لماذا لم يحسم رئيس كاتالونيا إعلان الاستقلال؟ .. بقلم: بشير عبد الفتاح

لماذا لم يحسم رئيس كاتالونيا إعلان الاستقلال؟ .. بقلم: بشير عبد الفتاح

تحليل وآراء

السبت، ١٤ أكتوبر ٢٠١٧

على رغم إصراره على إجراء الاستفتاء من أجل استقلال إقليم كاتالونيا، فاجأ رئيس الإقليم كارلوس بودغمون، الجميع، بإعلان ما يشبه الاستقلال المشروط أو المؤجل عن إسبانيا. وبرر بودغمون تراجع موقفه برغبته في «إتاحة الفرصة لإجراء محادثات مثمرة مع مدريد»، وقال أمام برلمان الإقليم: «أقبل التفويض بضرورة أن تصبح كاتالونيا جمهورية مستقلة، وأقترح إرجاء آثار إعلان الاستقلال لإجراء محادثات مع مدريد بهدف التوصل إلى حل توافقي». ومن ثم، لم يطلب الرجل دعماً صريحاً من البرلمان للتصويت من أجل إعلان الاستقلال، وهي الخطوة التي اعتبرها مراقبون إشارة لتوخي الحذر وعدم الرغبة في التصعيد من جانب بودغمون.

ويمكن تفسير ذلك التراجع في ضوء حزمة من المعطيات، لعل أبرزها: رفض السلطة الاتحادية التي تعهدت تبني الوسائل كافة الكفيلة بإبقاء إسبانيا موحدة. ورغبة منها في احتواء أعقد أزمة سياسية تواجهها البلاد منذ محاولة الانقلاب العسكري في 1981، سمحت حكومة مدريد باستخدام القوة ضد المشاركين في التصويت، ما أدى إلى إصابة حوالى 900 شخص بجروح متفاوتة.

وأبطلت المحكمة الدستورية الإسبانية العليا الاستفتاء وما يترتب عليه من إجراءات، بما فيها جلسة البرلمان التي كان رئيس الإقليم ينوي إعلان الاستقلال خلالها. على صعيد مواز، شكَّل غياب الإجماع داخل الإقليم على مطلب الاستقلال دافعاً مهماً لحمل رئيسه على مراجعة موقفه. ولوحظ في هذا الصدد تظاهر مئات الآلاف رفضاً للاستفتاء في وسط مدينة برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا.

وفي السياق ذاته، أعلنت عمدة عاصمة إقليم كاتالونيا، آدا كولاو، أن نتائج استفتاء الاستقلال لا يمكن أن تعتبر سنداً قانونياً أو دستورياً للانفصال عن إسبانبا من طرف واحد. ورأت كولاو في هذا الوضع «أخطر الأزمات المؤسسية التي تشهدها إسبانيا منذ إعادة إرساء الديموقراطية في البلاد». ودعت كولاو رئيس الإقليم، ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، إلى عدم اتخاذ قرارات تقوّض الحوار والتفاوض أو تعرض التماسك الاجتماعي للخطر، وطالبت الأخير بعدم تفعيل المادة الرقم 155 في دستور البلاد، التي تتيح للحكومة المركزية تعليق الحكم الذاتي في الإقليم ومنع الانفصال، وحضت على سحب قوات الشرطة الوطنية والحرس المدني لتهدئة الأوضاع وتهيئة الأجواء لحوار ناجح.

وعلى رغم تحفظه على إجراءات مدريد لمنع الاستفتاء، أبدى الاتحاد الأوروبي رفضه استقلال كاتالونيا، محذراً حكومة الإقليم مِن أنه لن ينال عضوية الاتحاد حال انفصاله عن إسبانيا. وجدَّدت المفوضية الأوروبية دعوتها الأطراف المعنية للخروج مِن هذا المأزق بأسرع وقت ممكن من خلال البدء في حوار جاد، مع مطالبة رئيس الوزراء الإسباني ببذل كل ما في وسعه لإدارة هذه العملية الحساسة بما يتماشى مع الدستور الإسباني وقيم الديموقراطية والحقوق الأساسية للمواطنين. وبدورها، حذَّرت الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشؤون الأوروبية نتالي لوازو، مِن أن بلادها لن تعترف باستقلال إقليم كاتالونيا من جانب واحد، وسترفض انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، إذا انتزع الاستقلال عن إسبانيا.

ولا يحبذ القانون الدولي العام، ولا حتى النظام العالمي الراهن، انفصال الأقاليم عن الدول القومية، حتى ولو استند إلى مبدأ حق تقرير المصير.

ويرى أصحاب هذا الطرح أن إعلان الأمم المتحدة لسنة 1992 في شأن حماية الأقليات لم يتطرق، سواء باللفظ الصريح أو بأي معيار قانوني، إلى منح حق تقرير المصير للأقليات الإثنية، لكنه أقرَّ حماية خصوصيتهم الثقافية وكفالة حقهم في التعبير عن تلك الخصوصية ومباشرة تقاليدهم وشعائرهم، شريطة ألا تترتب على ممارسة تلك الحقوق أية مخالفات للقانون الوطني أو معايير الشرعية الدولية. ويقف القانون الدولي موقفاً صلباً لجهة معارضة انفصال أي إقليم أو أية أقلية أو جماعة إثنية عن الدولة الوطنية، رغبة منه في الحفاظ على استقرار النظام الدولي.