مازن الخطيب ...يوقد عسل الصمت

مازن الخطيب ...يوقد عسل الصمت

شاعرات وشعراء

السبت، ١٦ أبريل ٢٠١٦

علي الراعي
بين سورياليةٍ تتشظى بروحها، وبتراكيبها، و.. بين تهكمٍ يُدمي قلب المجاز؛ تنداحُ قصائد الشاعر السوري مازن الخطيب على سهوب التأمل الإنساني البعيد، ليأتي القول الشعري لهذا الشاعر،

وكأنه يصدرُ عن كاهنٍ أمضى النهارات الطويلة والليالي يجوب آفاق الصحارى والجبال بحثاً عن حقيقة وجود.‏

و.. خلاصة تلك « السياحة « التأملية؛ ثلاث مجموعات شعرية هي: أعلق على اللوحة حائطي، لست المكان المُفضل ليجلس على رأسي المقعد، و.. الرهان من يصل ثالثاً. وخلالها؛ يكون الخطيب قد حجز مكانه اللائق في ديوان الشعر السوري، بهذه الحالة الوجودية المتأملة حيث تأتي القصائد بما يُقارب الحكم المتشحة بأثواب الفلسفة. ومن ثم تصير قصارى القول اختزالاً لكلّ هذا الفيض المتأمل، الموجع حيناً طويلاً، والفرح طوراً قليلاً.‏

و.. في سعيه لسرد بيت قصيده في ومضاتٍ شعرية مكثفة، تأخذ تلك الومضات حالتين، أما لمرة واحدة منجزة بخواتيمها، أو تأتي تنويعات حول فكرة واحدة، يُنوّع عليها بصياغاتٍ مختلفة، وبخواتيم متنوعة، ذلك أنّ الفكرة نفسها تكون مُحرضةً لأن يتناولها الشاعرُ بأكثر من قولٍ شعري، و.. بأكثر من ومضةٍ شعرية، لذلك يتشكّلُ لديه متواليات تتناسل وتتوالد تماماً كشجرةٍ لا تكفُّ عن النمو ومدّ أغصاناً جديدة.‏

و.. في مجموعته « لستُ المكان المُفضل ليجلس على رأسي المقعد « يُحاول مازن الخطيب أن يسرد شعرية الأشخاص، إذ يصيرُ الأبناء والأصدقاء والحبيبات مجازاتٍ من الشعر، تُسرد قصائد على مدى البياض. وفي لعباته الشعرية أيضاً، يُلفت إلى أمرٍ آخر، قلما نجده عند شاعرٍ آخر، وذلك في خواتيم قصائده التي تأتي صادمة وغير متوقعة، بل قاطعة وفجائية، وكأنّ ثمة كلام كثير لم يكتمل قوله، ربما يُعوّل الشاعر هنا على إشراك المتلقي في تتمة القول الشعري، أو ربما يُغريه باقتراح خاتمة. الأمر الذي يغوي أيضاً بالتأويل وبتخييلات، تماماً كمن يرمي حجراً في بركة مياهٍ راكدة، ومن ثم يروح يتأمل ويستمتع مشهد اتساع الدوائر.‏

بريةٌ؛ تأتي قصائد مازن الخطيب، لم يُعكر ألوانها أسفلت شوارع، تأتي كالطيون والزعتر البري على السفوح والحفافي، وتجري كما سواقي السهول، حيث يُكثر الشاعر من مفردات الطبيعة من نباتات وشمس الصباحات، وأقمار يُمكن أن نخبأها في جيوبنا، قصيدة رعوية « تنطُّ « على الرعوش، وربما تلعب « السمركي « تحت السنديان.‏

أمرٌ آخر لافت في شغل مازن الخطيب، وذلك بتأليفه هذه التراكيب المذهلة، إذ يجمعُ مفردات يستحيل أن تترافق معاً في « جملٍ مفيدة « مع ذلك استطاع الشاعرُ أن يلمها معاً بكل سورياليتها المفيدة فيوقد عسل الصمت رماناً وهستريا.‏

و.. في ديوان الشعر السوري نقرأ اليوم لمازن الخطيب:‏

لا تُهادنْ‏

دع الريح تلبسك‏

دع المطر يلحق خُطاك‏

هذا المدى‏

يعترف بقلبك‏

يُمجد أن يلبس تاجك‏

الآن آن‏

وأنت رائحة النعناع.‏

  ‏

عليك النّظر‏

خارج السرب‏

هنا‏

خيط من الورد ورؤيا‏

نهرٌ تُسابق مع ضفتيه‏

هنا أو هناك‏

خيط من الحلم‏

تدلى.‏

  ‏

حين يثبُ أحدهم‏

باتجاه امرأة‏

شفتاها من قلق،‏

ينهضُ الزعفرانُ‏

وتشرقُ الزوفا،‏

تلحقهما الريحُ،‏

والأعراسُ‏

برقصٍ مجيد.‏

  ‏

آخر شبرٍ أتمدد عليه‏

بفيءٍ حقيقي‏

هو وطني‏

آخر زيتونة أقطفُ شهدها‏

هي زيتونتي‏

آخر قبلةٍ أتفوه بها‏

هي امرأتي.‏

  ‏

مسّدتُ صدر الريح‏

أقعدتُ الحزن على طاولة السكر‏

أشعلت له قمراً كاملاً‏

أطعمته خبزاً وتين‏

لم انتظر تباشير الليل‏

ربطت النهار بخصري واستويت.‏

  ‏

الشعرُ‏

طفلٌ يركض خلف الفراشات‏

يشعل أسئلة الضوء‏

الشعرُ‏

نقطة ماء‏

تجلت امرأة‏

الشعرُ‏

سيضفرُ جدائل الحبر‏

ليبقى مرمياً‏

على كرز شهوتها.‏

  ‏

أحملُ حذائي‏

إن احتج من سوء الطريق‏

أتعرى إن الشمس هددت القميص‏

أحمل طبلاً‏

أحملُ قارعة الطريق‏

أغير ترتيب المارة وأبتعد.‏

  ‏

قارئة الكون؛‏

هي وحدها تلبسُ من نعناعها،‏

وتلبس من ضوء القمر‏

جنيّتي.‏

  ‏

أمشي‏

ألمُّ رائحة العشق‏

من ورقٍ‏

سقط على مُهلٍ‏

من قمرٍ‏

سقط فجأةً‏

على نهرٍ‏

أمشي‏

ألمُّ رائحةَ العشق‏

من كلبٍ يعوي وحيداً‏

و.. الليل يغيب.‏

  ‏

لا أحسدُ‏

عاشقاً سبقني،‏

أو جاء بعدي‏

أحسدُ ورق التوت‏

أوّل عاشقٍ‏

غطى وجه‏

الأرض.‏

  ‏

أنا كون هذا الوجود‏

كيف أميلُ‏

تميل الشمس‏

و.. أين أخطو‏

تطلع النار ويطلع الورد.‏