تجار الأزمات.. بقلم: سامر يحيى

تجار الأزمات.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٥ مارس ٢٠١٧

التجارة مهنة قديمةٌ قدم الحياة الإنسانية، وهي عملٌ مقدّس، يحقّق التكامل الاقتصادي ويعمّق أواصر التعاون والصداقة بين القبائل والدول، ولكنّنا أسوةً بغيرها من المصطلحات التي شوّهناها، بإطلاقها على غير مكانها، وسببنا الإساءة لأصحابها ولأنفسنا، وللمهن المقدّسة، عدا جمع الصالح بالطالح من دون تمييز.
ومن الطبيعي أن تشوّش الرؤية في الحروب والأزمات ـ لأسباب كثيرة يفترض ألا تحصل في دولة مؤسسات ـ بغض النظر عن مصدر الأزمة داخلي بدعم خارجي، أو داخلي وخارجي بآنٍ معاً، فالمنطقة العربية وسوريتنا بشكلٍ خاص منذ آلاف السنين تتعرّض للمؤامرات، ويستغّل بعض ضعاف النفوس من أبنائها، ممن تأثر بالتضليل الإعلامي، هذه الظروف لتحقيق المكاسب على حساب الوطن وأبنائه وكرامته، ونطلق عليهم خطأً "تجّار الأزمات" بينما هم "مستغلو الأزمات، ومنتهزو الأزمات"، فالتاجر يعمل ضمن إطار أخلاقي، كلمته واحترامه لذاته هما موضع ثقة لدى محيطه، وعربوناً لصدقيته، وما أكثر منتهزي الفرص والمحتكرين والمستغلّين، بدءاً من الدين والثقافة والسياسة والأدب، وليس انتهاءً بمستغلي الأزمات الداخلية كالخبز والمحروقات، والصعود على أكتاف الآخر على حساب الوطن وكرامته وأبنائه، ولكن يا ترى هل نسلّم بالأمر الواقع، وندّعي أن المسؤولية تقع على هؤلاء المنافقين المحتكرين الانتهازيين، ونبحث عن وسائل مكافحتهم، ونتجاهل السبب الأساس الذي سمح لهم باستغلال هذه الظروف التي تمرّ بها البلد، فمكافحة الفساد لن تكون منطقية إن لم يتم معالجة جذور المشكلة، انطلاقاً من الواقع المتاح، وضمن الإمكانيات المتوافرة، والقادرة على التطبيق على أرض الواقع، وتحمّل كل منا مسؤولياته بعيداً عن تحميلها للآخر، أنّى كان هذا الآخر، وذلك عبر التفكير الحقيقي المنطقي بالخسائر والأرباح التي ستحققها كل مؤسسة، انطلاقاً من دورها والمهام الملقاة على عاتقها، فنحن لسنا بحاجة لدمج ونقل وندب وإلغاء وإنشاء، إنّما بحاجة لإعادة تأهيل وتفعيل دور كلٍ منّا، انطلاقاً من الأرقام الحقيقية المنبثقة من الواقع، فكم من توفير يخلّف وراءه خسائر تحتاج إلى سنواتٍ طويلة لتعويضها، وقد لا تعوّض، ولا سيّما عندما تذهب ضحيّتها أرواح بشرية "التي لا تقدّر بثمن"، وقد تؤدي لخسائر آنية، تعكس أيضاً خسائر مستقبلية، وتعمّق الفجوة بين المواطن ومؤسسته، التي هي بكل تأكيد بين المواطن ووطنه من دون استثناء.
فعبارة التوفير وضغط النفقات في مؤسساتنا، ما هي إلا عملية تدمير منهجي للمؤسسات ذاتها، لعدم وجود معيار حقيقي جدي، فما ينطبق على هذه المؤسسة لا ينطبق على أخرى، ما يتطلّب أن يتّسم هذا الشعار بحكمة وحنكة، لا بقرارٍ وهمي يشمل الجميع من دون استثناء.
ضرورة إعادة النظر بكل بنود موازنة المؤسسة انطلاقاً من إنتاجيتها وطبيعة عملها، فلا تقارن مؤسسة إلا بنفسها، ومن خلال انتاجيتها وقدراتها، بشكلٍ نسبي ومن خلال ما تقدّمه من خدمات وعوائد مادية أو معنوية لمصلحة الوطن، بما يساهم بتطوير وتفعيل عجلة الإنتاج لا تأخيرها وتعطيلها.
