سورية أرض الشعر

سورية أرض الشعر

شاعرات وشعراء

الثلاثاء، ١٥ مارس ٢٠١٦

حكيم مرزوقي
أكاد أتحدّى من يزعم بوجود إنسان سوري واحد على وجه هذه  البسيطة لم يكتب في حياته شعراً أو خاطرة أو حتى يرتجل بيتاً من “العتابا” و”الميجنا” في لحظة “اصطهاج” على كتف نهر أو ساقية، في حضن جبل أو حقل أو بستان من الريف السوري الطيب الجميل.
لا يخلو  بيت من دفتر حميمي صغير للهمس مع الذات وإن كانت مجرّد “خرمشات” يقرؤها لنفسه أو على خاصة الخاصة، هذا طبعاً إلى جانب دفاتر المصاريف والحسابات والديون والأطفال التلاميذ.
أعرف جاراً خرج من منزله غاضباً مزمجراً ومتوعّداً لأنهم أضاعوا له دفتر  شعره، وما إن عثروا عليه بالمصادفة تحت المخدّة حتى عاد إليه رشده وابتهجت أساريره بعد أن كاد يفقد صوابه.
استضافني صديق في قريته الوادعة التي تعجّ بالشعراء وما إن يقدّم لي واحداً من  أهالي ضيعته الطيبين حتى يهدي إلي ديوانه ثم يبادرني بالسؤال إن كنت قد نشرت “ديواناً” أو لماذا تأخّرت في ذلك، وكأنّ الأمر شبه محسوم لمن تعلّم الكتابة والقراءة!.
أدركت بعد  سنوات طويلة من “الحياة” في بلاد نزار قباني ومحمد الماغوط وعلي الجندي وممدوح عدوان ودعد حداد وسنية الصالح ومحمد عمران وفايز خضور وحسين حمزة ورياض الصالح الحسين، وصولاً إلى شهيد الشعر وضحية التكفير بشير العاني وغيرهم -ممن لا تتسع لهم الجريدة بأكملها- أنْ لا شعر من دون سوريين ولا سوريين من دون شعر.
لا غرابة في أن يولد الشعر وينمو على ضفاف الفرات وبردى والخابور والعاصي كوصيّة أبديّة خطّها، بل نحتها الآراميون والآشوريون والكنعانيون والفينيقيون وغيرهم من الذين أهدوا البشرية أول حروف الأبجدية وعلّموها الحضارة والتعايش في قول أحدهم على نقش سورية دفتر شعر جميل حجري “لا تشتم إلاهاً أنت لا تعبده”.
يعرّف الشعر -إن كان للشعر من تعريف- بأنه “محاولة إيجاد صيغة توافق مجنونة مع هذا العالم المجنون”، واستطاع ساكنو هذه الأرض الطيبة منذ الأزل أن يروّضوا هذا العالم ويكبحوا جماحه بالشعر والفن والكتابة فاستحقوا البقاء.
أنت الشعر حين تكتبه وخصمك مجرّد قارض له، فلا تضيّع دفتر شعرك أيها السوري النبيل، إنه البوصلة في عصر الضياع والمصباح الوهّاج في دهاليز الذات، وهو الذي يمكّنك من قراءة دفاتر الأعداء وفهم حساباتهم الضيّقة.
الشعر يعلّم النبالة والنبالة تعلّم الشعر.