اليمن نكبتنا الجديدة .. بقلم: إيهاب زكي

اليمن نكبتنا الجديدة .. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ مايو ٢٠١٧

 هناك نوعٌ من الأسئلة يثير الضحك، ولكن هناك أجوبة تسبب الإغماء ضحكًا، فعلى سبيل المثال على تلك الأسئلة البحث عن أسباب تفشي الكوليرا في اليمن، ومثالٌ على الأجوبة تلك هو "الحوثيون"، وكما أن هناك وقائع تثير الاشمئزاز، فإن هناك تحليلات تدعو للتقزز. فعلى سبيل المثال واقعة الانشقاق في تحالف العدوان بين أتباع السعودية وأتباع الإمارات، ومثالٌ على تلك التحليلات، أن هذا الانشقاق هو انعكاسٌ للخلاف بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي، ومناط الاشمئزاز هو واقع العملاء المزري وطموحاتهم النتنة. إن اليمن اليوم ليس بحاجة إلى الأسئلة مهما كانت رصينة، فالإجابات يحفظها اليمنيون عن ظهر قلب، ويعرف صغيرهم قبل كبيرهم أن هناك عائلة بائدة تحدهم كلعنةٍ لا فكاك منها إلّا بالإزالة، ويعرفون أن توقف العدوان لا يعني على الإطلاق إزالة آثار اللعنة، كما هو بالضبط توقف أي عدوان تشنه "إسرائيل" شمالًا أو جنوبًا، فهذا الإيقاف لا يعني إزالة آثار مجرد وجود اللعنة، لأن هذا الوجود في كلتا الحالتين هو نتوء وتشوه تاريخي لا علاج له سوى الاستئصال.

على أعتاب سوق النخاسة الذي سيفتتحه ترامب قريبًا في الرياض، يبشر الموظف الأممي لدى تحالف العدوان أحمد ولد الشيخ، بقرب التوصل إلى هدنة قبل دخول شهر رمضان، وأضاف "أنّ الأمم المتحدة تبحث عن حلٍ وسط فيما يتعلق بميناء الحديدة"، وكان تحالف العدوان قد قدم مقترحًا للأمم المتحدة بالإشراف على الميناء مقابل وقف العمليات العسكرية. وإذا كان هذا هو الحل الوسط الذي يعنيه ولد الشيخ، فهو بحاجة دروسٍ للمبتدئين في فن التوازن، فالعجز الميداني لا يُكافأ بالفوز التفاوضي والسياسي، كما أنّ تكريس الاحتلال وتشريعه يتناقض مع حق تقرير المصير الذي تتغنى به الشرعة الدولية، إلّا في حال كانت المنظمة الدولية تتعامل مع الاحتلال المركب الأمريكي "الإسرائيلي" السعودي الإماراتي في اليمن، كأحد أوجه الحق في تقرير المصير، وأنظمة الاحتلال هذه ستكون العمود الفقري للـ"ناتو الإسلامي"، الذي سينشأ عن سوق النخاسة المسمى قمة الرياض "العربية الإسلامية" الأمريكية. فقد نقل موقع "ديبكا الإسرائيلي" عمّا سماها مصادر ترامب، بأنّه سيعلن من الرياض "ناتو عربي إسلامي سني"، كما نقل الموقع عمّا سمّاها وسائل إعلامية إيرانية، بأنّ "إسرائيل هي من ستقوم بتزويد هذا التحالف بالمعلومات الاستخبارية"، ومن محاولات التمويه الساذجة أن يقوم موقع مقربٌ من دوائر "الأمن الإسرائيلية" بنسبة هذه المعلومة الاستشرافية لمواقع إيرانية.

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض وهو يعاني من أزماتٍ داخلية متلاحقة، لا تكاد تهدأ عاصفة حتى تثور أخرى، وهذا ما جعل من الدور الأمريكي باهتًا وبلا قوة تأثيرٍ كالمعتاد، وفي المئة يوم الأولى لحكمه كان الاسبوع التالي للعدوان على مطار الشعيرات، هو الأسبوع الأكثر هدوءًا وسعدًا بالنسبة له، وهذا يأخذنا إلى قاعدةٍ عامة قد يعتمدها ترامب، وهي الإنجاز الخارجي سينعكس بالضرورة على الوضع الداخلي، وليس من حلقةٍ قابلة للطي والكي والكسر كعروبة آل سعود وإسلامهم. وكنتُ قد تساءلت قبل تسلم ترامب لمهامه الرئاسية، كيف سيجمع بين متناقضين "محاربة داعش" وحماية "إسرائيل"، وأن من يستطيع الإجابة على هذا السؤال، وحده القادر على قراءة سياسة ترامب، وما كان مستعصيًا على الإجوبة، ستجيب عنه قمة الرياض بسهولة، سنحارب إيران بحماية أمريكا لحماية "إسرائيل"، وبقاء داعش ضرورة-وإن بلا أنيابٍ حادة- للاستدلال به على "دعم" إيران للإرهاب. ويعتقد السعوديون ويتمنون أن يكون اليمن هو التجربة الحية لنجاح هذا الناتو، وأن الخروج من وحل اليمن سيعطيهم فسحة التفرغ للساحات في سوريا والعراق ولبنان بزخمٍ أكبر، لذلك فإنّ ترامب سيفعل كل ما بوسعه لإنجاز صفقته التاريخية بين العرب و"إسرائيل"، ليتمكن من تسخيرها داخليًا كرجلٍ تاريخي تحتاجه العظمة الأمريكية.

ما يعني ترامب هو المال السعودي وأمن "إسرائيل"، وهذا لا علاقة له بالعدوان على اليمن، حتى تصبح الأمنيات السعودية بالنجاة من وحل اليمن أمرًا أمريكيًا نافذًا وملحَّا، لذلك فقد ينجح ما يسمى بـ"الناتو" الجديد بارتكاب المجازر في اليمن كتجربةٍ أولى على المتانة وحُسن التبعية، لكن المطلوب منه ليس إنجاز المهمة، لأنه لا مهمة أصلًا سوى التدمير العبثي لمقدرات شعبٍ كان بإمكانه أن يخدم مصالحه ومصالح أمته بعيدًا عن التبعية السعودية، فعلى هذه الأمة أن تزيل غمامة آل سعود السوداء قبل أن يتفشى داؤهم، وقبل أن تصبح الكوليرا "الجسدية"، هي الشيء الوحيد الذي يتقن آل سعود توزيعه على الأمة بعد الكوليرا الفكرية، التي أتقنوا توزيعها بسخاء، فاليمن اليوم وبهذا الاستهداف هو حائط صدٍ عن بيروت ودمشق وبغداد وطهران، والأهم أنه أيضًا حصن القدس، فغياب اليمن في الثقب الأسود لآل سعود، هو تدشين لمرحلةٍ جديدة من ضياع فلسطين في ذكرى نكبتها.

بيروت برس