هل تشنّ أميركا حرباً مفاجئة على سورية؟.. بقلم: عبد الله زغيب

هل تشنّ أميركا حرباً مفاجئة على سورية؟.. بقلم: عبد الله زغيب

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ أكتوبر ٢٠١٦

فجأة، ومن دون مقدمات سياسية وميدانية «مطوّلة» ووافية، بدت سوريا وكأنها على وشك إعادة تدوير سردية الحرب الخاصة بها، استناداً إلى حوادث مفصلية كانت حتى الأمس القريب منعزلة بشكل تام عن اتجاهات الحدث. حصل هذا في ما كانت الرعاية الخارجية تتجه نحو رسم خطوط عامة للحل «النهائي»، برغم الغموض الذي ما زال يلف التصور العام للمرحلة السياسية المقبلة والأشخاص المعنيين بها ومستقبلهم، ومدى إمكانية عبور هذه المرحلة الرماديّة المنتجة للسلم، على أن يبقى الرئيس بشار الأسد في مكانه، بانتظار اتضاح صورة ما بعد «الانتقال». يحصل ذلك في إطار عمليّة عصف ذهني مشترك بين الأميركيين والروس، تدور ضمن محددات واضحة لخطوط التدخل والتداخل والانخراط، بما يضمن قيادة روسية خالصة لمحور النظام وحلفائه، في مقابل خطوط «تماس» افتراضيّة رسمتها واشنطن لموسكو، بما يضمن الحفاظ على أرض شبه متوازنة بين الطرفين لإنعاش العمليّة التفاوضيّة ما أمكن.
لا تفترض الانعطافات الأميركية المفاجئة قدراً عالياً من المجهودات «الأخلاقيّة» المنتجة لخطابة «الحرب»، خاصة أن آليات المحاسبة الأمميّة غير مفعّلة بشكل كافٍ لمعالجة أي خلل «أمني» يلمّ بالعالم. كما أن واشنطن تستند في تدخلاتها إلى مجموعة من عناصر القوة اللازمة، ومنها فارق الميزان الاستراتيجي الكبير بينها وبين خصومها وحلفائهم ورعاتهم، انطلاقاً من طبيعة «النظام الدولي الجديد» الذي يتحكم بمفاصل الأمن والسياسة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. علماً أن كلاً من روسيا والصين فشل في إثبات قدرته على الذهاب إلى النهاية في الملفات ذات الطبيعة الإشكاليّة مع الأميركيين، بالصخب الإعلامي والديبلوماسي المرافق لحراكهما السياسي نفسه، حتى في بعض الرقع الملتصقة جغرافياً بالعملاقين الشرقيين، كأوكرانيا وكوريا الشمالية وجمهوريات آسيا الوسطى.
شكل «النشاط» الروسي الأميركي في سوريا اختباراً مباشراً لطبيعة العلاقات الدوليّة، في ظل النظام العالمي الجديد بنسخته المحدثة في مرحلة ما بعد غزو العراق. وهي الحقبة التي فتحت الباب أمام مسوّقي فكرة «الانكفاء» النسبي داخل المؤسسة «العميقة» الحاكمة في الولايات المتحدة، على حساب الانخراط القوي. ويسند هؤلاء حجّتهم إلى سلسلة أحداث استشعروا منها إحجاماً أميركياً عن التصعيد، أبرزها «تجاوز» الرئيس باراك اوباما خطّه الأحمر المتعلق باستخدام السلاح الكيماوي من قبل دمشق، كما تفيد رواية البيت الأبيض لحادثة الغوطة الغامضة في 21 آب 2013. لكن التفكير هذا، المبني على جرعات فائضة من التفاؤل وسوء التقدير، فشل في إدراك مدى جديّة العناصر الكامنة في الأدوات الأميركية المتاحة، وأيضاً مدى استعداد واشنطن لاستخدامها، مهما بلغت حدود الانتشار الروسي على الرقعة السوريّة، ومهما خلت الخطوات التصعيدية المحتملة هذه من «المظلّة» الإعلاميّة والسياسية التي عادة ما تهيئ الرأي العام الغربي للتصعيد، عبر دفوع «أخلاقيّة» دسمة.
«النظام الدولي الجديد» لم يُحتضَر بعد، ولن يُحتضَر في المدى الزمني المنظور، المصاحب لمجمل أزمات المنطقة العربية منذ انطلاق «ربيعها» قبل خمسة أعوام. وعلى هذا الأساس يمكن الركون إلى حوادث مفصليّة لإعادة تنشيط المخيّلة بما يكفي من أسباب عدم الاطمئنان للاتجاهات الأميركية المحتملة، حيث تشكل حرب بنما أو احتلالها من قبل الأميركيين العام 1989، مؤشراً أساسياً للرجوع خطوتين في التقدير. فالضربة هذه جاءت في سياق متناقض، وعلى شاكلة تتخطى سياق الأبيض والأسود الواضح في سوريا، تحديداً لناحية هوية الخصوم وامتداداتهم سراً وعلناً، خاصة أن ديكتاتور بنما السابق مانويل نورييغا كان من أكثر أصدقاء واشنطن حماسة لحفظ أمنها ومصالحها، سواء في «صناعة» المخدرات وتجارتها، أو على مستوى التعاون اللوجستي المتعلّق بأمن ممرها المائي الدولي. هكذا جاءت الحرب برغم القرارات الدولية المعارضة وموقف الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرافض بشدّة للغزو.
يصعب على الأميركي، في هذه اللحظة بالذات، ابتلاع تفوّق روسي مباشر على تدخّلات «الأطلسي» وحلفائه في الحرب السوريّة، خاصة أن الميدان أظهر رغبة من حلفاء دمشق في الاتجاه نحو حسم بعض المعارك التي شكلت «مفاصل» استراتيجية للصراع الأهلي السوري كحلب وريفها. لقد باتت السياسة الأميركية الراهنة أكثر انفتاحاً على الخيارات «الراديكاليّة» من قبل، وأكثر قرباً من استخدام «منطقي» لفارق القوة في سبيل بلورة حل نهائي مُرضٍ للأميركيين قبل أي أحد آخر، مع حفظ ما تيسّر من ماء وجه للروس. يكاد يكون الاستخدام المباشر للقوة بديلاً «حتمياً» لتشرذم الصف المعارض في مواجهة النظام، بمعزل عن «كتلة» القوة هذه ومدى انفتاحها على خيارات جزئية كضرب الجيش السوري في دير الزور، أو راديكالية كتسليح نوعي للمعارضة، أو حتى كتوجيه ضربات «أطلسية» أكثر اتساعاً لسوريا.