ترامب يلعب على ورقة الانسحاب من سورية.. من الرابح والخاسر؟

ترامب يلعب على ورقة الانسحاب من سورية.. من الرابح والخاسر؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢ أبريل ٢٠١٨

تصريح مدوٍ فجره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه الانسحاب من سوريا، وترك المجال هناك لمن أسماهم “الآخرين”، في إشارة واضحة إلى التحالف الثلاثي إيران وروسيا وتركيا التي يبدو أنها الأضعف في هذا الحلف.
قرار ترامب هذا تبعه نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب أصدر تعليمات بتجميد مساعدات قدرها 200 مليون دولار، مخصصة لإعادة إعمار مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (شمالي شرقي سوريا).
وبحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا للصحيفة، فإن البيت الأبيض يدرس دور الولايات المتحدة في مستقبل سوريا، وإن قرار تجميد المساعدات المذكورة جاء في إطار هذا التقييم، وبالتزامن مع تصريح ترامب حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا.
وذكرت الصحيفة أن وصول مكافحة تنظيم داعش في سوريا إلى طريق مسدود دفع الرئيس الأميركي إلى اتخاذ هذا القرار.
وكان ظهور داعش في المنطقة من العام 2014 وحتى 2017 لحظة مفصلية؛ إذ أدى ذلك إلى خلق قوات كردية ذات طموح انفصالي، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، وحزب الاتحاد الكردستاني القريب من نظام الأسد، كما عززت تركيا وجودها هناك عبر قوات “درع الفرات”، وكثفت روسيا، بالتحالف مع نظام الأسد وإيران، عملياتها لتعزيز سيطرتها في المنطقة، لكن الوجود الأميركي حال دون ذلك.
كما حطت أقدام الجنود الأميركيين رسمياً في تلك الفترة، ووصل عددهم وفق ما أعلن البنتاغون في العام 2017 إلى 2000 جندي، ويمتد الوجود الأميركي من منبج “شمال غرب” حتى الحسكة “شمال شرق” مروراً بمحافظتي الرقة ودير الزور، فضلاً عن وجود قواعد لها على الحدود العراقية – الأردنية “جنوبي البلاد”.
توازنات مختلفة
قرار ترامب بالانسحاب يثير مخاوف داخلية وخارجية، إذ يحذر مسؤولون أميركيون من أن الانسحاب الآن من شأنه أن لا يقوض فقط مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، ولكن سيدفع إلى صراع مدمر بالفعل في المنطقة؛ لكون الوجود الأميركي يشكل نقطة توازن.
أما خارجياً فقد صرح الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد السعودي، لصحيفة “تايمز” أن القوات الأميركية يجب أن تبقى لفترة متوسطة على الأقل، إن لم يكن على المدى الطويل.
وبرّر بن سلمان مطالبته هذه بالقول: “إن وجود القوات الأميركية داخل سوريا هو آخر جهد يوقف إيران عن مواصلة توسيع نفوذها مع الحلفاء الإقليميين”. وتابع: “وجود القوات الأميركية داخل سوريا يسمح أيضاً لواشنطن بأن يكون لها رأي في مستقبل سوريا”.
لكن اللافت في تصريحات ترامب أن البنتاغون والخارجية الأميركية أعلنا أنهما ليس لديهما علم بتفاصيل قرار الانسحاب، ووفق ما ذكر مسؤول رفيع في البنتاغون لشبكة “CNN” فإن قرار ترامب بالانسحاب من سوريا سيخالف أيضاً التقييم العسكري الحالي، بضرورة التركيز على إعادة بناء المناطق التي طرد داعش منها حتى لا يعود للظهور مرة أخرى.
وفي شباط الماضي، تصدت القوات الأميركية لقوات من النظام والمرتزقة الروس عند محاولتهم الاستيلاء على حقول النفط وغيرها من الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (شمال شرق)، لكن قرار ترامب سيشجع هذه القوات لمحاولة الكرة من جديد.
يقول عمرو السراج، المحلل في الشؤون الأميركية – السورية، إن رغبة ترامب بالانسحاب من سوريا وعدم التدخل فيها ليست وليدة اللحظة بل تعود إلى ما قبل توليه الرئاسة، حيث يرى أن “الأوان فات بشأن تدخل أميركي حاسم في سوريا، بعد أن تردد سلفه باراك أوباما بضرب الأسد عسكرياً، خصوصاً عقب مجزرة الكيماوي في الغوطة التي راح ضحيتها 1500 إنسان”. وأوضح السراج لـ”الخليج أونلاين” أن قرار ترامب هذا لن يمر دون مقاومة داخلية، خصوصاً من المسؤولين الذين عينهم مؤخراً، وتحديداً جون بولتون الذي يكن العداء للنظام السوري وإيران، بالإضافة إلى وزير الدفاع جميس ماتيس الذي يرى وجوب بقاء واشنطن في المناطق التي كان فيها داعش وإعادة إعمارها؛ للنجاح في إنشاء بيئة جديدة معادية للفكر المتطرف، مبيناً أن قرار ترامب هذا قد يكون أيضاً “تمهيداً لإقصاء ماتيس من الحكومة”.
