هل إنخدع الروس في اتفاقهم الاخير حول سورية ؟

هل إنخدع الروس في اتفاقهم الاخير حول سورية ؟

تحليل وآراء

الاثنين، ١٢ سبتمبر ٢٠١٦

العميد المتقاعد شارل ابي نادر -

ما بين اتفاق وقف الاعمال العدائية على الاراضي السورية في شباط الماضي بين الروس والاميركيين ، والذي لم يكتمل بعد ان كان مقررا ان ينتج عنه وقف شامل لاطلاق النار وتحضير ارضية واسعة للبدء بمفاوضات مباشرة في جنيف بين اطراف النزاع كافة ، والاتفاق الاخير في جنيف بالامس ، والذي رعاه وظهّره وزيرا خارجية الولايات المتحدة الاميركية وروسيا ، والقريب الى حد كبير من اتفاق شباط الماضي ، تدور تساؤلات واسعة وجدية عن امكانية تنفيذ الاخير في ظل شكوك ليست بسيطة تحوم حول صدقية الاميركيين وقدرتهم على فرض نقاط الاتفاق على انفسهم اولا ، وعلى كل من يملك تأثير ما في الميدان السوري او في الميادين الاخرى التي لديها ارتباط مع هذا الميدان من الذين ضمنوا التزامه وموافقته .

اللافت من الاتفاق ان الروس وافقوا على مطالب حساسة كانت من اكثر ما شدد عليها دائما الاميركيون خلال كامل فترات التفاوض المباشر بين وزيري خارجية البلدين في اجتماعاتهما خلال مناسبات اممية اودولية او حتى خاصة سابقا ، او غير المباشرعبر رسائل اعلامية او عبر تصريحات ناطقين رسميين كانت تصدر عن البيت الابيض اوعن الكرملين ، واللافت ايضا ان هذه الموافقة جاءت في وقت شهد تقدم ميداني واضح وعنيف لوحدات الجيش العربي السوري بعد معارك طاحنة زج فيها الفريقان وداعموهم من كل جهة اقسى ما يمكن من الدعم بمختلف اشكاله العسكري والتقني والبشري والاعلامي والديبلوماسي .

في دراسة ميدانية وعسكرية لاهم نقاط الاتفاق واكثرها حساسية وتاثيرا في الميدان السوري يمكن ملاحظة التالي :

اولا : في موضوع تقييد حركة الطيران الحربي السوري باجواء وباهداف محددة ، مع ترك المجال في ذلك ، لناحية الاهداف او لناحية البقعة او الميدان او المنطقة للقاذفات الاميركية والروسية فقط ، الا يمكن اعتبار ذلك وكأنه خلق منطقة حظر جوي على القاذفات السورية ، كانت ترفضها دائما سوريا وروسيا لاسباب تتعلق بالسيادة السورية وباحترام سلطة الدولة والجيش العربي السوري على كامل التراب السوري ، وكانت ترغب وتطالب فيها دائما تركيا وتشدد على فرضها حماية للمجموعات المسلحة التي تدور في فلكها ، وحيث كانت دائما هذه المجموعات تشكل راس الحربة وعماد الوحدات التي هاجمت وسيطرت على اغلب المناطق الشمالية في سوريا مع تنفيذها لاكثر المجازر دموية و عنفا ؟؟؟

ثانيا : في موضوع فك الحصار عن الاحياء الشرقية لحلب من خلال ابعاد وحدات الجيش العربي السوري عن معبرطريق الكاستيلو والذي يمثل المدخل الحيوي الشمالي الى داخل المدينة المذكورة ، الا يعتبر ذلك كانتزاع للنقطة الميدانية التي امتلكها الجيش العربي السوري والتي كانت الهدف الاساس لمعركة شرسة خاضتها وحدات هذا الجيش وربحتها بمواجهة خليط واسع من اكثر من ثلاثين مجموعة ارهابية اجتمعت تحت قيادة غرفة عمليات مشتركة اميركية وتركية وسعودية ؟؟؟

ثالثا : في موضوع موافقة الاميركيين على استهداف جبهة النصرة وطبعا بالاضافة لاستهداف داعش ايضا ، وذلك من خلال غرفة عمليات روسية اميركية مشتركة بعد ان تحدد الاخيرة وتتثبت من ان المستهدف هو من غير المعارضة المعتدلة ، الا تظهر هنا ثغرة كبيرة كانت دائما موضع خلاف ونزاع وعدم اتفاق بين جميع الاطراف ومنهم راعيي هذا الاتفاق ؟؟ وحيث تتمثل هذه الثغرة في عدم القدرة على ضبط هذه المجموعات المتداخلة اصلا ميدانيا وعقائديا ، فهي غير ثابتة في ميدان محدد وتتنقل من موقع او من منطقة الى اخرى حيث ينتشر الكثير من الجبهات ومن الميادين بمواجهة الجيش العربي السوري وخاصة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية المترامية الاطراف ، وهي غير ثابتة عقائديا او في اسمائها التي تغيرها بلمح البصر وتنقل ارتباطها الجهادي او العقائدي او التنظيمي باية جهة او مرجع تختاره ساعة تشاء وتصبح في المقلب الاخر بالنسبة لغرفة العمليات المشتركة المذكورة والتي هي اساسا غير ملمة بطريقة دقيقة بكيفية توزع هذه المجموعات في الميادين او في الاتجاهات .

واخيرا ، وبمعزل عن النقاط السياسية المتعلقة بالمفاوضات وبطريقة تحديد اطرافها ، والتي لن تكون اقل حساسية و دقة من النقاط الميدانية المذكورة اعلاه ، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه لناحية الحيثيات والمعطيات التي دفعت بالروس الى الموافقة على هذه النقاط المذكورة اعلاه ، وهل كانوا بعيدين عن فهم وتلمس هذه الثغرات واستدراكها ؟ ام انهم وصلوا في فهم طريقة تفكير الاميركيين ومناوراتهم و في فهم الميدان السوري واطراف الصراع فيه لدرجة تخولهم ( اي الروس ) للذهاب بعيدا في هذا الاتفاق مع بنوده الحساسة وهم واثقون بقدرتهم على فرض التزام الاطراف به ، او لدرجة تجعلهم يملكون القدرة على الانسحاب منه و تحميل من يخلّ به مسؤولية ذلك بطريقة تحفظ انجازاتهم وانجازات وتضحيات الجيش العربي السوري وحلفائه ، و الذين هم ايضا ليسوا بعيدين عن مراقبة وفهم ومعالجة ما يمكن ان يضعهم في موقع غير متكافىء او غير متناسب مع ما حققوه في الميدان ؟؟؟