إسرائيل والدولة الكردية: قنبلة إقليمية... وكيان وظيفي.. بقلم: علي حيدر

إسرائيل والدولة الكردية: قنبلة إقليمية... وكيان وظيفي.. بقلم: علي حيدر

تحليل وآراء

الخميس، ١٤ سبتمبر ٢٠١٧

لم يكن مفاجئاً إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تأييد إسرائيل العلني لانفصال كردستان عن الدولة العراقية وإقامة دولة مستقلة. بل يأتي هذا الموقف امتداداً تاريخياً لخيار استراتيجي تبلورت معالمه منذ ما بعد تأسيس الكيان الإسرائيلي، وفق استراتيجية «تحالف الأطراف/ الضواحي» لمواجهة الطوق العربي الذي كان معادياً لها في ذلك الحين.

لكن مع توالي التطورات الإقليمية، بات للموقف الإسرائيلي المؤيد على الدوام للانفصال الكردي، أبعاداً جديدة، لجهة أن التحالفات أصبحت تضم عرباً أيضاً، لمواجهة محور المقاومة. ويأتي تكرار الموقف الإسرائيلي المؤيد للانفصال الكردي في هذه المرحلة، بمثابة اقتناص فرصة «طموح أحزاب كردية»، على حساب دول المنطقة وشعوبها، بهدف إنتاج ودعم مسار تقسيمي بعناوين إضافية. مع ذلك، يأتي موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، تتويجاً لمسار طويل من العلاقات الثنائية، كانت في معظمها غير معلنة رسمياً، لكنها كانت واسعة جداً وشملت المجالات الاستخبارية والعسكرية في العديد من المحطات.
بوجه آخر، يأتي موقف نتنياهو بالتزامن مع الدعوة للاستفتاء على الانفصال الكردي عن الدولة العراقية، تعبيراً عن توجه رسمي إسرائيلي يرى في هذا المسار نقطة ضوء اقليمي، بعدما فشلت الرهانات الإسرائيلية في تحقيق ما كان يهدف إليه صانع القرار في تل أبيب على الساحات العراقية والسورية واللبنانية. ويبدو أن تل أبيب باتت أكثر تمسكاً بهذا الخيار بعدما رأت أن مسار التطورات في المنطقة يتجه نحو مزيد من التعاظم لمحور المقاومة، وهو ما يشكل تحدياً وتهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.
في مقابل هذه التطورات، تعمل إسرائيل على أكثر من مسار في مسعى منها لبلورة خياراتها البديلة التي تحاول من خلالها احتواء مفاعيل هذا المسار، ومحاولة الالتفاف عليه. ويبدو من الواضح أن الورقة الكردية هي إحدى أهم الأوراق التي تتحرك في موازاة مسارات أخرى تعمل عليها تل أبيب.
بغضّ النظر عن خصوصية الشعب الكردي، وطموحاته وحقوقه، إلا أن لإسرائيل رؤيتها وتقديراتها ورهاناتها على مسار الانفصال الكردي. فهو بمثابة زرع قنبلة إقليمية يمكن أن تشكّل أرضية تُسهم في إعادة إرباك الساحة الإقليمية وإنتاج الفوضى الأمنية بعناوين مختلفة هذه المرة. وما يعزز الرهان الإسرائيلي، أن الخيار الكردي يختلف في العديد من المزايا عن رهانها على «داعش»، باعتبار أن الأخيرة تبقى منظمة إرهابية متوحشة من الصعب على أي دولة أو كيان يراهن عليها ككيان وظيفي، أن يجاهر ويتفاخر بموقفه وخياراته. أما في الموضوع الكردي، فيمكن إسرائيل أن تغلف خيارها بعناوين الاستقلال والحرية وما شابهها من مفردات وشعارات. أضف إلى أن إسرائيل ترى أن إقامة دولة كردية في شمال العراق سيكون بداية دينامية لن تقتصر مفاعيلها وتداعياتها على العراق وحده، بل ستشمل كل المحيط الإقليمي، وتحديداً الجمهورية الإسلامية في إيران، إضافة إلى تركيا وسوريا. وما سيحدد اتجاهات الصراع وإيقاعه وأدواته، هو الأولويات الدولية والإقليمية والتحولات التي ستشهدها المنطقة لاحقاً. وهكذا يبدو جلياً أن الدولة الكردية المفترضة – من منظور إسرائيلي – ستؤدي دوراً وظيفياً على المستويات الاستراتيجية والأمنية والسياسية، في مواجهة التهديدات المحدقة بها. والجديد أنّ إسرائيل ستقدَّم في هذا السياق كدولة مناصرة لحرية الشعوب. وهي العناوين نفسها التي تستخدمها الولايات المتحدة في مواجهة أي طرف إقليمي أو دولي تريد استهدافه. ولا يخفى أن هذا المسار يوفر أيضاً خياراً بديلاً يمكن النظام السعودي أن يراهن عليه بعدما بات يتشارك مع إسرائيل في الرؤية والخيارات والمصالح.
