«داعش» : من سجن بوكا في العراق الى الخراب الليبي!

«داعش» : من سجن بوكا في العراق الى الخراب الليبي!

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ يونيو ٢٠١٧

ثريا عاصي
يكتب إيميه سيزير، شاعر ورجل سياسي من المارتينيك، جزيرة فرنسية تقع في شرق البحر الكاريبي، توفي سنة 2008، انه في كل شخص في الغرب، في القرن العشرين «متميز جداً، إنساني جداً، برجوازي متدين جداً، يوجد هتلر، ولكن هذا الشخص يجهل ذلك. فهو عندما يعبر عن سخطه على هتلر إنما يجافي المنطق، فما يضمره في الحقيقة ليس إدانة للجريمة الهتلرية بحد ذاتها، الجريمة ضد الإنسانية، ليس تحقير الإنسان بما هو إنسان، ولكن ما لا يغفره لهتلر هو أن الأخير ارتكب جريمة ضد الرجل الأبيض، فعامل الأوروبيين كما يعامل المستعمرون عرب الجزائر والحمّالين في الهند والزنوج في أفريقيا».
بين يدي كتاب، اسم مؤلفه ميشال كولون، جاء فيه « إن الفعلة الشنيعة التي وقعت في شهر آب 2014 ، حيث اغتالت داعش الصحافي الأميركي جيمس فولي، بقطع رأسه، لاقت ردة فعل إعلامية شديدة اللهجة على المستوى العالمي. ولكن لماذا لزمت وسائل الإعلام الصمت بخصوص إقدام «داعش» على قتل 220 عسكرياً سورياً، ذبحاً في التاريخ نفسه، بالقرب من القاعدة الجوية في الطبقة ؟ لأن هذا كان سيكشف للرأي العام أن السوريين يتعرضون منذ سنوات لمثل هذه الفظائع».
يقول المؤلف نفسه في مكان آخر لماذا لا يسأل الإعلاميون السلطات الفرنسية عما إذا كانت الأخيرة أرسلت في سنة 2012 مدربين إلى شمال الأردن للعمل على إعداد المقاتلين الإسلاميين في المعسكر الذي أنشأته الولايات المتحدة الاميركية وتركيا في الصفوي، وعن صحة الأنباء التي أفادت بأن فريقاً من هؤلاء المقاتلين الإسلاميين التحق بعد ذلك بـداعش»؟
ويحضرني في سياق هذه المذاكرة أيضاً ما كتبه ميشال رامبو في كتابه «عاصفة على الشرق الأوسط الكبير» تحت عنوان الفوضى الليبية «يتضح أكثر فأكثر أن القبائل تؤدي الأدوار الرئيسة في فاجعة ما بعد القذافي، فهي كمثل الميليشيات ترفض الاحتكام إلى سلطة مركزية. لم يبق في البلاد إلا قطاعان منتعشان.
1 ـ عاود العمل في استخراج النفط تحت إدارة شركات غربية وفي ظل حماية وكالات أمنية خاصة، ولكن العائدات تذهب في ظاهر الأمر إلى الميليشيات وليس إلى خزينة دولة غير موجودة، تجدر الملاحظة هنا إلى أن الزبائن الذين يشترون النفط من ليبيا، بعضهم مجهولو الهوية؟.
2ـ أما القطاع الثاني الذي يشهد نشاطاً وازدهاراً بحسب هذا الكاتب فهو «قطاع جديد، يتعلق  بصناعة وتصدير الجهاديين. فلقد خرج من ليبيا آلاف المرتزقة الذين يمتلكون تجربة عسكرية  كبيرة، إلى بلاد مالي وإلى سورية، وتم تزويد الإرهابيين الذين نشرهم المتآمرون في المناطق العربية والإسلامية وفي محيطها، بالسلاح بالإضافة إلى المستلزمات العسكرية الأخرى».