وسبق أن صرح وزير الدفاع الأميركي جميس ماتيس في تشرين الأول الماضي، أن قوات بلاده ستبقى إلى أجل غير مسمى، لمنع عودة داعش ومحاربة التمدد الإيراني الذي يؤثر على المصالح الأميركية.
ويبّن السراج أن نهج ترامب في التدخلات الخارجية يختلف عمَّن سبقه من الإدارات؛ إذ يرى أن الإنفاق في الخارج يجب أن يكون على قضايا مجدية وليس على قضايا لا يرى بلاده معنية بها.
لكن في نفس الوقت رأى أن هناك ثلاثة أسباب ستقف في وجه قرار ترامب هذا: الأول ضغط من داخل المسؤول العسكريين والأمنيين، الثاني رفض من الكونغرس الذي يمول برامج مختلفة في سوريا، والثالث رفض إقليمي إذ سترى دولٌ إقليمية عدة هذه الخطوة انتصاراً كبيراً لإيران وروسيا.
وعلى المدى البعيد رأى السراج أن الخاسر الأكبر هي تركيا التي سترتبط أكثر بروسيا وإيران، في ظل غياب واضح لأي سياسة عملية وواضحة اتجاه الملف السوري، كما أن الوجود الأميركي يشكل عامل توازن لها في سوريا ما يعني أنها ستخسر ورقة قوية جداً في التعامل مع الغرب، وستجد نفسها رويداً رويداً خارج سوريا بضغوطات إيرانية – روسية.
حسابات
وفي الوقت الراهن تساعد الولايات المتحدة في تأمين الحدود السورية مع العراق، حيث لا يزال تنظيم داعش يحافظ على وجوده في تلك المنطقة.
وتخشى أوساط عدة من أن تنهار تلك المنطقة إن انسحبت الولايات المتحدة ويستغل ذلك داعش، خاصة أنه حذرت أوساط دولية عدة مؤخراً من أن التنظيم بدأ إعادة تشكيل قواته في بعض المناطق في سوريا والعراق، فضلاً عن خلق فراغ على غرار ما حدث بعد أن غادر الجنود الأميركيون العراق عام 2011.
ويتفق معظم خبراء السياسة الخارجية على أنه من المحتمل أن تملأ روسيا أو داعش هذا الفراغ، هذا فضلاً عن أن إيران ستكون قادرة على تأمين طريقها البري من دمشق إلى طهران ممَّا يضمن المزيد من النفوذ.
لكن هناك من ذهب إلى أن إعلان ترامب هو مجرد خطاب إعلامي موجه للداخل الأميركي أكثر من غيره، بأن الجيش الأميركي أنجز المهمة التي ذهب لأجلها وهي طرد داعش “من دون أي خسائر بين جنوده”، على غرار الإعلانات الروسية المتكررة بالانسحاب من سوريا.
ويؤيد الخبير في الشؤون الدولية باسل الحاج جاسم ذلك بالقول إن واشنطن عملياً تتحرك داخل سوريا عبر أدوات “باتت معروفة” على حد قوله، مضيفاً أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة إلى اليوم حجم القوات الأميركية داخل سوريا، وعلى وجه الخصوص البرية، وهل كانت تشارك فعلاً في معارك. كما رجح أن يكون إعلان ترامب انطلق من تقارير أقنعته بأن القوات التي تدعمها بلاده والمتمثلة بـ”قوات سوريا الديموقراطية” باتت تمسك بزمام الأمور، ويمكن الاعتماد عليها في المناطق السورية التي لها أهمية لدى واشنطن، مبيناً وفق ذلك أن “الأميركيين يستطيعون التدخل عند الحاجة لذلك؛ بالإضافة إلى وجود القواعد العسكرية الأميركية على الأرض السورية” والتي رجح أنها قد لا تُفكك.
وفي المقابل أوضح الحاج الجاسم أن السيناريو الذي ربما يكون هو السبب وراء إعلان ترامب هذا؛ هو الأزمة المتصاعدة بين موسكو والغرب، وربما رغبة الولايات المتحدة الابتعاد ولو إعلامياً عن كل ما سيجري في سوريا وترك روسيا في الواجهة، وترك المنطقة تدخل بفوضى عارمة ولإنهائها لا بد من تدخل أميركي حاسم بقوة عسكرية غير مرهقة. لكن بالمحصلة، يضيف الحاج جاسم، أن ما سنراه من تطورات على الأرض السورية وفي المناطق التي لأميركا اهتمام بها، هو الذي سيكشف حقيقة ما قصده ترامب في كلامه عن الانسحاب من سوريا، وهل قصد مناطق حدودية معينة بالذات أم كامل المنطقة التي تقع تحت نفوذ واشنطن.
وبيّن أنه لا يوجد خاسر في حال انسحاب واشنطن سوى “أدواتها الانفصالية”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديموقراطية” والمليشيات الكردية الانفصالية المدعومة منها، والتي كما يرى لم تعد لها قيمة بانتهاء الحرب على داعش، بل وجودها تحول إلى عبء على واشنطن بعد إصرار تركيا حليفة واشنطن الاستراتيجية تاريخياً على تطهير المنطقة منهم، موضحاً أن “فوضوية المشهد السوري وتعقيده تجعلان من الصعب إيجاد تفسير منطقي لكل ما يحدث على الساحة السورية، ولكن هذا هو الشرق الأوسط الذي دوماً ما يشهد خلط الأوراق”.