كرة الثلج تتدحرج: حرب جديدة على غزة؟

كرة الثلج تتدحرج: حرب جديدة على غزة؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٣ يونيو ٢٠١٨

بيروت حمود
«الحل في غضون أسابيع... وهو الذهاب إلى الجرف الصامد 2». «لا نستبعد الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع غزة قريباً». الاقتباسات هي تصريحات ما زالت تتعالى منذ يومين على ألسنة المسؤولين في المستويين الأمني والسياسي الإسرائيليين، فهل تكون مجرد «بالون اختبار»، أم أن الصيف هذه المرّة سيكون حاراً «أكثر من المعتاد»؟
من كان يتخيّل أن «الكوندوم» قد يتحوّل في يوم ما، من مجرد أسطوانة مطاطية وقائية، إلى سلاح تستخدمه المقاومة في غزة ضد إسرائيل؟ أمّا السؤال الأهم فهو من كان يتخيل أن الأخيرة قد تعقد اجتماعاً يحضره مئتا شخص (بين عسكريين ومهووسي تكنولوجيا) من أجل التفكير في سبل مواجهة الطائرات الورقية والواقيات الذكرية؟ أخيراً قرر هؤلاء، اليوم، نشر منظومة كهرو ــ ضوئية بآلاف الدولارات، لمواجهة «سلاح» ثمن القطعة منه لا يتجاوز الدولارين!
على أيّة حال، من سيصدق أن بضعة «بالونات» مطاطية قد تجر إسرائيل إلى الحرب؟ وحدها الحرائق التي أتت على الحقول الزراعية في الكبوتسات والمستوطنات المحيطة بغلاف غزة قد تجيب عن السؤال.
فخلال الأسبوع الأخير، صدرت عشرات التصريحات على لسان قادة المنظومتين الأمنية والسياسية في إسرائيل. وتمحورت، في معظمها، حول العدوان المرتقب على غزة، بادعاء أن ما يحصل هناك من مقاومة شعبية سلمية بدأت منذ الـ30 من آذار الماضي، على الشريط الفاصل بين غزة وبقيّة الأراضي المحتلة عام 1948، «لا يمكن مواجهته إلا باستخدام القوّة العسكرية». آخر ما حُكي في هذا المجال، هو ما قالته وزيرة القضاء الإسرائيلية، إيليت شاكيد، اليوم، عن أن حكومتها «وجدت حلاً لمواجهة الطائرات الحارقة، وهو الذهاب إلى عملية الجرف الصامد 2»، في إشارة إلى نسخة جديدة من عدوان 2014. وقد سُئلت في مقابلة معها عن الحل لمواجهة الطائرات الورقية، فردّت أن «الحل (الذي يبدأ تنفيذه خلال الأسابيع القريبة) لن يكون بطاردات هوائية للطائرات، وإنما سيكون ضد مطلقي هذه الطائرات أنفسهم».
كلام شاكيد يأتي بعد يوم واحد فقط على ما قاله وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان عن أن «المواجهة العسكرية مع غزة أمر لا مناص منه». واللافت أن ما قاله إردان، وهو أيضاً عضو في «الكابينيت» (المجلس الوزراي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية)، كان رداً على سؤال وجهته إذاعة الجيش الإسرائيلي خلال مقابلة معه، عن سُبل مواجهة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. جواب الوزير الإسرائيلي لا يمثل اعترافاً صريحاً بالفشل فقط، وإنما يتوافق كليّاً مع وجهة نظر أغلب المحلّلين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، الذين اعتبروا أن «الحرب مقبلة لا محالة».
وبرغم من أن القيادة السياسية جاهدت للتخفيف من وقع «جولات الصواريخ» ومعادلة «القصف بالقصف» التي فرضتها إدارة المقاومة في غزة مؤخراً، باعتبار أن جبهة الشمال والتمركز الإيراني في سوريا يُعتبران أولوية على حساب جبهة الجنوب، قد تكون المواجهة العسكرية في الأخيرة بالفعل أمراً لا مهرب منه.
الأسباب لذلك كثيرة. وربما أحدها قد يكون ما فسّره المحلّل العسكري في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، على أن الحرب بمثابة «مخرج للحكومة الإسرائيلية من أزماتها الداخلية». واللافت أنه حسم أمر الحرب باعتبار أن القيادة الإسرائيلية الحالية لا تملك رؤية سياسية، أو حلاً، أو مخططاً للتعامل مع غزة. وقال إنه «في إسرائيل هناك عشرات العائلات التي لا تعرف بعد، أن أبوابها سيقرعها ضباط الجيش الإسرائيلي خلال الصيف المقبل، لتُبلّغ بنبأ مقتل ابنها أو بنتها خلال الحرب... ومن أجل ماذا؟ من أجل طائرات ورقية...».