ومما يعكس الطابع الاستراتيجي للموقف الإسرائيلي، أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها نتنياهو تأييداً للانفصال الكردي وإقامة دولة كردية في شمال العراق، بل سبق أن جاهر بذلك ونظَّر له في كلمة له أمام معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب (حزيران عام 2014)، ودعا خلالها الولايات المتحدة وأوروبا إلى دعم هذا المسار والحثّ عليه، مضيفاً أنّ الأكراد يستحقون دولة لهم. كذلك عبّر العديد من الشخصيات الإسرائيلية، في السابق، بينهم الرئيس السابق شمعون بيريز، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، عن دعمهم لاستقلال الأكراد. وقبل أيام، قالت وزيرة القضاء اييلت شكيد خلال مؤتمر عقد في مركز «هرتسيليا» المتعدد المجالات، إنّ «من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة قيام دولة كردية، أولاً في العراق. وحان الوقت كي تدعم الولايات المتحدة ذلك».
واستناداً إلى الشرح الذي قدمه نتنياهو قبل أكثر من ثلاث سنوات، من الواضح أن الدولة الكردية التي دعا إلى إقامتها، ستكون جزءاً من تحالف إقليمي يضم الأردن وسائر أطراف معسكر «الاعتدال» العربي. ولكن اللافت أن هذه الدعوة تزامنت في حينه مع تمدد «داعش» في العراق، التي شدّد نتنياهو في تلك الفترة على ضرورة كبحها، وعدم القضاء عليها، بما «لا يؤدي ذلك إلى السماح لإيران بالسيطرة على العراق كما يحصل في سوريا ولبنان» (هآرتس، 25/6/2014). وبدت عقيدة نتنياهو في حينه، أنها تستند إلى ضبط الدور الاستنزافي الذي تقوم به «داعش» في مواجهة محور المقاومة، على أن تكون ساحة الاستنزاف مطوقة بمجموعة من الدول هي إسرائيل والأردن ودولة كردستان وآخرين.
أما الآن، وبعد استنفاد الرهان على «داعش» على عدة مستويات، فيأتي دعم خيار إقامة دولة كردية كجزء من استراتيجية أوسع تستهدف احتواء مرحلة ما بعد «داعش»، وبهدف إنتاج خط توتر إقليمي جديد يفجر المنطقة ويؤسس لمسار استنزافي جديد.
الميزة الإضافية التي يمكن أن توفرها إقامة دولة كردية في شمال العراق، لإسرائيل، إيجاد تواصل مباشر مع الجمهورية الإسلامية عبر الجغرافيا الكردية. وتراهن إسرائيل على أن يساهم ذلك في زيادة قدراتها في الرد والردع والدفاع، عبر تعميق التحالف مع الدولة الكردية المفترضة، التي تتوافر فيها ــ من منظور إسرائيلي ــ الأرضية والتاريخ والعلاقات والمصالح لتحقيق أقصى الطموح الإسرائيلي. وتهدف إسرائيل بذلك إلى إفقاد إيران إحدى أهم المزايا التي تتفوق بها، والتي تحضر بقوة لدى المؤسسة الأمنية، عبر مفهوم مفاده أن «لإيران حدوداً مع إسرائيل، فيما ليس لإسرائيل حدود مع إيران». لكن مع إقامة الدولة الكردية، يصبح لكل منهما، وفق المفهوم الأمني الإسرائيلي، حدود مع الآخر، وهو ما سيكون له تداعياته الاستراتيجية والأمنية. في ضوء ذلك، من المؤكد أن إسرائيل ستلعب دوراً بعيداً عن الإعلام مع عواصم القرار الدولي، وتحديداً في واشنطن، من أجل دعم خيار إقامة دولة كردية في هذه المرحلة. واستناداً إلى الأدبيات التي عادة ما تستخدمها إسرائيل، ستغلف الأبعاد الاستراتيجية والمصالح الكبرى، بعناوين أخلاقية وإنسانية.
مع ذلك، لم تنتظر إسرائيل، ومعها إقليم كردستان العراق، إقامة الدولة الكردية لتعزيز العلاقات بينهما، التي تمتد جذورها، كما تشير إسرائيل، وأخيراً نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، يائير غولان، إلى ستينيات القرن الماضي. فمنذ عام 2003، تقيم إسرائيل وإقليم كردستان علاقات واسعة ومتشعبة، تسرب جزء كبير منها إلى وسائل الإعلام، ولا تقتصر فقط على العلاقات العسكرية والسلاح والاستخبارات، بما يشمل محطة خاصة للموساد تمكن إسرائيل من نقل معاركها الاستخبارية إلى تخوم إيران، بل تمتد لتشمل أيضاً العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري.