العوامل الداخلية ترسم شكل السياسة الخارجية لترامب

العوامل الداخلية ترسم شكل السياسة الخارجية لترامب

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٩ يوليو ٢٠١٨

مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تغييرات جذرية على الساحة الدولية والإقليمية وخصوصاً في منطقة غرب آسيا، وإن قمنا بتطبيق نظرية أن العوامل الداخلية ترسم شكل السياسة الخارجية، يطرح السؤال التالي: ما هي العوامل الداخلية التي أثرت على سياسة ترامب الخارجية، وكيف تحدث هذه التأثيرات؟

 يعدّ أحد أبرز العوامل الداخلية الأكثر تأثيراً في انتصار ترامب هو الدعم الواسع للطبقة العاملة من أصحاب البشرة البيضاء، الذين كانوا دائماً مهمَلين في أمريكا، إضافة الى العوامل الاقتصادية التي كانت تمرّ بها أمريكا أثناء الانتخابات، هذان العاملان استغلهما ترامب واستطاع من خلالهما ومن خلال الشعارات التي رفعها كـ "أمريكا أولاً"، جذب الكثير من الشعب الأمريكي.

العوامل الداخلية التي تؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية

وبالنظر إلى أهمية السياسة الخارجية الأمريكية وتأثيرها على النظام الدولي، فمن الممكن دراسة العوامل التي تساهم بفعالية في سياسة ترامب الخارجية وهي كالتالي:

1-خصائص الفرد والفكر الاجتماعي لترامب.

2-هيكل النظام السياسي الأمريكي.

3-النظام الدولي والمكونات النظامية

4-المصالح الموجودة في النظام الدولي ومنطقة غرب آسيا الاستراتيجية

 من ناحية أخرى لا يجب إغفال تأثيرات صنّاع القرار الأمريكي في السياسة الأمريكية وعلى السياسة الخارجية، فالمؤسسات الحكومية مثل مكتب الرئيس الأمريكي والبيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، والخزانة، والاحتياطي الفيدرالي، والمسؤولين ذوي النفوذ في تشكيل السياسة الخارجية مثل الرئيس، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي، كما تعدّ الجلسات التي يقيمها الكونغريس ومجلس الشيوخ الأمريكي أيضاً من أهم المؤثرات على شكل السياسة الخارجية، إضافة إلى اللوبيات الخارجية والتي يعدّ أبرزها اللوبي الصهيوني.

وفي شرح العوامل الجوهرية المؤثرة في السياسة الخارجية لأمريكا، وبشكل خاص في سياسة ترامب، يجب الإشارة إلى دور اللوبي الصهيوني ومدى تأثيره ولعبه دوراً حاسماً في صنع السياسة الأمريكية، واحدة من هذه المؤسسات النشطة في واشنطن هي اللجنة الصهيونية الأمريكية المشتركة "ابيك"، والتي تعتبر الأداة الصهيونية الأقوى والأبرز في أمريكا، وهي تلعب دوراً مهماً في السياسة الأمريكية منذ عقود، وكذلك في سياسة ترامب الخارجية، خاصة في التعاطي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كيفية تأثير العوامل الداخلية على السياسة الخارجية الأمريكية

يعتمد النظام السياسي الأمريكي على مبدأ التحكم والتوازن، ويُعتمد هذا المبدأ في مختلف المعاملات السياسية الداخلية والخارجية، إلا أن سيطرة الجمهوريين على الكونغريس الأمريكي ومجلس الشيوخ نسف هذا المبدأ، وقد أعطى ترامب واستراتيجياته ضوءاً أخضر لا يمكن إطفاؤه.

وفيما يتعلق بالطريقة التي تعمل بها هذه العوامل في تشكيل السياسة الخارجية، ينبغي التأكيد على أن هيكل صنع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية يعمل على أساس نموذج صنع القرار للسياسة الخارجية البيروقراطية للحكومة الفيدرالية في إطار عمل لامركزي اتحادي، من هنا تقسم السلطة في أمريكا على ثلاث سلطات، السلطة التشريعية (الكونغريس)، السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية)، والقضاء، ولكن تبعاً لطبيعة القضية ونوع المشكلة التي يتعيّن على واضعي السياسات معالجتها، واحدة من هذه المؤسسات الثلاث، وعموماً واحدة من مؤسستي الكونغريس والرئاسة سيكون لديها المزيد من القوة في العملية السياسة.

وبالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه يجب ذكر المعاهد البحثية التي ترسم عبر تقاريرها ومقالاتها وأبحاثها وجهة نظر السياسيين الأمريكيين الموجودين في الحكم.

