الباغوز وجدلية القضاء على "داعش"

الباغوز وجدلية القضاء على "داعش"

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٨ مارس ٢٠١٩

 لا تزال هناك العديد من علامات الاستفهام حول ظهور التنظيم الإرهابي "داعش" والذي بدأ نشاطه تحت مسميات مختلفة منذ العام 2003 لكنه نشط بشكل ملحوظ منذ مطلع العام 2014 لاسيما في سوريا والعراق وبدأ يسيطر على مساحات شاسعة من هاتين الدولتين وسط ترقّب دولي لما يجري، وعلى الرغم من أن 60 دولة تشارك في القضاء على "داعش" إلا أن هذا التنظيم لا يزال على قيد الحياة حتى ولو حوصر مؤخراً في سوريا والعراق، إلا أن خطره لايزال موجوداً، وهذا ما أكده الأمريكيون مؤخراً، ومن هنا يظهر لنا بوضوح وجود ثغرة واضحة في مسألة محاربة "داعش" ويمكننا أن نشكك بمدى مصداقية بعض الدول لاسيما الغربية منها في محاربة هذا التنظيم بشكل عملي على أرض الواقع، علماً أن هذه الدول تملك مجتمعة من القدرات العسكرية ما يمكنها من إبادة دول بأكملها وليس تنظيماً لا يتجاوز عدد أفراده بضعة آلاف. 
إذن من يمنح هذا التنظيم الإرهابي شريان الحياة ولماذا؟
 
الباغوز
 
منذ ما يقارب الشهرين والتحالف الدولي بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية ، يعملون على طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من آخر جيوبه شرق الفرات وبالتحديد في منطقة الباغوز شمال شرق سوريا، وفي يوم أمس "الأحد"، قالت قوات سوريا الديمقراطية الأحد إن ما يربو على 60 ألفاً، معظمهم مدنيون، فروا من آخر جيب لتنظيم داعش، في شرق سوريا منذ بدأ الهجوم النهائي للسيطرة عليه قبل أكثر من شهرين، وبات التنظيم حالياً محاصراً في بقعة محدودة داخل الباغوز الواقعة على الضفاف الشرقية لنهر الفرات قرب الحدود العراقية.
 
ماكينات الإعلام الغربية تابعت ما يجري هناك لحظة بلحظة واتخذت مقراً لها بالقرب من تلك المنطقة تحت حماية "قسد" لتغطية الأخبار، من بينها القناة الفرنسية الثانية وشبكة "سي أن أن" ووكالة رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية وإذاعة فرنسا الدولية، ومن اللافت أن كل هذه الضجة الإعلامية التي استمرت على مدى شهرين جاءت لتغطي معركة ضمن مساحة لا تتجاوز الأربعة كيلومترات لتوصل إلى الشعوب الغربية والأمريكية أن التحالف المتشكل من دول هذه الشعوب انتصر على تنظيم "داعش" وسحقه من شرق سوريا، لتعطي لنفسها "اعتباراً" وقيمة وتبرر وجودها في نفس الوقت هناك.
 
كواليس الباغوز
 
ربما استطاع التحالف بالتعاون مع "قسد" طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من هذا الجيب، إلا أن ثغرات كثيرة لاتزال موجودة فيما يخص مصير هؤلاء الإرهابيين وعوائلهم وإلى أين سيعودون، خاصة وانهم يحملون جوازات سفر أوروبية وتركية وغربية، حتى أن صحيفة يني شفق التركية اتهمت واشنطن بمنح مسلحين من التنظيم جوازات سفر مزيفة لنقلهم إلى العراق.
 
إذن أمريكا تعمل على نقل التنظيم إلى الأراضي العراقية مجدداً لخلق الفتن والأزمات من جديد في هذا البلد الذي لم يكد قد تخلص من الإرهاب لتوه، وما إرسالهم إلى العراق إلا لتحقيق مجموعة من الأهداف، نذكر منها التالي:
 
أولاً: بقاء تنظيم "داعش" الارهابي يعني بقاء القوات الأمريكية والفرنسية، خاصة وأن الأخيرة تبحث عن موطئ قدم جديد لها في الشرق بعد أن ابتعدت عنه لعقود طويلة، ولكي تجد لنفسها هذه المكانة عمدت القوات الفرنسية على إطلاق صواريخ من حاملة الطائرات شارل ديغول، لتبرير بقاء القوات الفرنسية وبأن باريس باتت لاعباً أساسياً في الملف السوري حتى مع إعلان ترامب العودة عن قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، حيث تم تبادل الأدوار والنفوذ الفرنسي والأمريكي والإبقاء على نواة داعشية تبرر وجود القوات الأجنبية في أفغانستان والعراق والاحتفاظ بوجود ملتصق بالكرد للضغط على دمشق وأنقرة، تسعى باريس لحماية منطقة شرق الفرات منعاً لتسليمها لدمشق وحلفائها أولاً وللإبقاء على توتر مفيد لسوق الأسلحة الفرنسية ومنع الاستقرار الذي سيؤسس للعملية السياسية في سوريا.
 
ثانياً: لا تريد واشنطن تحت أي ظرف أن يحدث اتصال مباشر بين محور طهران_بغداد_دمشق وبالتالي بيروت، لذلك تعمد على إبقاء تنظيم "داعش" الإرهابي على قيد الحياة حتى تجد لنفسها تبريراً للبقاء هناك، علماً أن الحكومة السورية والعراقية لا ترحّب بالوجود الأمريكي على أراضيها، ومع ذلك تسعى واشنطن لإظهار أن التنظيم لا يزال قادراً على خلق المزيد من الأزمات وهذا ما أكدته شهادة جوزيف فوتيل قائد القيادة الوسطى الأمريكية أمام الكونغرس حيث قال: "إن عناصر التنظيم غير تائبين أو منكسرين ومستعدين للعودة إلى القتال وإن الانتصار على التنظيم لا يزال بعيداً".
 
ومن أحد الأمثلة على تمويل التنظيم يمكننا الإشارة إلى ما قامت به مؤسسة "راند" المموّلة من الحكومة الأمريكية وشركات النفط والغاز، والتي تفوق ميزانيتها 100 مليون دولار، بإعداد دراسات وتشجيع حركات في بلدان مختلفة تؤدي إلى استلام الدواعش والمتطرفين الحكم في هذه البلدان.
 
من جانبه حاول التنظيم تحفيز عناصره عبر التسجيل الذي أصدره التنظيم بعنوان "الثبات من الباغوز" والذي يعدّ شكلاً من أشكال الدعاية وتحفيز أتباعه بخطاب ايديولوجي وأناشيد دينية،
 
بعد هزيمته وخسارته لآخر معاقله في سوريا، اعتمد فيه صورة لا تشبه ما كان يعتمده التنظيم من صور القتل وقطع الرؤوس ليرهب به خصومه، وبأن خسارة الباغوز ليست إلا جولة من جولات القتال وأن ولاءهم لا يزال للبغدادي.