الوسواس القهري الأميركي .. بقلم: د.رائد المصري

الوسواس القهري الأميركي .. بقلم: د.رائد المصري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٥ سبتمبر ٢٠١٧

تتبدَّى حقائق السياسة الأميركية الجديدة شيئاً فشيئاً تُجاه أزمات المنطقة والعالم بكثير من التوتير والتخبُّط، لتصل حدِّ المراهقة في تعاملها مع الملفات الداخلية، كما سياساتها الخارجية، لاسيَّما أنه ما زال مفهوم سيادة الدولة العميقة وتأثيراته موجوداً وأدواته فعالة، ويملك السلطة في أكثر من اتجاه، منها مجموعات الإعلام والمال والبنوك وشركات السلاح وتصنيعها، والتي ضاع منها على حين غرَّة القرار السياسي المطلوب، بعد أن أفلت منها بضربة حظ نجاح الرئيس دونالد ترامب.

حالة الوسواس أو الفوبيا التي تعيشها الإدارة الأميركية باتت تشكِّل أهمَّ علامات ضعف هذه الإدارة في تدوير زوايا الأزمات، حتى وصلت وفي كثير من الأحايين الى الهلوسة وضرب قواعد العمل في القانون الدولي التي أرستها المنظمات الأممية كأفضل سبيل في بقاء التواصل القائم بين الدول لحلِّ الصراعات ونزع فتيلها.

طبعاً لا ننكُر حالة التأزُّم الأميركي على مستوى الإدارة الداخلية وعدم ثباتها على استقرار واحد، نتيجة الاستقالات المتكرِّرة للمسؤولين وانحدار الخطاب الأميركي نحو العنصرية والفاشية بين أبناء الشعب، وتغذية هذا الشعور من قبل ترامب، أو في العمل على توريطه وإحراجه لإخراجه، لكن تُضاف إلى ذلك جملة من التغيُّرات على مسرح النزاع الدولي أحدث هذا الخلل الأميركي وفي أدائه، ناهيك عن فقدان أهمِّ ألأوراق السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بعد التورُّط في الحرب السورية، مفترضة هذه الإدارة أنها بتغيير النظام في سورية تصبح قادرة على حكم العالم الجديد لخمسين عاماً في المستقبل.

فأن ترغب الولايات المتحدة القيام بتفتيش مراكز البعثات ومنازل الدبلوماسيين الروس والبعثات التجارية في واشنطن بعد أن طلب البيت الأبيض إغلاقها وبعد أن تمَّ طرد عشرات، بل مئات الدبلوماسيين الروس منها، فهذا باعتقادي يُشكّل حالة من الهوس الجنوني في ضرب قواعد العمل القنصلي والدبلوماسي التي أُرسيت في اتفاقيات فيينا للعمل الدبلوماسي والقنصلي عامي 1961 و1963.. أو هي محاولة توريط إدارة الرئيس ترامب في أزمة مع الروس لا يمكنه معها الخروج منها لبدء الاستقطاب الدولي الحاد لإعادة الروح للمؤسسات الحربية والمالية الاستعمارية في الداخل الأميركي، والتي يبدو أنها قد تضرَّرت كثيراً بفعل الاتفاق أو بدء العمل لتنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي الذي كانت أولى إرهاصاته في سورية.

بحرُ التراجع الأميركي أمام ملفات دولية وإقليمية كبرى وضع إدارة البيت الأبيض وحشرها في زوايا ضيقة وصغيرة لا تستطيع معها لا السير بها ولا العودة الى الوراء، ومنها ملف التصعيد مع كوريا الشمالية وإصرار الأخيرة على استمرارها بإطلاق التجارب الصاروخية البالستية، مما حدا بالولايات المتحدة لأن تعقد اتفاقاً مع كوريا الجنوبية لزيادة القدرات الصاروخية الدفاعية لسيول، وتعزيزها بشراء المعدات العسكرية الأميركية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وذلك بعد أيام من إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً عبر الأجواء اليابانية، وفق ما أوردته وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية.

حالة الهستيريا الأميركية والوسواس الذي يسكنها تتوضَّح أكثر من خلال الإنجازات العسكرية والميدانية للجيش العربي السوري وحلفائه في الانتصارات الكبرى والسيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية من يد القوى الإرهابية والتكفيرية، وما يدلُّ على هذه الحالة الهستيرية لإدارة ترامب هو البيان الذي أصدره حزب الله بما يتعلّق بالقرار الأميركي قَصف الحافلات التي تَنقُل مُقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم، بمُقتضى اتفاق جرود القَلمون الشّمالي. فهو بيان ومَوقف عقلانيّ بتأكيده التزام الحِزب والسّلطات السورية بهذا الاتفاق. وَوصف المَوقف الأميركي بقَصف القافلة بالنّفاق والازدواجيّة والحَديث الكاذب عن مُحاربة الإرهاب، حامياً لهؤلاء الأشخاص المقيمين في العَراء، ومن بينهم أطفالٌ وشيوخٌ ونساءٌ وجَرحى، وطالب بتدخّلٍ دوليٍّ لحِمايتهم، مشيراً أي بيان حزب الله إلى سماح أميركا لأكثر من ألفِ مُقاتلٍ من تنظيم داعش الانتقال من تلعفر إلى مناطق الأكراد في الشمال.

الى غيرها من الملفات والأوراق الأميركية المفقودة في صراعها في المنطقة، ومنها الملف الإيراني، فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن الرئيس الأميركي يسعى الى تشكيل جبهة عالمية ضدَّ إيران، وقد أعلن بشكل صريح إبَّان حملته الانتخابية بأنه يريد إلغاء الاتفاق النووي. ومع ذلك نجد بأنَّ أغلب وسائل الاعلام العالمية قد تجاهلت وبشكل مقصود الضربة الموجعة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تأليب العالم ضدَّ ايران، عبر إحباط الوكالة أولى خطوة قامت بها ادارة ترامب من أجل الاستعداد لشن الحرب ضد ايران.

فكيف لا يُجنُّ جنون ترامب فوق جنونه..؟؟ وكيف لا تُصيب الهستيريا المترافقة بالوسواس القهوي والفوبيا من الإدارة الروسية والرئيس بوتين…؟؟؟ فكلُّها ملفات وأوراق تمَّ تشليحها منهم في وضَح النهار، ليضع السياسات الأميركية بين خيارات صعبة، أفضلها ضرب قواعد العمل الدبلوماسي والقنصلي المتعارف عليه في القانون الدولي، وهي سابقة لم تقدم عليها أيُّ دولة لا في التاريخ القديم ولا الحديث.