داعش “صرصار في الزاوية”… ماذا يخبّئ في اللحظة الأخيرة؟

داعش “صرصار في الزاوية”… ماذا يخبّئ في اللحظة الأخيرة؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ أغسطس ٢٠١٧

“الاستسلام” عبارة ثقيلة في قاموس تنظيم “داعش” الارهابي. إنها حالة مستجدة تعصر كيانه تزامناً مع معركة “فجر الجرود”، ما احتكم اليها من قبل. ذلك مؤشّرٌ جلي لليأس الذي يعتريه، في ظلّ درايته المسبقة باقتراب ساعة النهاية التي باتت واقعاً محسوساً، يتلمّسه كالسقوط الدامي للشخصية الشريرة في الصفحة الأخيرة من القصة. ولا تقتصر بشائر الهزيمة على معركته في الجرود اللبنانية فحسب، بل انها باتت جزءاً من واقعٍ عام يشهده في الرقة وتلعفر بعد فصله عن قيادته الأساسية التي اتصفت يوماً في دقّتها. وهو واقعٌ شهده في الموصل، من روّع الناس يوماً حلماً منه بلقاء الحوريات. ما يفرق في الحكاية، ان الحلم الموعود في لقاء الحوريات، ما عاد يغري الحالمين به في لحظة الصفر، بل أوشك النفاذ بالروح، ان يصير هو العقيدة.

واذا كانت معنويات التنظيم أيقنت النهاية، فإنها، قبل حلول الساعة، لا تزال مضعضعة ومفرقة الآراء. البعض يستسلم، والبعض يتابع القتال، لكونها مسألة تدخل في حسابات الربح والخسارة الشخصية لكلّ ارهابي، وعقيدته الضوضائية. المستمرون منهم في المعركة، عمدوا في الأمس القريب الى تكتيك التفخيخ، مما أودى بثلاثة شهداءٍ في صفوف الجيش. إنها عملية تكتية، لطالما استخدمها التنظيم في الفلوجة والرمادي، والذي يجمع المحللون العسكريون على اعتبار انها عملية استدراجٍ للمهاجم، وفتح الباب أمامه للتوغّل عمقاً، ومن ثم محاولة استهدافه. وهو تكتيكٌ يعيه الجيش تماماً، ويدفعه الى استخدام الآليات لتنظيف الطريق قبل استكمال عملية تحرير اجزاءٍ اضافية من الجرود. علماً ان النتائج المحققة حتى الساعة، يصفها المحللون الاستراتيجيون بغير المسبوقة، في ظلّ التمكن من تحرير ثلثي الأراضي المحتلة في غضون أقل من يومين.

ماذا يدور في رأس “داعش” في الجزء الأخير من المعركة؟ وهل استسلام بعض العناصر، ومتابعة البعض الآخر القتال نموذجان متناقضان؟ “لا تناقض في النماذج”، يجيب الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الياس حنّا، في حديث الى “النهار”، بل ان “الغلو في التشدد يحتّم على العناصر الاحتكام الى القتال حتى الرمق الأخير، فيما يتردد البعض ويفضل الانسحاب من المعركة”. ويشير الى أنها “مسألة طبيعية في المنطق العسكري، فالبعض يستشرس في القتال، وآخرون يحاربون بوتيرة ضعيفة”.

الى أي مدى تؤدي هوية المقاتلين دوراً في صوغ قرارهم، ما بين التسليم لخيار الاستسلام او متابعة القتال، إذ نجد أن اولئك الذين سلموا أنفسهم الى رجال “حزب الله”، سوريون، في أغلبيتهم من منطقة الجرارير، في حين اننا لم نلحظ استسلام عناصر ارهابية غير عربية؟ يجيب بأن “لا موطئ قدم للغرباء المنضوين في تنظيم الدولة الاسلامية، ولا مكان يؤويهم. ما مفاده ان المنضمين الى داعش من افغانستان والشيشان، ليسوا أولاد البيئة التي يقاتلون فيها، مما يدفعهم الى القتال حتى آخر رمق”.

