كيف سيتعامل أردوغان مع متغيرات المنطقة بما يخدم بلاده؟

كيف سيتعامل أردوغان مع متغيرات المنطقة بما يخدم بلاده؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٧ يوليو ٢٠١٨

- تقول النظرية السائدة أنه مع تغير الطقم السياسي ورؤساء الجمهورية في بلد معين في هذا العالم لا تتأثر سياسة بلدانهم الخارجية كثيراً مع هذه التغيرات، ولكن فيما يتعلق بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإن الوضع مختلف تماماً فهو في السلطة منذ 15 عاماً تقريباً، وفي الانتخابات الأخيرة لم يتغير شيء سوى طريقة وصوله مرة أخرى إلى السلطة، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن السياسة الخارجية التركية ستمارس الروتين نفسه في علاقاتها مع الخارج كما في السنوات الماضية كما أنه على الصعيد الداخلي لن يتغير شيء أيضاً خاصة بعد التغييرات التي قام بها أردوغان في الدستور التركي، ووضع كل الصلاحيات في يده، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن السياسة الخارجية والداخلية لحزب العدالة والتنمية وأردوغان ستتغير بشكل كبير إلا من الناحية الأمنية المتقلّبة التي تعيشها تركيا حيث يمكن أن توجد بعض الاختلافات في السياسة الخارجية التركية.

العلاقات التركية السورية

في سوريا، ستدخل تركيا مرحلة ما بعد داعش مثل القوى الفاعلة الأخرى، حيث ستكون أولوية هذه القوى الحفاظ على وحدة سوريا وإعادة إعمارها، وهذا من شأنه التأثير على السياسة الخارجية التركية بكل تأكيد، وبما أن لتركيا حدود مشتركة مع سوريا فسيكون لها تأثير وفرص كبيرة للعب دور فعّال على الساحة السورية إلا أنّ كل الأمور لا يمكن حلّها من أنقرة فقط، خاصة بسبب التنافس الحاصل بينها وبين واشنطن في المسألة الكردية إذ إن كل طرف يرى الأكراد من منظار مغاير فهم بالنسبة لتركيا أعداء وبالنسبة لأمريكا أصدقاء المرحلة الحالية الذين ينفذون أهدافهم في المنطقة، وعلى هذا الأساس يبدو أن تركيا ستستمر في إقامة علاقة مزدوجة مع أمريكا تحاول من خلالها الحفاظ على نفس العلاقة مع سوريا، ومن ناحية أخرى، ستلعب العلاقات مع روسيا دوراً رئيسياً في العلاقات الخارجية لتركيا.

العلاقات التركية الأوروبية

على الصعيد الأوروبي يقول محللون إن الزعيم التركي سيجري بشكل حتمي مراجعة لعلاقات بلاده مع الدول الأوروبية إلا أنه من غير المحتمل أن يدفع ذلك جميع الأطراف للتحرك نحو علاقات أكثر صداقة في الحقبة الجديدة، وبسبب الأحداث الأخيرة التي حدثت بين الطرفين، ورفض الأوروبيين التعديلات التي قام بها أردوغان على نظام الحكم في تركيا، يرى محللون أن النظرة التركية تجاه الاتحاد الأوروبي قد تغيرت نحو الأسوأ حيث لا تزال وجهة نظر الطرفين حول بعضهما البعض سلبية، ويعدّ ظهور اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية المهمة سبباً آخر ساهم في زيادة المسافة بين أنقرة وبروكسل إلا أن للطرفين مصالح مشتركة ستساعد في ردم الفجوة الحاصلة بينهما، وهي مسألة الحدّ من ظاهرة الهجرة التي تعاني منها أوروبا والتي هي سلاح فعّال بيد أردوغان إضافة إلى العلاقات التي تقيمها تركيا مع معظم الدول الأوروبية من خلال حلف الناتو.

العلاقات التركية الإيرانية

فيما يخص إيران فإنّ المتغير الجديد بالنسبة لطهران أنها ستدخل مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، وعودة العقوبات الأمريكية حيث ستزيد أمريكا من الضغط على إيران، والأخيرة سترد بطرق أخرى لتخفيف عبء هذه الضغوط، ومن بين هذه الطرق الانفتاح أكثر على الدول المجاورة والتي لا تعبأ بالعقوبات الأمريكية ومن ضمنها تركيا التي ستتابع علاقاتها التجارية مع إيران، وسيكون لديها وجهة نظر مستقلة عن أمريكا كما فعلت في الماضي، وكما قال أردوغان في مقابلة مع صحيفة يورونيوز فإنهم يريدون استمرار الاتفاق النووي، وهم سيلتزمون فقط بالعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة وليس ما تفرضه أمريكا على بلد معين، صحيح أن هناك مسائل عالقة بين الطرفين في العراق وسوريا إلا أن العلاقات بينهما ستستمر ومن المرجّح أن تزيد بفعل العقوبات الأمريكية.

الوضع الداخلي

بالطبع، يجب الانتباه إلى أن البيئة السياسة الخارجية لتركيا تتأثر بشدة أيضاً بـ "ديناميكات" الأمن الداخلي للبلاد، يعني إذا وجدت المسألة الكردية وضعية خاصة داخل تركيا فإنها ستتحول سريعاً إلى أزمة كبيرة، وبالتأكيد ستؤثر على السياسة الخارجية لتركيا أما اليوم فإن هذه المسألة تعرضت للتجميد ولا يعرف متى تذوب وتشتعل من جديد، ومن بين القضايا الداخلية الأخرى التي تعاني منها تركيا والتي يجب حلّها بسرعة هي الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حيث يوجد إخفاقات ومشكلات جدّية تواجه الاقتصاد التركي، ولعل من أبرز وأخطر التحديات التي يواجهها الاقتصاد التركي 3 معضلات أساسية وهي هروب رؤوس الأموال من السوق التركية بسبب سياسة أردوغان الضريبية، وتعاظم الديون التي تثقل كاهل الاقتصاد بشكل متسارع وغير مسبوق، والمعضلة الثالثة هي التدهور المضطرد للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، فالليرة ما انفكت تفقد قيمتها في سوق الصرف قياساً بسلة العملات الأخرى لذلك هنا يجب على أردوغان إظهار قدراته الاقتصادية الجدّية من أجل خروجه بتركيا إلى برّ الأمان خاصة أن سبب انتخابه مرة أخرى رئيساً للبلاد هو وعوده الاقتصادية، ومن هنا تعدّ الأزمة الاقتصادية والكردية من أبرز المشكلات الداخلية التي يجب على حكومة أردوغان الجديدة التوجه إليها وحلها بأسرع وقت ممكن.

في نهاية المطاف، بالنسبة لأردوغان فإن مسألة الحفاظ على التماسك الداخلي مهمة للغاية حيث تواجه تركيا اليوم نوعاً من الانقسام الثنائي والقطبي الذي لم يكن موجوداً في الماضي، وإن استمرار هذا الانقسام يمكن أن يخلق قضايا خطيرة لتركيا سواء في السياسة الداخلية أم في السياسة الخارجية.