أين هو الخطر؟!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

أين هو الخطر؟!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦

يشكل تحديد التناقض الأساسي لأي كيان مهما يكن، المحور الرئيس الذي تبنى عليه الإستراتيجيا التي يتبعها ذلك الكيان في الوقت الذي تكون فيه مجمل السياسات المعتمدة حتى التكتيكية منها في خدمة المحور المشار إليه وإن كانت تصنف على أنها ثانوية بمعنى أن التغيير فيها أو التعديل يبقى أمراً وارداً بعكس الحالة التي تم التعاطي فيها مع القضايا الإستراتيجية وخصوصاً الركيزة التي تقوم عليها.
منذ قيام «إسرائيل» في فلسطين 15/5/1948 اعتبر العرب أن التناقض الأساسي المحدد لنموهم وتطورهم هو في التصدي للهجمة الغربية التي تتعرض لها المنطقة عبر رأس حربتها إسرائيل التي نظروا إليها على أنها تمثل الخطر الأكبر الذي يهدد شعوبهم وكياناتهم على حدّ سواء، وهو ما أكدته جميع قممهم أو مؤتمراتهم من دون تراجع حتى في أوهن اللحظات التي مرّوا بها، فقد خرجت (مثلاً) قمة الخرطوم التي انعقدت في أعقاب هزيمة حزيران 1967 بلاءات ثلاث شهيرة (لا صلح- لا مفاوضات- لا اعتراف) وكذلك أكدت قمة بغداد التي انعقدت في أعقاب خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بعد توقيعها لاتفاقات كامب ديفيد أيلول 1979 على مقاطعة قاهرة السادات التي لم تعد ترى في إسرائيل عدواً يتهدد كيانها وشعبها، فيما بعد أفرزت كامب ديفيد شرائح وطبقات اجتماعية واقتصادية (وبالتالي سياسية) كانت تمثل سدّاً منيعاً لها في مواجهة المخاطر وقد عمل الغرب على تدعيم ذاك السد أو تحصينه حتى تمكن من اختراق مفاصل عديدة في النسيج المجتمعي المصري (وكذلك العربي فيما بعد) كان الرهان هو أن تستطيع تلك التركيبة إحداث نقلة نوعية في الوعي والوجدان العربي تقوم على تسويق مبدأ عبثية الحرب أو المواجهة مع إسرائيل وعلى تسويق خيار الصلح معها وتلك كانت بالدرجة الأولى مصلحة غربية فهي من جهة تمثل الوسيلة الأكثر نجاعة لرفع تكاليف حماية إسرائيل عن الكاهل الغربي ومن جهة أخرى رفع التكاليف اللازمة لإبقائها دولة متفوقة في المنطقة ليس عسكرياً فحسب بل أيضاً في المجالات كافة حتى تصبح النموذج المهيب أو السوبر الذي لا يمكن مقاومته أقله في الأجيال اللاحقة التي لم تعاصر الأجيال التي آمنت بالتصدي لذلك الكيان اللقيط.
شيئاً فشيئاً أخذت تلك الرؤية تغزو وسائل الإعلام الغربية وكذلك بعض وسائل الإعلام العربية بأن العرب قد أضاعوا قدراتهم وثرواتهم في صراعات وحروب لا طائل منها، ومن ثم دارت الماكينات الإعلامية العملاقة تلك التي تدار بأهم العقول في الغرب لتحقيق عملية اختراق كبرى في الوعي العربي، وفي المرحلة الثانية جرى تحديد مكامن الخطر الجديدة عبر استبدال الخطر الصهيوني بـ«الخطر» الإيراني حيث ستستخدم في تلك العملية أدلجة الخلافات القائمة بين إيران وجاراتها من نوع سيطرتها على جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى ثم أسطرة النزاع مع طهران لاعتباره أزلياً عبر استحضار موروث قديم يسمي الإيرانيين بالصفويين في محاولة لشد عصب الشارع العربي وتوجيهه نحو «الفرس» وهي العملية التي جرى التحضير لها منذ قيام الحرب العراقية- الإيرانية 1980.
نحن هنا لسنا في مواقع الدفاع عن إيران فتاريخها كفيل بأن يفعل ومع ذلك لا بد لنا من القول إن إيران هي دولة إقليمية كبرى تسعى شأنها في ذلك شأن أي قوة أخرى إلى حماية مصالحها في المنطقة ولا أحد يستطيع الإنكار بأن الأمنين القوميين للعرب وإيران متداخلان- إن لم يكونا منصهرين- بدرجة كبيرة بفعل عوامل التاريخ وكذلك الجغرافيا، لكن وعلى الرغم من ذلك المسعى فإن إيران لم تتبنَّ سياسات تهدف إلى السيطرة على أراض عربية أو تهدف إلى إسقاط أنظمة عربية مجاورة على الرغم مما تمارسه دول الخليج من سياسات عدائية تجاهها بما فيها الاستفزازات الإعلامية القرو وسطوية التي تستمد من تاريخ محرف جل منطلقاتها التي تنطلق منها لكن: إذا كان الإيرانيون يستخدمون الإيديولوجيا لاختراقنا (كما يقال) أو لاستيعابنا جيوسياسياً وعلى هذا الأساس نسميهم بالخطر المحدق فها هم الأتراك يمتطون ظهر التاريخ وسرج الإيديولوجيا بل أيضاً عنان الدبابات لإزالة دولنا من جذورها أو لتفتيت مجمعاتنا.. فأيهما هو الخطر إيران أم تركيا؟