الطاقة هي المشغّل الأساسي لكل موارد الاقتصاد والإنتاج في البلد، وإن كان ما تعلنه وزارة الكهرباء من أرقامٍ عن تكلفة إنتاجيتها، دقيق، ولكن علينا النظر عن نتائج توفيرها لمصلحة الوطن، فهي التي تعمل على تفعيل عجلة الإنتاج وتشغيل العمالة وتوفير المنتجات وتصديرها، بحيث يدفع النشاط الاقتصادي قدماً وتساهم مع الضرائب التي تجبى أضعاف ما يتم إنفاقه عليها، بالإضافة للعمل بكل الطاقات والإمكانيات لتوفير البدائل، لكيلا نمنح الفرصة للانتهازيين والمنافقين، قيام المؤسسات الوطنية بدورها بابتكار البدائل وتقديم الخدمات للمواطن، ولا سيما الاستفادة من المغتربين عبر إنشاء "صندوق دعم الطاقة الوطنية" سواءً عبر تبرّعاتٍ بالعملة الأجنبية، أو عبر اتصالاتهم وصلاتهم لتجاوز الحصار والعقوبات والعقبات، وتوفير المواد النفطية والأساسية للقطر، بما يساهم برفد الخزينة العامة، وبالتالي رفد الوطن بعنصر صمودٍ أساسي وبنّاء، وهذا ليس مستحيلاً إن توافرت الإرادة الوطنية الجدية بعيداً عن التنظير الخلّبي المعسول.
 إن انتشار الانتهازيين لا يكون إلا بعلاج جذر المشكلة التي أدت لوجودهم، فتوافر المواد لديهم، دليل على توافرها لدى المورّد الأول وهو المؤسسات الحكومية، وبالتالي فإن قيام الموظفين كل في مؤسساته بواجبه الوطني انطلاقاً من دوره وإمكانياته وقدراته، يساهم بعلاج هذه المشكلة وعدم السماح به، مهما كانت الظروف صعبة، ومن هنا يجب محاسبة الموظف الحكومي على إنتاجياته لا على ساعات التزامه بدوامه، وأن يقدّم تقريراً أسبوعياً أو نصف شهري عن أدائه لواجباته، والاجتماع به من قبل أصحاب القرار مهما كان نوع العمل المكلّف به بدءاً من عامل التنظيفات الذي يساهم بإعطاء لمحةٍ عامة عما يشاهده على أرض الواقع، وصولاً للمدير المسؤول.... فكلّ له قدرة ورؤية ورأي ويساهم بتعزيز أو توطيد أو تسهيل عملية اتخاذ التوجيه المناسب والقرار اللازم، وأن يدرك الموظّف أن دوره خدمة المواطن وكسر الحاجز بينه وبين مؤسسته، وبالتالي بينه وبين الوطن، والذي يؤثر في هيبة الدولة عدم احترام الموظّف للمواطن، وليس التجاوب مع متطلّباته، أو توضيح وجهة نظره وتصحيح الخطأ إن وجد، كي لا نقدّم لقمة سائغة يتلقّفها أعداء الوطن، عبر الدعاية المضلّلة والمغرضة ضد الوطن ومؤسساته بهدف تمزيق وحدته الداخلية والوطنية.
ضرورة استبدال عبارة "ضغط النفقات وترشيد الاستهلاك بعبارة "الحكمة والحنكة في إدارة موازنة المؤسسة وتلبية متطلّباتها"، ولا سيّما أن الموظف بالقطاع الخاص هدفه الأسمى تحقيق المرتّب وإرضاء رب العمل، بينما الموظف الحكومي، مهنته أسمى، فهدفه تأمين الوضع المادي، عمله سينعكس إيجابياً أو سلباً على المؤسسة وبالتالي على الوطن كله، وكلّما زاد إنتاجه زاد انعكاسه الإيجابي لمصلحة الوطن، ويحافظ على حقّه وكرامته في نهاية خدمته، وزيادة إنتاجه تساهم بزيادة مرتبّه، والأهم الشعور بالسعادة لقاء قيامه بواجبه الوطني، وتأمين متطلّبات المواطن، ولا سيّما عندما يجد الاحترام والقبول من قبل المسؤولين عنه، والمتابعة والنقاش الجاد لعمله.
إن المصلحة الوطنية تقتضي منا بدلاً من إلقاء التهم والمسؤوليات والتذرّع بالحرب والإرهاب وسوء الوضع الاقتصاد، أن يقوم كل منا بدوره، ومن ثم تلقائياً ستنعكس الآية، ونقطع الطريق على ضعاف النفوس ونثبت للعالم أجمع أن السوري صاحب كرامة وقدرة على الإبداع والإنتاج رغم كل الظروف، ولا يمكن لأيٍّ كان استنزاف خيراته وثرواته، رغم كل التآمر والحقد والمحاولات البائسة، ويعطي الدروس للآخر بجدية لا بالتنظير المعسول والأرقام الخلّبية.