دقيقتان ونصف على «يوم القيامة».. بقلم: أسامة مصالحة

دقيقتان ونصف على «يوم القيامة».. بقلم: أسامة مصالحة

تحليل وآراء

السبت، ٤ فبراير ٢٠١٧

صار يفصلنا عن منتصف الليل، في «ساعة يوم القيامة»، دقيقتان ونصف فحسب، وذلك بعد أن قدم العلماء الذريون عقارب الساعة ثلاثين ثانية إلى الأمام عقيب انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. يقول العلماء المعـــنيون بهذا الأمر إنهم لم يقدموا عقارب الساعة كل هذا الوقت إلا في أثناء قيام كل من الولايات المتـــحدة والاتحاد السوفياتي بتجربة أسلحة ذرية حرارية في الخمــسينات. «منتصف الليل»، بالنسبة الى تلك الساعة الرمزية الافتراضية، هو الزمن الذي سوف تتعرض فيه البشرية برمتها للفناء والانقراض والنهاية بسبب أخطار نووية ذات طابع وجودي وكارثي كبير وشامل.

بيانات هيئة «ساعة القيامة» تتسم بالجدية العلمية والأهمية الفائقة وبالرصانة، ذلك أن القيّمين على تلك الساعة الافتراضية ثلة من العلماء المتخصصين الذين انبثقت هيئتهم تلك من «مشروع مانهاتن» الذي كان مسؤولاً عن انتاج أول قنبلة ذرية أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان اولئك العلماء قد أعلنوا عندئذ أنه «لا يسعهم البقاء لامبالين تجاه عواقب عملهم». تشكيك ترامب بالإجماع العلمي حول التغير المناخي، ورؤيته حول توسيع وتوزيع ترسانة السلاح النووي كانا العاملين الأساسيين في صناعة الخوف والهلع الذي انتاب الهيئة. أما الروح «القومية المتطرفة» التي بدأت تطل برأسها، في الإمبراطورية الأميركية المنحدرة، على هيئة الترامبية، فعامل قوي آخر يقف وحده، ذلك أن من يقف خلف مقود تلك الإمبراطورية يمتلك القدرة على الضغط على الأزرار النووية وتفكيك شبكة الاقتصاد العالمي ونشر الرعب واللا استقرار.

بيد أن الترامبية ليست ظاهرة أميركية خالصة، وهي ليست نسيج وحدها، بل هي موجة عاتية وتيار جارف، يطاول الحواضر التاريخية الكبرى ويمتد إلى عواصم العالم القديم ولا ينتهي عند قرى نائية في أطراف الصحراء. إنها التطرف إذ يتخذ وجهاً قومياً تارة، ووجهاً دينياً تارة، ووجهاً اقتصادياً تارة أخرى. تتعدد التسميات وتتعدد الأمكنة إلا ان الجوهر يظل واحداً.

خطورة الترامبية، إذن، ليست في فرادتها أو تفردها، بل بالأحرى في شيوعها وانتشارها. غير أن خطورتها المضاعفة، في نسختها الأميركية الراهنة، تتأتى من واقع أنه سوف يكون لارتداداتها وقع كوني.

من المؤكد أن النظام الدولي الحالي، الذي تتربع أميركا في قمته، بدأ يتآكل ويندثر، لكن نظاماً دولياً بديلاً لم يُبن بعد. والخوف يكمن في أن هذه اللحظة الانتقالية العابرة، من نظام دولي قديم الى نظام دولي جديد، قد تخلف وراءها خراباً عظيماً. وهنا يذكر ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، وأحد مهندسي النظام العالمي الحديث، في مذكراته، تحت باب» جهل المنتصرين»، أنه بعد الحرب العالمية الأولى ساد اعتقاد شامل، في العالم كله، بأن السلام سيسود العالم. ذات الاعتقاد يسود اليوم أرجاء العالم الجديد على رغم أن مهندساً آخر للنظام العالمي الجديد، هو هنري كيسنجر، كان قد حذر، غير مرة، أن البشرية تقف عند حافة «فوضى عالمية».

في كتابه الشهير «البجعة السوداء، تداعيات الأحداث غير المتوقعة»، أحد الكتب المفضلة لدى ترامب كما يقال، يقدم الكاتب نسيم طالب مفهوم «العرضية»، أي تلك الأحداث التي ما كان مقدراً لها أن تحدث بسبب أنها تندرج، في عرفنا، في نطاق العرضي والمستبعد واللامحتمل واللامعقول، لكنها تحدث، بل تهيمن على مسار التاريخ.

تقديم عقارب الساعة هو نذير بالشر والخطر المحدق ولكنه ليس، بالضرورة، مؤشراً الى اقتراب توقيت الفناء والنهاية على وجه اليقين.

وقد يكون من الأقرب الى الصواب القول إن ترامب «لن يدمر العالم بل سيجعله أكثر جنوناً»، على ما قال وزير العدل الألماني، الذي فجرت أمته حربين كونيتين شاملتين لم يتوقعهما أحد وكانتا تندرجان، في وعينا، في خانة العرضي والمستبعد واللامحتمل واللامعقول.