاته في الدولة السعوديّة الثالثة: الأوّل الانسجام والتّوازن في أوساط الأُسرة الحاكمة، والثّاني، الاستناد إلى المُؤسّسة الدينيّة الوهابيّة، والثّالث: تَرسيخ دولة الرّفاه والرعاية للمُواطن السعودي، بعيداً عن أيِّ ضرائب مُقابل طاعة أُولي الأمر.

الأعمدة الثلاثة تَهتز الآن وتتشقّق، فالانسجام والتّوازنات في الأُسرة الحاكمة التي كانت تَحكم أداءها واستمرارها تغيّرت، أو تبدّلت أثر “الانقلاب” الذي قادهَ الأمير بن سلمان، وأطاح من خلاله برؤوس أكثر من 11 أميراً، من أحفاد الملك المُؤسّس عبد العزيز آل سعود، ابتداءً من الأمير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخليّة، ومُروراً بالأمير الوليد بن طلال، الملياردير والاقتصادي الأهم في المملكة، في نَظر كثيرين في الغرب، وانتهاءً بالأمير متعب بن عبد الله، عميد جناح يحمل اسم والده الملك الراحل، وقائد الحَرس الوطني، القوّة العَسكريّة المُوازية التي تَضم أكثر من مِئة ألف جندي، بمُعدّاتٍ ثقيلة وطائرات عموديّة، وتُمثّل مِظلّة لأُمراء من الدرجة الثانية، وبَعضِ القيادات القَبليّة.

مرور أكثر من عشرة أيّام على أحدث حلقات هذا الانقلاب، أي اعتقال 200 من الأُمراء والوزراء ورجال الأعمال، تحت عُنوان مُحاربة الفساد، وتَجميد أكثر من 400 مليار دولار تَحتويها حِساباتهم وأُصولهم، ودون أيِّ مُحاكماتٍ أو دفاع قانوني، جعل الكثير من المُراقبين يَعتقدون أن أُسلوب “الصّدمة” الذي جَرى اتّباعه أعطى ثِماره، أو مُعظمها.

الخُطوة الوحيدة المُتبقيّة التي ما زالت في جُعبة الأمير بن سلمان، ولم يُقدم عليها بَعد، هي قَفزه إلى كُرسي العَرش، وتَولّي جميع مَهام السلطة وصَلاحيّاتها رسمياً بعد أن سَيطر عليها عَملياً.

هُناك مَدرستان في هذا الصّدد يَحملان وِجْهتي نَظر متُعارِضتين:

الأولى: تقول بأنّ الطريق بات مُمهّداً للأمير بن سلمان للتربّع على كُرسي العَرش، وأن المَسألة مَسألة أيّام، والمَرسوم الملكي بتنحّي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمَصلحة ولي عهده، يُمكن أن يَصدر في أيِّ لحظة، ونشرت قناة “العربيّة” المُوالية لولي العَهد أنباء في هذا الصّدد، ولكنّها عادت وسَحبتها، كما أن مُقرّبين من القصر نَشروا تغريداتٍ تُؤكّد أن التنحّي قد يتم في غُضون ساعات، ومرّت السّاعات واللّيالي ولم تَصدق هذهِ التكهّنات، ولم تَصدر أي معلومات أو بيانات، أو تسريبات تَشرح الأسباب.

الثانية: ترى أن التنحّي ليس من تقاليد الأُسرة الحاكمة السعوديّة، ولم يَحدث إلا مرّةً واحدة في الستينات من القرن الماضي، عندما جرى إبعاد الملك سعود، أكبر أبناء المُؤسّس من الحُكم لمَصلحة شقيقه الأصغر، وولي عهده الملك فيصل بن عبد العزيز، وجاءت هذهِ السّابقة بدعمٍ من المُؤسّسة الدينيّة (هيئة كِبار العُلماء الوهابيّة)، ومن مُعظم الأُسرة الحاكمة، وكان عددها قليلاً في ذلك الوقت بالمُقارنة بِما هو عَليه اليوم.

ولتأكيد وِجهة نَظرهم، يَضرب أصحاب هذهِ المدرسة مثلاً بالملك فهد بن عبد العزيز الذي أقعده المَرض عشر سنوات من عام 1995 إلى 2005، ومع ذلك لم تتم تنحيته، وتنصيب ولي عهده، الأمير عبد الله في حينها، ملكاً على البِلاد، وظلّ الملك فهد يَحكم البلد من سرير مَرضه، وعبر بوابة ابنه عبد العزيز الذي يُعتقد أنّه مُعتقل، أو تحت الإقامة الجبريّة حالياً، وربّما هذا ما دَفع الملك عبد الله إلى تأسيس هيئة البيعة من نُخبة من أُمراء الأُسرة الحاكمة للحيلولة دون تِكرار هذهِ المَسألة، ولكنّه “جمّد” عملها لاحقاً بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة.

يَصعب علينا أن نُرجّح مدرسةً على أُخرى، لكنّنا لا نَستبعد فُرص نَجاح الأولى، وتَقدّمها على الثانية، لأن المملكة تَغيّرت، وما كان يَصلُح في الستينات أو التسعينات لا يُمكن أن يُصبح مِقياساً الآن، مُضافاً إلى ذلك أن الأمير بن سلمان في عَجلةٍ من أمره لتولّي الحُكم، رغم صلاحيّاته المُطلقة، وغِياب أي مُؤشّرات مَلموسةٍ عن وجودِ مُعارضةٍ قويّةٍ له وحُروبه، ورُؤياه الاقتصاديّة والسياسيّة، سِواء من داخل الأُسرة أو خارِجها، “حتى الآن” على الأقل، مع تَسليمنا بأنّ سياسة القَبضة الحديديّة وعدم التردّد في اعتقال الخُصوم، أياً كانت مَكانتهم لَعِبت دوراً كبيراً في هذا الإطار.

المملكة العربيّة تَقف أمام مُفترق طُرق تاريخي، والخِيارات، أو بَعضها، تَنطوي على الكَثير من المَخاطر، إذا حَدث خطأ في الحِسابات، ولن نَتسرّع في التّنبؤ وإطلاق الأحكام، فالقارىء لا يَرحم، ونُفضّل الانتظار، والمُتابعة، ولكُل حادثٍ حَديث.