هل تحدث المعجزة.. وينتهي الخلاف السوري التركي..؟!

هل تحدث المعجزة.. وينتهي الخلاف السوري التركي..؟!

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ يوليو ٢٠١٦

باسل أبو شاش - بيروت برس -
لا يوجد في السياسة عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة.. عبارة تجسد واقع حال السياسة الخارجية التركية اليوم، فبعد سنوات من العداوة للنظام السياسي في سورية، والدعم المباشر وغير المباشر للتنظيمات المسلحة وللفصائل السياسية السورية المعارضة، خرج رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بتصريح كان بمثابة المفاجأة بالنسبة للجميع، معلنًا خلاله سعي بلاده إلى تطوير علاقاتٍ جيدة مع سوريا والعراق.
يلديريم لم يتوقف عند هذا الحد، فأضاف بحزمٍ غير معهود أن بلاده واثقة من استعادة علاقاتها السابقة مع سوريا والعراق، واصفًا إياهما بالجارتين، متجاهلًا التطرق في حديثه إلى العبارات التي اعتادت أنقرة التأكيد عليها خلال السنوات السابقة كضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وأيضًا حماية الشعب السوري من جرائم النظام الحاكم، وهو ما يدفع بنا إلى طرح سلسلة من التساؤلات حيال التصريح السابق، فهل نحن حقًا أمام بداية تحول في السياسة الخارجية التركية تجاه قضايا المنطقة وفي مقدمتها سورية، أم أنها مجرد محاولة للمناورة واللعب على المفردات..؟َ!

إلى أين تسير أنقرة..؟
الأكيد بأن تصريح يلديريم الأخير ليس وليد اللحظة، وليس خطأ لغويًا أسيئ فهمه من قبل وسائل الإعلام، حتى وإن كان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا سارع عقب التصريح إلى التأكيد أن هناك عائقًا كبيرًا يمنع تطبيع العلاقات مع دمشق حاليًا يتمثل في عدم تنحي الرئيس السوري بشار الأسد.
فالمتابع لتصريحات يلديريم منذ توليه منصبه في أيار الماضي، يلحظ فيها تأكيدًا دائمًا على ضرورة إعادة تطبيق سياسة "صفر مشاكل" لاسيما مع دول الجوار، لأن تركيا اليوم بحاجة على حد تعبيره إلى زيادة أصدقائها وتقليص أعدائها، وهو ما قد ينسجم مع ما نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، حيال العلاقات التركية السورية.
حيث أكدت المجلة قيام اثنين من السياسيين القوميين في تركيا بتمهيد الطريق أمام اتفاق أنقرة مع دمشق، وذلك على خلفية إعادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العلاقات إلى طبيعتها مع روسيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن مهمة السياسيين تتمثل بتمرير رسائل بين مسؤولي الحكومتين السورية والتركية.
 كل ما سبق قد يفسر ما نشهده حاليًا من صمتٍ تركي حيال التطورات الميدانية في سورية، في ظل التقدم المتواصل للجيش السوري بالقرب من الحدود مع تركيا، وتحديدًا على جبهة ريف حلب الشمالي، وسيطرته ناريًا على طريق الكاستيلو الإستراتيجي (الشريان الوحيد الذي يربط التنظيمات المسلحة الموجودة بالأحياء الشرقية من مدينة حلب، والمدعومة من نظام أنقرة، مع الحدود التركية)، وبالتالي فإنّ السيطرة على هذا الطريق يعني إطباق الخناق على المدخل الشمالي لمدينة حلب، ما يمهد لفتح الجيش السوري محور عملياتٍ جديد باتجاه مخيم حندرات غربًا. 

ما هي الأسباب؟
أسباب عديدة يمكن لها أن تفسر دوافع النظام التركي الحاكم لتغيير سياساته الخارجية واللجوء إلى التقارب مع أعداء الأمس، ويمكن تلخيص هذه الأسباب في النقاط التالية:

أولًا: اتساع رقعة خطر التنظيمات الإرهابية وعدم اقتصار خطرها على سورية والعراق فقط، كما كانت تعتقد وتخطط تركيا سابقًا، فالهجمات الإرهابية طالت نيرانها مختلف دول العالم ولم تستثنِ منها أحدًا، بما فيها تركيا، التي شهدت عددًا من الاعتداءات الإرهابية، كان آخرها هجوم مطار أتاتورك بمدينة اسطنبول، الذي أسفر في حينها عن مقتل أكثر من 41 شخصًا وجرح ما يزيد عن 200 آخرين، وهو ما اعتبر ضربة موجعة للقطاع السياحي.
ثانيًا: تفاقم أزمات أنقرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الخارجي فشلت بتحقيق أهدافها الإقليمية في سورية والعراق ومصر، ما خلف خلافاتٍ وعداواتٍ كثيرة لم تقتصر آثارها على الدول الثلاث السابقة فقط، بل امتدت إلى الداخل الأوروبي الذي كانت تنظر إليه تركيا قبل عام 2011 كحليف استراتيجي، ما بات يجسد حالة عزلتها ويدفع بها إلى طرح نفسها بصورة جديدة، تتنافى مع صورة راعي الإرهاب الدولي التي تظهر فيها حاليًا.
ويضاف إلى ما سبق شعور الجانب التركي بالخديعة من قبل الحليف الأبرز أمريكا، نتيجة لترجيح الأخير كفة مصالحه على مصالح تركيا، وإقامته علاقاتٍ وطيدةٍ مع جهاتٍ تتبادل معها أنقرة العداوة، وفقًا لوجهة النظر التركية.
أما على الصعيد الداخلي، فخلافات تركيا الخارجية ألحقت أضرارًا كبيرة باقتصادها، ما دفع بالأحزاب والقوى السياسية الداخلية إلى ممارسة ضغوط كبيرة على الحكومة، مؤكدين مسؤوليتها عن التراجع الكبير في أداء الاقتصاد وخصوصًا قطاع السياحة الذي خسر ما يزيد على عشرة مليارات دولار أمريكي، بسبب العقوبات الاقتصادية التي طبقتها بحق تركيا، على خلفية إسقاط الأخيرة لمقاتلة روسية فوق الأراضي السورية.
وهناك أيضًا أزمتها مع حزب العمال الكردستاني واعتمادها للحل العسكري عوضًا عن الحوار لإنهاء هذه الأزمة، فتحولت مدنُ جنوب شرق البلاد إلى ساحاتِ معارك شرسة استخدم فيها النظام التركي الأسلحة الجوية والبرية، دون أن يتمكن من تحقيق أي إنجازٍ يذكر في هذا السياق.

هل تقبل دمشق المصالحة؟
الحكومة السورية اليوم بحاجة إلى أفعال وليس إلى أقوال، وهو ما اعتادت دائما التطرق إليه في أي حديث سياسي، فلا يمكن للمياه السورية التركية أن تعود إلى مجراها الطبيعي ما لم تلتزم تركيا بالشروط السورية، وأولها إغلاق تركيا لحدودها الجنوبية، ومنع تدفق الإرهابيين من أراضيها إلى الداخل السوري.
أما الشرط الثاني فيتمثل بوقف دعم وتسليح وتمويل التنظيمات المسلحة في سورية، فعلى الأرض السورية يتواجد عدد من الفصائل المدعومة بصورة مباشرة من جانب أنقرة، التي واظبت خلال السنوات السابقة على مدها بمختلف أنواع الأسلحة والدعم المالي واللوجستي، خدمة لأجنداتها السياسية، وتتواجد هذه الفصائل بنسبة كبيرة في الشمال السوري وتحديدًا في حلب وريفها وريف اللاذقية الشمالي.
أخيرًا، لاشك بأنّ تطبيع العلاقات التركية السورية، وإنهاء حالة الخلاف بين الدولتين (في حال وجدت النية التركية لذلك) تحتاج إلى مدة زمنية ليست بالقصيرة، فخمس سنواتٍ ونصف السنة من العداء لا يمكن نسيانها بين ليلة وضحاها وتحتاج إلى ترتيبات وتمهيدات خاصة بها.
وأجدد التأكيد هنا في حال كانت فعلًا أنقرة عازمة على فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة، فإنّ هذا القرار هو الأفضل الذي تتخذه الإدارة التركية منذ خمس سنواتٍ إلى اليوم، حيث لم يعد باستطاعة المواطن التركي تحمل ويلات السياسة الخارجية المعادية لدول الجوار، وكذلك لم يعد بمقدور دول المنطقة تحمل حروب ونزاعاتٍ جديدة تضافُ إلى سابقتها.