استراتيجية أميركا الدفاعية الجديدة: نحو منافسة «عصرّية» مع الصين وروسيا

استراتيجية أميركا الدفاعية الجديدة: نحو منافسة «عصرّية» مع الصين وروسيا

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٣ يناير ٢٠١٨

تحاول وزارة الدفاع الأميركية عبر طرحها استراتيجية الدفاع الجديدة، وضع قواعد منافسة «عصرية» تراعي التطور التقني الكبير، لإعادة زمن «التفوّق الأميركي» على حساب القوى «العظمى» الراهنة، وأهمها روسيا والصين
محمد دلبح

واشنطن | نشرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ملخّصاً لـ«استراتيجية الدفاع القومي» الخاصة بعام 2018، وذلك في ندوة عقدها وزير الدفاع جايمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في «جامعة جون هوبكينز» في واشنطن، الجمعة الماضي.

والوثيقة التي نشر ملخّصها في 11 صفحة، تعتبر تتمة لوثيقة استراتيجية الأمن القومي التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في شهر كانون الأول الماضي. وفي وقت لاحق من هذا العام، ستُعلَن الاستراتيجية العسكرية القومية، التي صاغها رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزف دانفورد، والتي ستشرح الكيفية التي ستعمل بها وزارة الدفاع على تفعيل استراتيجية الدفاع القومي.
وتدعو الاستراتيجية ــ وفق الوثيقة ــ إلى الانتقال من «مكافحة الإرهاب» إلى التركيز بشكل رئيس على أربع دول، هي روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، بزعم أنها تهدّد الولايات المتحدة. وتشدد الوثيقة على التحول الحاسم في أولويات الأمن القومي بعيداً عن عصر الإرهاب، على مستوى «داعش»، باتجاه العودة إلى التنافس مع روسيا والصين، بوصفهما قوتين عُظميين. وسيحتاج هذا التحول، وفق الوثيقة، إلى «جيش أكثر فتكاً ومرونة وسرعة في الابتكار» يمكنه أن يستعيد المزايا التي كانت الولايات المتحدة تتفوق بها من قبل على منافسيها.
ومقارنة بوثائق الاستراتيجيات الأميركية السابقة، فإن الوثيقة الجديدة تركّز أكثر على رد الفعل الأميركي على «التهديدات»، وأقل على ما يريده القادة العسكريون. وحددت الوثيقة التهديدات والتحديات التالية في عدد من النقاط، وهي أن الصين قامت بسرعة بتحديث قواتها للتغلب على الأسلحة الأميركية وتحدي الولايات المتحدة اقتصادياً، وأن روسيا تريد «تحطيم» الناتو، وأن النظام الدولي برمّته «مرن ولكنه ضعيف». كذلك فإن كوريا الشمالية وغيرها من «الدول المارقة» تسبب الأذى لزعزعة استقرار مناطقهم. وهناك سباق تكنولوجي لا تفوز فيه الولايات المتحدة، أو أنه لا يحقق ما كانت الولايات المتحدة قد تعودته في العديد من المجالات.
وأشارت وزارة الدفاع إلى وجود عاملين كبيرين وراء ضرورة المنافسة مع الصين وروسيا: الأول، هو السلوك الروسي والصيني، الذي تعدّه واشنطن «عودة ظهور المنافسة الاستراتيجية على المدى الطويل»؛ والثاني، هو «التقدم التكنولوجي السريع وتغير طبيعة الحرب». وهو ما يشير بقوة إلى أن روسيا والصين تضعفان نفوذ الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، من خلال ما تسميه الوثيقة «الحيل القذرة»، واتجاهات التكنولوجيا (مثل إضفاء الطابع الديموقراطي على تكنولوجيا المعلومات)، وهو ما ليس في مصلحة الولايات المتحدة.
وخلال تقديم الاستراتيجية، قال ماتيس إن «الجيش يستعيد اليوم حقلاً استراتيجياً ينبّه إلى واقع عالم متغير»، مضيفاً أن بلاده «ستواصل ملاحقة الإرهابيين، ولكن التحدي الكبير ليس الإرهاب، إذ سينصبّ التركيز الرئيس الآن على الأمن القومي الأميركي». وقسّم ماتيس وفريقه رؤيتهم إلى ثلاثة عناوين فرعية لإظهار أولويات وزارة الدفاع، هي: البيئة الاستراتيجية، وتعزيز التحالفات والجهود التي لا تنتهي لإصلاح تكنولوجيا الوزارة، وتطوير الأسلحة وعمليات الشراء. وأوضح أن الوزارة «ستفعل أكثر من مجرد الاستماع إلى أفكار الدول الأخرى، وستكون على استعداد للاقتناع بها... وليست كل الأفكار الجيدة، تأتي من البلاد التي تمتلك أغلب حاملات الطائرات».
وتحدد الوثيقة ثلاثة محاور رئيسية للتركيز، وهي منطقة المحيط الهادي ــ الهندي (Indo-Pacific) وأوروبا والشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الاستراتيجية وتطوير القوة، إلبريدغ كولبي، قال إن هذا لا يعني أن بلاده تتخلى عن مناطق مثل أفريقيا أو أميركا الجنوبية؛ وبدلاً من ذلك، وصف الوثيقة بأنها تركز بواقعية على الموارد حيثما تكون هناك حاجة ماسة إليها. وقال كولبي إن الوثيقة في نسختها السرية تبلغ خمسة أضعاف حجم النسخة الملخص.
وعلى الرغم من تركيز الوثيقة على المنافسة مع روسيا والصين، إلا أن كولبي أكد أن هذا لا يمثل تحولاً كبيراً عن «محاربة الإرهاب»، بل اعترافاً واقعياً بأن «عمليات مكافحة الإرهاب لن تنتهي في وقت قريب». وقال إن «إحدى الأمور التي تحاول الاستراتيجية القيام بها هي القول إننا نعرف أننا سنتعامل مع الإرهاب بطريقة أو بأخرى على المدى الطويل، لذلك دعونا نحدد طرق القيام بذلك أكثر فعالية من حيث التكلفة».
ومن بين التكنولوجيات التي أعطيت الأولوية في الوثيقة: تطوير شبكات ونظم معلومات إيكولوجية مرنة وقابلة للبقاء، يمكن أن «تكسب المعلومات وتستغلها»، وتتيح إسنادها إلى الهجمات الإلكترونية. إلى جانب الانتقال إلى «قاعدة مقبولة أصغر حجماً، وموزعة ومرنة» على البنى التحتية المركزية التقليدية، والاستثمار على نطاق واسع في الذكاء الاصطناعي، وهو أمر محدد في استراتيجية الأمن القومي.
وقد صدرت الوثيقة في الوقت الذي يعكف فيه «الكونغرس» على التوصل إلى حل يحول دون إغلاق الحكومة الفدرالية بسبب عدم الاتفاق على مشروع قانون الميزانية لعام 2018 التي قدمها ترامب، إذ يرفض الديموقراطيون التصديق عليها بسبب الخلاف على مسألة الهجرة. ورأى تود هاريسون، خبير ميزانية الدفاع في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، الذي تحدث قبيل إصدار الوثيقة، أن «الاستراتيجية التي يجري وضعها دون اعتبار لقيود الموارد هي استراتيجية من شأنها أن تكون غير قابلة للتنفيذ» عملياً.