أما المنتمون منهم في الهوية الى بلاد الشام، فإنهم في رأي حنّا “أقرب الى الاستسلام، وهي فرضية تحققت في العراق، إذ إنهم غادروا التنظيم وانخرطوا تلقائياً في صفوف الشعب. قد يلقى القبض عليهم في ما بعد، وقد ينجحون في الفرار من العدالة، ولكن ما يصحّ هو أن ارضهم تشكّل لهم ملاذاً آمناً في كل الأحوال بعد فتح باب الهروب امام المقاتلين، وهي معادلة سارية في الحروب”.

وماذا عن هويات العناصر الارهابية المتمركزة في الجرود اللبنانية والمقاتلة حتى الساعة؟ يشرح ان “40 ألف مقاتل أجنبي دخلوا سوريا والعراق من تونس والشيشان والاميركتين فضلاً عن 5000 مقاتل ارتحلوا من اوروبا. لكن هؤلاء، كان من الصعب عليهم الوصول الى لبنان، نظراً الى العامل الجغرافي. انهم اتوا من طريق تركيا الى منبج، حيث تأدلجوا وبعثوا في الشتات”. ما يؤكّد، ودائماً وفق حنّا، ان “أغلبية المقاتلين الداعشيين في الجرود اللبنانية سوريون ولبنانيون على السواء، ويعون البيئة التي يتمركزون فيها لكونهم غير بعيدين عن المنطقة الجغرافية”.

التفخيخ
لعل احتكام “داعش” الى التفخيخ، أكثر التكتيكات التي يعمد اليها في الآونة الراهنة. حنّا يقرأ المشهدية كأنها “تكتيك يتبعه داعش لمحاولة استنزاف اكبر عدد من الشهداء في صفوف الجيش، الى جانب القنص والسلاح المضاد للدروع والمدافع والدراجات النارية والعمليات الانتحارية التي يحتكم اليها في ظل عدم امتلاكه الدبابات والسلاح الجوي، مما دفع الجيش الى استخدام الجرافات لبناء طرق فرعية”. من هذا المنطلق، يتساءل حنّا: “لماذا نستغرب عندما يموت الجندي؟ من الطبيعي ان يموت، لأن وظيفته الاستشهاد في الحرب. ولا ننسى ان حزب الله خسر 1800 قتيل منذ اندلاع الاحداث السورية حتى اليوم”.

ما بعد 80 كلم
“المرحلة الأسهل تمثلت في تحرير 80 كلم من الجرود. المعركة باتت اليوم اصعب وارادة القتال أكثر شراسة. لكن داعش سيصل الى مرحلة تضييق الخناق التي لن يستطيع من بعدها الذهاب الى اي مكان”. بهذه العبارة يختصر حنّا المرحلة التالية المتمثلة في تحرير 40 كلم متبقية من الجرود، وتالياً اعلان النصر المتكامل. ذلك ان “الكثافة العددية والفكر العقائدي (القتال او الموت) عوامل تتحكم اكثر في مفاصل المعركة، زد على ذلك حرية المناورة التي ما عادت موجودة، اذ بات القتال يعتمد تكتيك الخرق”.

وعن سبل صمود “داعش”، يقول: “انها عوامل تتمثل في ارادة القتال، وامكان اخلاء المرضى والقتلى بما يؤدي الى السقوط التدريجي”. وعن المهلة الزمنية لتكليل المعركة في كليتها بالنصر، يجيب بانه “من غير الممكن تحديد مهلة زمنية. فليأخذ الجيش وقته لأن مصير البلاد ليس على كف عفريت. واذا كان حزب الله نجح في غضون 48 ساعة، فهذا لا يعني ان علينا النجاح في فترة أقصر. من الممكن تغليب منطق التفاوض في وقت معين، او ربما عامل الوقت سيذوّب قدرات العدو فيسقط من تلقائه بعد نفاذ الذخيرة والقوت”.