المحاور الرئيسية في سياسة ترامب الخارجية

يحاول ترامب من خلال سياسته الخارجية الحالية إعادة عظمة أمريكا، وفي سبيل تحقيق ذلك عليه تدمير كل ما قام به سلفه السابق باراك أوباما، التغيير بدأ مع دول مثل إيران وكوبا وغيرهم الذين يرى فيهم ترامب أعداء يقفون أمام مصالح "أمريكا العظمى".

ومن بين المحاور الأخرى في سياسة ترامب الخارجية، كان نقده لترويج الديمقراطية في وثائق استراتيجية الأمن القومي الأمريكية.

محور رئيسي آخر للسياسة الخارجية هو حماية أمريكا لحلفائها التقليديين، حيث يعتقد ترامب وقالها خلال حملته الانتخابية أن هذه التحالفات تكلفّ أمريكا كثيراً وعلى حلفائه الدفع مقابل هذه الحماية، وهذا ما يحصل.

أهم أبعاد السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة غرب آسيا

أكد ترامب، بناءً على المتطلبات المحلية الأمريكية، مراراً وتكراراً على عدم أهمية منطقة غرب آسيا في سياسته الخارجية، ولكن وبسبب بيئتها الاستراتيجية، لا يمكن للحكام الأمريكيين الجدد أن يتجاهلوا في سياستهم الخارجية هذه المنطقة، كما لا يمكنهم أن يحددوا أهدافهم ومصالحهم دون مراعاة المصالح الحيوية للحكومات والجهات الفاعلة الأخرى فيها، وعلى هذا الأساس وإن قمنا بدراسة ما قدّمه ترامب وفريقه الراديكالي العديم الخبرة خلال العامين الأولين لرئاسته نرى أن:

1-في الخطوة الأولى، واستناداً إلى الأولويات الاقتصادية المحلية لأمريكا، يركز نهج ترامب على الاستغلال الاقتصادي والاهتمام الأمريكي باضطراب البيئة في المنطقة لتحقيق مصالحه، وعلى سبيل المثال توقيعه صفقات كبيرة مع دول المنطقة في مجالات عدة ما ساهم في تدفق الدولار مرة أخرى إلى الداخل الأمريكي.

2-كانت الأولوية الثانية للسياسة الخارجية هي مكافحة الإرهاب، دون دخول القوات العسكرية الأمريكية إلى الشرق الأوسط، ويمكن النظر إلى التعاون مع دول منطقة غرب آسيا كمحور آخر للسياسة الخارجية الإقليمية لترامب.

من ناحية أخرى، لا يمكن أن تؤخذ مواقف ترامب في حلّ الأزمات الإقليمية مأخذ الجد، لأنه جعل الطريق إلى السلام في المنطقة أكثر صعوبة بوقوفه الصريح إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

كما أنه اتبع سياسات متضاربة في أجزاء مختلفة من المنطقة، فبينما يتابع اعتماد السياسات العدوانية والعسكرية للحكومة السابقة فيما يتعلق باليمن. يتم تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، في حين أنها تدعم العقوبات الإيرانية بذريعة حقوق الإنسان.

فيما يخص السعودية، يبرز هذا التناقض عندما أعلن خلال حملته الانتخابية أن السعودية هي بلد مصدّر للإرهاب وهي مسؤولة عن أحداث 11 أيلول، وبعد انتخابه كانت الرياض أول بلد يزوره في أول زيارة خارجية له، وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على أهمية السعودية في استراتيجيته للمنطقة.

أما بالنسبة لإيران فقد تم تعريف السياسة الإقليمية الأمريكية تجاهها في إطار مواجهة تأثير وتوسع الأيديولوجية الإيرانية في المنطقة، وسعياً وراء منع ذلك وضع ترامب بالتعاون مع السعودية وبعض الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي استراتيجية لتحالف عسكري مقابل طهران، تحالف يعرف باسم الناتو العربي.

ختاماً.. استناداً إلى السياسة الخارجية التي ينتهجها ترامب في منطقة غرب آسيا، وإلى جانب الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، فإننا نشهد اليوم إنشاء مثلث معادٍ لإيران يديره اللوبي المناهض لها في أمريكا، هذا اللوبي الثلاثي يتألف من الكيان الاسرائيلي، السعودية والإمارات وقد تم تخطيط توجيهاتهم في الخريطة السياسية الخارجية للرئيس الأمريكي الحالي، وتسعى أمريكا إلى ترشيد هذا اللوبي داخلها بما يسهم في تنمية الاقتصاد الأمريكي وإعادة ما يسميه ترامب "عظمة أمريكا" التي فقدتها بأقل التكاليف، وهي تريد أن تبقيه في وجه محور المقاومة وخاصة إيران.