وأضاف أن «الحقيقة هي أن القيادة الإسرائيلية الحالية تنظر إلى حماس باعتبارها عقاراً يمكن استثماره، تحت تبرير مطلق وأبدي لمفهوم اللاشريك». كذلك، اعتبر أنه «في ظل الوضع الراهن، سيقتل أبناؤنا وبناتنا قريباً من أجل لا شيء. والسبب هو أنه لا يوجد لإسرائيل أي سياسة تجاه غزة، كما لا يوجد أي هدف، أو خطة، أو حل ولا حتى أفق سياسي، أو عسكري، أو جيوسياسي، أو بين المجرات... وبعدما تهدأ أصوات المدافع وينجلي دخان آخر جوله قتالية، سيضطر مرة أخرى، رئيس الوزراء للظهور أمام وسائل الإعلام، عارضاً بروتوكولاته (السريّة) لكي يثبت صدقه وأنه كان على دراية بمجريات الأمور. وأنه تحضر وخطط كما يجب. لكن هذا لن يساعده لأن الحقيقة واضحة وجلية. أما هو وليبرمان (وزير الأمن الإسرائيلي) لا يأبهان بها، ومستمران في المضي قدماً»، في إشارة إلى حرب لا طائل منها.
وبالعودة إلى المنظومة الكهرو ــ ضوئية التي ينشرها الجيش الإسرائيلي، اليوم، على طول السياج الفاصل مع قطاع غزة، بهدف مواجهة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، اعتبر بن كسبيت أن الحرب العسكرية هي «أقصى حدود القوة التي تملكها إسرائيل». وفي نهاية الجولة التالية «عندما ننتهي من دفن 80 جندياً وعدد لا بأس به من (المدنيين)، سنكتشف أننا وصلنا بالضبط إلى المكان نفسه الذي كنا فيه من قبل». وتابع معلّقاً على المنظومة التكنولوجية المتطورة، بالقول إنه «حتى لو وجدنا صاروخاً متطوراً نطلقه من غواصة، أو منظومة جديدة، تقص بواسطة أشعة الليزر، خيط الطائرة الورقية إلى أجزاء من الذرات النووية، أو تفرّغها من غاز الهيلوم من دون اتصال بشري (منظومة مسيّرة أو غير مأهولة)، فإن الغزيين سيرسلون لنا طيوراً محملة بالمواد المتفجرة، أو حشرات لتسمم حقوق المزارعين المستوطنين أو أي شيء آخر غير ذلك».
ما قاله بن كسبيت ينسجم أيّضاً مع «روح» ما قاله أمس، المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل. إذ اعتبر الأخير أن «طريق الجولة الجديدة من القتال باتت أقصر، والدليل هو ما حصل أول من أمس من إطلاق للصواريخ باتجاه المستوطنات، والقصف الإسرائيلي على مواقع متفرقة في القطاع». ومن وجهة نظره يُعتَبَر ما حصل «دليلاً على تغيّر جوهري حدث للوضع الأمني هناك؛ حيث وُجدتا إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في واقع مغاير تماماً عن الهدوء الذي ساد لمدة أربع سنوات (منذ نهاية عدوان 2014)». وبرأيه الهدف من شن عدوان جديد جنوباً هو «احتمال إعادة الهدوء النسبي»، والذي بدأ يتآكل تدريجياً منذ الـ30 آذار الماضي، مع بدء التظاهرات وسقوط مئات الشهداء والجرحى، في مقابل الحرائق التي أجهزت على مئات الدونومات من المحاصيل الزراعية في المستوطنات، قبل أن تبدده ربما نهائياً، معادلة القصف بالقصف.
بالرغم من كون التصريحات «النارية» حسمت أمر الحرب باعتبارها «خياراً بديهياً» بالنسبة إلى إسرائيل، يبقى السؤال إن كان الهدف من ذلك هو مجرد تضخيم إعلامي للموضوع؟ لا سيما أن مصادر في المقاومة الفلسطينية قالت لـ«لأخبار» إن «الرسالة وصلت... نحن نتابع عن كثب ما يصدر في إعلام العدو، وفي الميدان رُفعت حالة الجهوزية والتأهب استباقاً لسيناريو حرب جديدة». مع ذلك، تضيف المصادر أن «رسالتنا وصلت أيضاً إلى إسرائيل عبر الجانب المصري، ومفادها أننا لا نخشى الحرب... معادلة القصف بالقصف قلصت الفارق لمجرد دقائق»، في إشارة إلى أنه بعد دقائق من كلّ قصف أو استهداف إسرائيلي سيتبعه قصف من المقاومة للمستوطنات.
««Elbit systems» VS «Condoms
طوّرت شركة «Elbit systems» التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، نظاماً يعمل بواسطة الطاقة الكهرو ــ ضوئية باستطاعته كشف الطائرات الورقية و«البالونات» الحارقة عن بعد سبعة كيلومترات، بينما لا تزال تحلق فوق أراضي غزة.
النظام التكنولوجي الجديد نُشر، اليوم، على طول الشريط الفاصل بين غزة وبقية الأرض المحتلة عام 1948. وبحسب صحيفة «معاريف»، فإن بمقدور الآلة الجديدة إطلاق طائرة صغيرة مزودة بمعطيات معينة، لاعتراض الطائرة الورقية الحارقة. وقد عرضت الشركة المطوّرة الجهاز على قائد القوات البرية للجيش الإسرائيلي، الذي وافق على إدخالها في تجربة عملانية بدءاً من اليوم.
*الاخبار اللبنانية