لماذا تتصاعَد الأحاديث في الغَرب عن حَربٍ إيرانيّة إسرائيليّة؟

لماذا تتصاعَد الأحاديث في الغَرب عن حَربٍ إيرانيّة إسرائيليّة؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ فبراير ٢٠١٨

لماذا تتصاعَد الأحاديث في الغَرب عن حَربٍ إيرانيّة إسرائيليّة العامَ المُقبِل؟ وهَل الذَّريعة ستَتمثَّل في التَّعاون العَسكري التُّكنولوجي بين طِهران وبيونغ يانغ الكوريّة الشماليّة وسَتكون سورية مَسرحها؟ ولماذا فَشِلت “التَّطمينات” الروسيّة في تَبديد القَلق الإسرائيلي رُغْم قوَّتِها؟
*
 
تَزْدِحم الصِّحافة الغربيّة هذهِ الأيّام بتَقاريرٍ إخباريّة ومقالاتّ تحليليّة لكِبار الخُبراء العَسكريين الأميركيين تُحذِّر من احتمالاتِ نُشوبِ حَربٍ بين إيران وإسرائيل في غُضونِ أشهر، بسبب ارْتِفاع مَنسوب القَلق الإسرائيلي والأميركي المُشتَرك من “التمدُّد” الإيراني في مِنطقة الشَّرق الأوسط، وسورية والعِراق ولبنان على وَجْه الخُصوص.
 
مجلّة “ناشونال إنترست” الأميركيّة المُتخصِّصة المَعروفة، ذَهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عِندما توقّعت نُشوب هذهِ الحَرب في العامِ المُقبِل 2019، إذا لم تَنسحب قوّات الحَرس الثوري الإيرانيّة والميليشيات “الشيعيّة” التَّابِعة لها من سورية، ونَقلت المجلّة عن مايك بومبيدو، مدير وكالة الاستخبارات الأميركيّة (سي أي ايه) قَوله “أن حزب الله يُشكِّل تهديدًا للبنان وإسرائيل معًا والحشد الشعبي المَدعوم من إيران أيضًا يُشكِّل تهديدًا للقوّات الأمريكيّة شَمال العِراق.
 
إن أكثر ما يُربِك القِيادتين العَسكريّتين الأميركيّة والإسرائيليّة إلى جانِب تعاظُم الوُجود الإيراني في سورية، هو التَّعاون التكنولوجي العَسكري المُتصاعَد بين إيران وكوريا الشماليّة في مَجال الذرّة وتجارِب الصواريخ الباليستيّة القادِرة على حَمل رؤوس نوويّة، وهذا قد يُساهِم في تَعجيل اندلاعِ الحَرب المَذكورة آنِفًا.
 
موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي خَصّص تقريرًا مُطوّلاً للحَديث عن هذهِ المَسألة قبل أيّام، أشار فيه إلى أن روسيا تَبْذُل جُهودًا حَثيثة لتَبديد القَلق الأميركي الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سورية حتى أن ألكسندر شافين سفير روسيا في تل أبيب أكّد في مُداخلةٍ له في مُؤتمر ميونخ الأمني الذي انْعقد الأُسبوع الماضي، أن بِلاده ستَقِف إلى جانب أميركا في الدِّفاع عن إسرائيل إذا هاجَمتها إيران، مُكرِّرًا الرِّسالة نفسها التي حَملها الجنرال سيرغي شويفي، وزير الدِّفاع الروسي، أثناء زِيارته لتل أبيب في تشرين الأول الماضي، ولكن مَفعول هذهِ التّطمينات كان مَحدودًا لأنّها مَشروطَةٌ بإقدام إيران على الهُجوم، وليس إسرائيل التي من المُرجَّح أن تكون البادِئة.
 
