هل ستشنّ تركيا الحرب على عفرين؟

هل ستشنّ تركيا الحرب على عفرين؟

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٧ يناير ٢٠١٨

عبدالله سليمان علي
صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتيرة تهديداته باتجاه منطقة عفرين في شمال سوريا، وأوحى أن أصبع الجندي التركي باتت على الزناد وتنتظر بفارغ الصبر الأمر العسكري من القيادة بتحديد ساعة الصفر للهجوم وحسم المسألة التي طالما شكلت هاجساً مؤرقاً للساسة الأتراك.
لكنّ عفرين ليست مجرد مسألة عسكرية، كي يتوقف مصيرها على قرار تركي بتحديد ساعة صفر للهجوم عليها. فالمنطقة بمدينتها ونهرها اللذين يحملان ذات الاسم، وقراها التي تناهز الثلاثمائة وخمسة وستين قريةً، وجبالها ووديانها، تحوّلت إلى نقطة استقطاب إقليمي ودولي جعلت مصيرها مرتبطاً بنوع من معادلات التوازن التي يصعب اختراقها من دون تهديد المنطقة بتصعيد خطير.
وقد تعكس التهديدات التركيّة، حجم الأزمة التي تعاني منها السياسة التركية، أكثر مما تعكس مدى قوة الآلة العسكرية للجيش التركي. إذ بات واضحاً أن أنقرة وقعت فريسة الخداع الأميركي بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” وطبيعة الدور الذي ستقوم به في مستقبل سوريا حسب الرؤية الأميركية. وقد يكون الإعلان الأميركي عن تشكيل “حرس حدود” لمناطق شرق الفرات عبارة عن صفعة جديدة للسياسة التركية التي كانت تراهن قبل أسابيع على وقف الدعم الأميركي لهذه القوات بناءً على وعد قالت أنها تلقته من الرئيس الأميركي.
كما أن السياسة التركية لم تنجح من التحضيرات الروسية لمؤتمر سوتشي في مصلحتها من أجل التوصل إلى تفاهم مع موسكو حول مقايضة عفرين بإدلب، بحسب ما تشير تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الاثنين، بضرورة وقف القصف التركي على عفرين، وكذلك الموقف السوري الرافض لأي تواجد عسكري تركي فوق الأراضي السورية.
وما يعزز من حجم التناقض الروسي ــ التركي أن الرفض الروسي المعلن لاقتحام عفرين جاء بعد أيام فقط من الاعتراض التركي على عملية الجيش السوري المدعومة من موسكو باتجاه مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي. فموسكو تشير بذلك ربما أنها لا تشعر بأي حاجة لإسكات الاعتراض التركي على عملية أبو الظهور مقابل غض الطرف عن تهديدات أنقرة لمنطقة عفرين. ويكتسب الموقف الروسي أهمية خاصة بسبب انتشار قوات روسية في مناطق محاذية لعفرين مثل مطار منّغ العسكري وكفرجنة وغيرها، وهو أمر واقع ستجد أنقرة نفسها مضطرة لأخذه بعين الاعتبار لدى قيامها بأي عملية عسكرية في المنطقة.
في المقابل فإن المأزق التركي الناجم عن الخداع الأميركي من جهة، وعن عدم تجاوب موسكو مع الطروحات التركية حول التعامل مع الملف الكردي من جهة ثانية، قد يترك أمام أنقرة خيارات محدودة لحفظ ماء وجهها. ومن أبرز هذه الخيارات هو المغامرة بعملية عسكرية في منطقة عفرين تنفيذاً لتهديدات رئيسها المتواصلة منذ عدة أشهر.
ربما تجد أنقرة نفسها مضطرة لسلوك المسار العسكري بعد فشل المسار السياسي في تحصين أمنها القومي ضد الخطر الكردي حسب أدبيات حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن يبقى السؤال ما هي طبيعة العملية العسكرية التي يمكن أن تقوم بها أنقرة وما هي حدودها؟ وهل السيناريوهات مفتوحة أمام الجيش التركي أم أنه محكوم بجملة من الخطوط الحمراء التي لا يسمح له بتجاوزها؟.
توحي تهديدات الرئيس التركي أن ما تخطط له أنقرة هو عملية عسكرية شاملة لن تتوقف قبل احتلال كامل منطقة عفرين والقضاء على الخطر الكردي هناك أو “سحقه” حسب التعبير الرئاسي. غير أن هذا السيناريو يبدو الأقلّ حظاً من حيث إمكانية التنفيذ، لاسيما أن التهديدات التركية لم تترافق مع تحركات عسكرية ضخمة سواء من جانب الجيش التركي أو من جانب فصائل “درع الفرات”. لكن في حال ذهبت أنقرة في هذا الاتجاه تدلّ أنها المخاطرة بجزء كبير من رصيدها السياسي والعسكري، لا سيما في ظل العوامل العسكرية التي ستجعل مثل هذه العملية محكومةً بتحديات كبيرة. ومن أهم هذه العوامل طبيعة عفرين الجبلية التي تزيد من فرص المقاومة لإطالة أمد المعركة وتكبيد الطرف المهاجم خسائر كبيرة، بحسب الكاتب التركي أفق أولوطاش في صحيفة “أكشام”.
السيناريو الثاني المرجح، يتضمن اللجوء إلى حرب الاستنزاف عن طريق استخدام القصف المدفعي المستمر والمكثف ضد بنك من الأهداف بهدف تشديد الحصار على المنطقة من دون خوض عملية برية واجتياز الحدود. وربما يعقب الاستنزاف عمل عسكري محدود يستهدف السيطرة على بعض أرياف عفرين من دون اقتحام المدينة ذات الكثافة السكانية العالية. وقد لا تفضي هذه العملية إلى التخلص من الخطر الكردي لكنها قد تساهم في رفع معنويات مناصري “العدالة والتنمية”.
ومن غير المستبعد نجاح موسكو في إحياء مبادرتها لتسليم منطقة عفرين إلى الجيش السوري كحل وسط يحول دون تعريض المنطقة لعملية عسكرية تركية. ورغم أن الرؤوس الحامية سواء من الجانب التركي أو من الجانب الكردي تبدو رافضة لهذا السيناريو، غير أنه يبقى احتمالاً وارداً نظراً لما يتيحه من حفظ ماء وجوه جميع اللاعبين.
الميادين