الأوركسترا القبليّة والمايسترو الأميركي.. بقلم: نبيه البرجي

الأوركسترا القبليّة والمايسترو الأميركي.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧

ماضون، دون كلل، في مسلسل المحاكاة بين منطق القبيلة، حيث الناقة تقودنا في الصحارى على غير هدى، الى أن نبيع عباءاتنا في سوق الأمم، وبين منطق الأمبراطورية، حيث المركبة الفضائية تحط على سطح المريخ، دون أن تكون هناك من لغة سوى لغة المصالح، الى أن تفرغ آبارنا، حقولنا، أرصدتنا حتى الثمالة.
كما لو أن تلك الأوركسترا القبلية لا تتقن اللعب الا في حضرة المايسترو الأميركي. متى لم تنظر الينا الولايات المتحدة داروينياً؟ مخلوقات هجينة فوق اوقيانوس من الذهب الأسود.
لسنا سذجاً الى حد ادارة الظهر لأميركا. بعضنا يراهن على تفككها أو تحللها. امبراطورية لها حضورها في كل واحد منا. كثيرون يضعون الله جانباً، ولكن هل باستطاعتهم أن يضعوا أميركا جانباً؟
كيف لنا أن نغفل الجانب المضيء من الثقافة الأميركية، من بنيامين فرنكلين الى جون شتاينبك (عناقيد الغضب) وارنست همنغواي (لمن تقرع الأجراس؟). ومن فرنسيس فورد كوبولا الى سام باكنباه ومايكل مور وجين فوندا. ممّ يشكو ألفيس بريسلي أو مارلين مونرو؟
هي أميركا، المختبر البشري الذي لا مثيل له في التاريخ. خدمات خارقة لكل سكان الكوكب في التكنولوجيا، وفي الطب، وفي الثقافة.
هل تعنينا، في ذلك العالم العربي الافتراضي، القامات العالية في الابداع العلمي والثقافي أم الجنرالات والأدميرالات الذين يؤمنون لنا البقاء مقابل أن يأخذوا كل شيء، ولقد أخذوا كل شيء ، دون أن نعي، ولو للحظة، أن ساعة الخروج من اللازمن قد دقت.
بادىء بدء، نتوجه الى البلاط السعودي، البلاط المركزي. لا يمكن أن نكون ضد أي دولة عربية، اذا كانت دولة حقاً لا مستودعاً للكائنات البشرية، ومع ايران التي ندرك ما هي العقد التاريخية، والايديولوجية، والجيوسياسية، التى تحكم سياساتها. لكننا، بالسذاجة اياها، نسأل أهل البلاط، وقد تكدست في أقبيتهم أسلحة بتريليونات الدولارات، هل حقاً أن آيات الله يخيفونكم أم أنكم تستخدمون هذه الفزاعة، مذهبياً وسياسياً، للبقاء الأبدي في السلطة، ولبقائنا، كمجتمعات، على تخوم القرون الوسطى؟
ماذا فعلت واشنطن للمملكة، ومنذ ذلك اللقاء الشهير بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرنكلين روزفلت عام 1945، سوى انها استنزفت كل ثروات شبه الجزيرة العربية؟ تذكرون يوم ابتاعت الرياض طائرة الأواكس، لا لادارة العمليات، بل ان الطائرة البالغة التعقيد استخدمت لرصد مهربي الويسكي، بالقوارب، الى الشاطىء السعودي.
قال لنا المؤرخون ان مؤسس المملكة، ولا دليل على ذلك في الأرشيف الأميركي،
سأل روزفلت «ماذا فعل اليهود حين كانت الحملات الصليبية تتوالى لاحتلال القدس؟». أما الملك فيصل فأقسم أن يؤدي الصلاة في المسجد الأقصى.
ثم قيل لنا ان المبادرة الديبلوماسية التي صاغها توماس فريدمان، والتي أقرتها قمة بيروت عام 2002، ستشق طريقها الى الأمم المتحدة، بوعد أميركي، لتكون التسوية الكبرى بين أحفاد اسحق وأحفاد اسماعيل.
المبادرة العرجاء التي لم تلحظ أي بديل في حال سقوط الخيار الديبلوماسي، لم تغادر فندق فينيسيا، وحيث انعقدت القمة. قبل أن تطوى البيارق، كان آرييل شارون يقتحم مخيم جنين ليعلن وفاة المبادرة.
الآن تستعين المملكة بدونالد ترامب من أجل التنسيق حول سوريا. ماذا يمكن أن يفعله الرجل في سوريا سوى أن يقدمها على طبق من الفضة الى الحاخامات؟ أليس هناك من حاخامات عرب ويفوقون حاخامات اليهود قي تسويق الرؤية التلمودية؟
ريكس تيلرسون أتى الى الرياض. قال بتسوية الأزمة داخل مجلس التعاون الخليجي. الأمير محمد بن سلمان رفض. ما زال يراهن على أن يقلب الحكم في الدوحة، وهذا الحلم المستحيل، ليضع يده على الغاز ويقيم امبراطوريته من ضفاف الخليج الى ضفاف المتوسط.
الوزير الأميركي قال، وبالتمني من مضيفه، «يجب أن تعود الفصائل الايرانية الموجودة في العراق الى ديارها». لماذا لم يقل الأمير الشاب هذا الكلام، شخصياً، الى حيدر العبادي، وقد أخذه بالأحضان؟
لعله يعلم أن المرجع الديني علي السيستاني هو من حال دون تنفيذ ذلك الاقتراح الرامي الى فتح الحدود أمام مقاتلي «داعش» والانتقال من الموصل الى المنطقة النفطية في السعودية.
تنسيق أميركي ـ سعودي على المسرح السوري ضد ايران (ولا كلمة عن الدور الاسرائيلي). الرجاء من اخواننا في  المملكة أن يقرأوا ما قاله أخيراً روبرت فورد الذي عمل معهم لسنوات في الميدان السوري «لم يعد هناك للولايات المتحدة أي نفوذ جدي في سوريا».
لكننا اعتدنا الآذان المقفلة، العيون المقفلة. الاصرار على الدوامة، ولو كانت... دوامة الدم !!