وجود 2500 جندي أميركي شَرق الفُرات في شمال سورية الهَدف مِنه قَطع ذِراع الإمداد الإيراني الذي يَمْتَدْ من مَزار شريف في أفغانستان، مُرورًا بالعِراق وسورية، وحتى شَواطِئ البحر المتوسط في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وعندما حاوَلت ميليشيات تابِعة للنِّظام السوري تجاوز نَهر الفرات إلى شَرق دير الزور، حيث تُوجَد احتياطات النِّفط والغاز السوريّة قَصفتها الطَّائِرات والصواريخ الأميركيّة دون هوادة قَبل ثلاثة أسابيع، لأن المناطِق التي تتواجد فيها القوّات الأميركيّة وحُلفاؤها في قوّات سورية الديمقراطيّة الكُرديّة خَطٌّ أحمر.
 
الرُّوس يَتوقَّعون هذهِ الحَرب بين إيران وإسرائيل أيضًا، وقاموا بِنَشر مِظلّة جَويّة فوق الأراضي السوريّة لحِماية القوّات الإيرانيّة والسوريّة، من ضِمنها طائِرات شبح من طِراز “سو 57” المُتطوّرة وصواريخ “إس 400” الحَديثة لمُواجهة طائِرات “إف 22″ الأميركيّة و”إف 35” الإسرائيليّة، حسب تقارير أميركيّة وإسرائيليّة.
 
الجِنرال إتش. آر. ماكمستر، مُستشار الأمن القَومي الأميركي كان شَرِسًا في هُجومِه على إيران في مُداخلته في مُؤتمر ميونخ الأمني، وركّز على الأذرع العَسكريّة التَّابِعة لها في لبنان (حزب الله)، والعِراق (الحشد الشعبي)، واليَمن (الحوثيون)، إلى جانب ميليشيات “شيعيّة” أفغانيّة وباكستانيّة تُقاتِل في سورية، وكَرّر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المَخاوف نفسها في المُؤتمر نفسه، عندما لَوّح بِقطْعةٍ من طائِرة “درونز” مُسيّرة إيرانيّة جَرى إسقاطها في أجواء الجليل، وقال أن إيران لا تُشكِّل خَطرًا على إسرائيل والمِنطقة فقط وإنّما العالم بأسْرِه، وأكَّد أنّه سيَتصدَّى ليس لوكلاء إيران، وإنّما لإيران نَفسها أيضًا إذا لَزِمَ الأمْر.
 
تَزايُد مَنسوب التهديدات الإسرائيليّة الأميركيّة لإيران ليس جَديدًا، وربّما يكون من مُنطَلق الحَرب النفسيّة، ولكن الأمر مُختَلف هذهِ المرّة، خاصَّةً بعد إسقاط طائرة “إف 16” الإسرائيليّة بصاروخٍ سوريٍّ مُحدَّث لأوّل مَرّة مُنذ عام 1982، وإرسال طائِرة تَجسّس إيرانيّة مُسيّرة إلى العُمق الإسرائيلي، وتَهديدات السيد حسن نصر الله بِقَصف مِنصَّات الغاز الإسرائيليّة في البَحر المتوسط إذا أُعطِي الضُّوء الأخضر من مَجْلِس الدِّفاع اللُّبناني الأعلى.
 
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُخطِّط لانْسِحاب بِلاده رَسميًّا من الاتّفاق النووي مع إيران في دَورة المُراجعة المُقبِلة بعد بِضْعة أشهر، حسب مَعلومات أوروبيّة مُؤكَّدة، وربّما تكون هذهِ الخُطوة هي الشَّرارة التي قَد تُفجِّر الحَرب التي سَتكون إسرائيل رأسْ حِرْبَتها.
 
لا نَعتقد أن مجلّة “ناشونال إنترست” التي تَنبّأت بانْدِلاع المُواجهة الإسرائيليّة الإيرانيّة العامَ المُقبِل، تَصِل إلى هذهِ النُّبوءة دون أن تَمْلُك الأدلِّة والبَراهين، والتَّسريبات الرسميّة، ولذلك من غَير المُستبعَد أن تكون أقرب إلى الدقّة، فكُل شيء مَحسوب في الصِّحافة الغَربيّة، والأشهر المُقبِلة ربّما تَكْشِف الكَثير في هذا الإطار.