يجدر التذكير أيضاً، بأن ما يعرف بتنظيم «داعش» أنبت في الواقع في معسكر افتتحه المحتلون الأميركيون بديلاً عن سجن أبو غريب الذي جرت فيه أحداث بشعة معروفة أشهرَها الأميركيون أنفسهم ربما تمهيداً لظهور «داعش». أطلق على هذا المعسكر اسم «بوكا» ونقل إليه السجناء العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب والإذلال في سجن أبو غريب أو شاهدوا رفاقهم عراة يجبرون على اتخاذ أوضاع لا شك في أن الغرض منها كان نزع الإنسانية عنهم وإبقاءهم أحياء بيولوجياً فقط. لم يقتلوا الأجسام ولكنهم أتلفوا الأدمغة!
 جُمع في معسكر بوكا، «الأفغان العرب» وعدد كبير من ضباط الجيش العراقي السابق، الذين كانوا قد انضموا قبل سجنهم، إلى المقاومة العراقية ضد الاحتلال. فعلى الأرجح أن الظروف توافرت لتولد «داعش» من هذا المزيج. ومن المعلوم أن عناصر «داعش» استطاعت بعد إطلاق سراحها، في 9 حزيران 2014 الاستيلاء على مدينة الموصل التي استسلمت حاميتها وكان تعدادها 45 ألف جندي، دون مقاومة (الموصل هي ثاني المدن العراقية، كمثل مدينة حلب في سورية). الجدير بالملاحظة هنا أن عملية احتلال الموصل ترافقت مع تحرك جماعات الجهاديين التي كانت منتشرة في سورية، بمساعدة الجيش التركي والجيش الكردي البرزاني، فتمت السيطرة في وقت قصير نسبياً على المحافظات العراقية نينوى، صلاح الدين وديالى. (ميشال رامبو)
مجمل القول ان هذا كله، الجيش والأموال والنفظ والأرض، سمح بإعلان دولة «داعش». من البديهي أن هذه الأخيرة ليست بالقطع معزولة في محيطها، التركي والكردي  (البرزاني) والعربي الخليجي. فهي مصدرة للنفط عن طريق إقليم كردستان وتركيا بالإضافة  إلى تلقيها «حصيلة التبرعات» في الدول الخليجية. لا بد من الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى الأوضاع في ليبيا التي لمحنا إليها أعلاه، يحسن التذكير هنا بأن الجيش اللبناني اعترض كما هو معروف، سفنا قيل انها أبحرت من الموانىء الليبية كانت محملة بالسلاح المرسل إلى «داعش» عبر شمال لبنان، هذا يدل على وجود قناة لمرور «داعش» من ليبيا إلى سورية. لا ننسى في السياق نفسه الأنباء التي أفادت في وقت من الأوقات عن سقوط مدينة سرت الليبية ومساحات كبيرة من السواحل المحيطة بها في يد «داعش».
لولا الغزو الأميركي للعراق لما ظهرت «داعش» في «مشاتل» معسكر بوكا، ولو لم تدمر دول حلف الأطلسي ليبيا بطريقة وحشية دموية، لما وصل السلاح والمال والمرتزقة من ليبيا إلى سورية.
خلاصة القول، استناداً إلى هذا كله، انه صار معروفاً من أين جاء «داعش» أو تنظيم القاعدة الأم، ومن يقف وراءهما. فلقد ولد «الوحش» في سجن أبو غريب العراقي وجرى ترويضه على القتل في معسكر «بوكا». ولولا الذين يتصدون لمقاومته في سورية لما افتضح زيف «الثورة الديموقراطية» التي خرجت من المساجد على وقع ضرب الطبول الخليجية، ولما سقط قناع «التدخل الإنساني» عن الدول الغربية المتغولة، التي قتلت الناس في بلدان العرب وباتت تشكل خطراً «ديموقراطياً» يتهدد الشعوب في بلدان الغرب نفسها!
الديار