لا حلول وسط في التدريب والتأهيل.. بقلم: سامر يحيى

لا حلول وسط في التدريب والتأهيل.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ مارس ٢٠١٨

التسلّح بالعلم والمعرفة والخبرة والثقافة، ضرورة حيوية قبل الإقدام على أي عمل، أو البدء به، وبعد ذلك تبدأ مرحلة التأهيل والتدريب المستمر، ليستطيع الشخص القيام بواجبه على أكمل وجه، عبر استثمار الموارد المتاحة والإمكانيات المتوافرة، بالشكل الأمثل المستديم والمتقن، لكي يرتقي العامل والمؤسسة إلى مستوى المهام المكلّفة بها والأعباء الملقاة على عاتقها.
 فمن الطبيعي قبيل أو عند التحاق أحدٍ بعمله، أن يخضع لمراحل ثلاث، لا تتجاوز جميعها الثلاثة أشهر كي يبدأ بالعطاء والإنتاج، لأنّه بالتأكيد حصل على التأهيل الأكاديمي واجتاز الامتحانات التي أهلته للالتحاق بها العمل، وهذه المراحل هي "التثقيف والتدريب والتأهيل"، فدراسة الشخص الأكاديمية تحدد طبيعة العمل المفترض أن يشغلها، وزمام المسؤولية التي يجب أن يتحمّلها، ليتمكّن بشكلٍ فعلي من ربط العلم الأكاديمي بالعمل الواقعي، حيث تأتي عملية التثقيف بتزويد الموظّف بالمعلومات الكاملة والحقيقية عن طبيعة عمله والمهام الموكلة إليه، وكذلك لمحةً كاملةً ووافية عن طبيعة عمل مؤسسته ودورها وهيكليتها وما يمكن له القيام بدوره في إطار هذه الهيكلية، والتعرّف على زملائه في العمل الأقرب فالأبعد عن مجال عمله، للاستفادة من الرؤى والخبرات والمعارف، يسير بالطريق القويم، ويندمج بشكلٍ إيجابي وبنّاء، وبالتالي تبدأ عملية التدريب بطريقة سليمة وتساهم في تطوير الأداء والإنتاج وليس تعطّله، تسلحه بكل جديد، لا تعيد له مواداً أكاديمية مكرّرة، أفكار ومعلومات وخبرات تساعده على اكتشاف الثغرات والعيوب والبحث عن حلولٍ لها، بروحٍ إيجابية بناءة، بما يحقق الرضا الوظيفي، فيصبح مدافعاً صلباً عن مؤسسته، باذلاً كل جهدٍ لتطوير الأداء وضغط النفقات ومنع الهدر، عبر تعظيم الإنتاج والتفكير الجديّ بالوصول للهدف الأسمى ليبدأ مرحلة التأهيل المستمر.
فما دامت الشمس تشرق كل يوم، إذاً هناك شيء جديد، وفي اللحظة التي نتوقف فيها عن اكتساب المعرفة نتراجع خطوات إلى الوراء، فلم يعد هناك شيء اسمه المراوحة في المكان، إمّا تقدّم أو تراجع، ولا حلول وسط، ولا يمكن أن يكون تطوير العمل المؤسساتي الإداري والإنتاجي بدورات تعيد إنتاج ما درسه العامل أكاديمياً ولو كانت عناوينها جذابة، فمن له أكثر من عامٍ بالعمل بات ذو خبرةٍ وما يحتاجه تعميق الخبرات، وتزويد الآخرين بها، والتأهيل الأساسي للمؤسسة يكون عبر استنهاض الهمم وتحفيز الأداء وتعزيز الانتماء الوظيفي، وأهم خطوات التأهيل والتدريب هي عقد لقاءات دورية أسبوعية أو شبه أسبوعية ضمن إمكانيات كل مؤسسة والفائدة المرجوة، يتبادل الجميع كل ما تعرّضوا له خلال فترة عملهم، وما هي الاقتراحات والسلبيات والإيجابيات، ومهما كان عدد العاملين في المؤسسة كبيراً، فالمدير الناجح قادرُ على عقد الاجتماع بشكلٍ دائم، فساعتين ستساهم في تعزيز العمل وليس تأخيره، مهما كانت تخصصات المؤسسة، لأنها ستكون جلسة جدية لتبادل الخبرات والمعلومات والمعطيات ويكون المدير على تماسٍ مباشرٍ مع العاملين في مؤسسته، ويضعهم بمساندة من دائرة الدراسات والإعلام والعلاقات العامة، والمديريات المختصة، بكل جديدٍ علمياً وعملياً، محفّزاً العصف الفكري والإبداع الإنتاجي بكل التخصصات والاختصاصات، بعيداً عن الاعتماد على شخصيات محدّدة لا يهمّها إلا مصلحتها وحتى لا تفكر في مصلحة المؤسسة إلا انطلاقاً من المصلحة الخاصة لها، لا سيما الانتهازيون وما أكثرهم، ولن يستطيعوا مهما كانوا قادرين على متابعة دقائق الأمور، إعطاء الصورة الحقيقية الصحيحة للعمل والإنتاج، فكلّ شخص سيعطي وجهة نظره الشخصانية مهما كان حيادياً، والرأي الجماعي هو الذي يعطي الصورة الواضحة عن طبيعة عمل المؤسسة وأسلوب تطوير أدائها، والخطوة الثانية الاستفادة من الدراسات والأبحاث والتقارير الفنية التي يعدّها الموظّفون من جهة، وكذلك الطلاب كل ضمن تخصصه واختصاصه لا سيما طلبة الجامعات ورسائل الماجستير والدكتوراه.
إن دور مديرية التأهيل والتدريب والدراسات والعلاقات العامة ـ بغض النظر عن تسميتها ـ في المؤسسات الحكومية، تأمين المواد وإعدادها لتقديمها على شكل نشرةٍ مختصرةٍ أو خلال الاجتماعات تتابع طبيعة عمل المؤسسة وكل ما يدور عنها توزّع عبر البريد الالكتروني، أو شاشةً يقرأها الموظّفون، تتضمن المهام وآخر الأرقام والإحصائيات، وأخبار العلم ضمن التخصص، وما يقال ويشاع عن المؤسسة سواءً مديح أو انتقاد، واقتراحات وأفكار لتطوير الانتاج، وأفضل السبل للدفاع عن المؤسسة وتعويض النقص وتوطيد الإنجازات، بحيث تختصر الطريق وتمدّ الموظّف بالمعلومة، وبنفس الوقت يبقى مستمراً بعمه لا ينقطع عنه لساعات للخضوع لدورةٍ تدريبية أكاديمية تنظيرية مهما كانت معسولةً...   
 في ظلّ انتشار مراكز التأهيل والتدريب، وانتشار علومٍ ومصطلحاتٍ بتسميات إيجابية، لكنّها تصلح للطلبة والمقبلين على سوق العمل، ولا تصلح للمؤسسات الحكومية التي عليها الانتقال للمرحلة العملية، بمتابعة التطورات وملاحقة التغييرات وتثقيف الموظّفين وتأهيلهم بشكلٍ دوري ومستمر، والتفاعل البنّاء معهم والتجاوب مع اقتراحاتهم وأفكارهم، والمساهمة بشكلٍ بنّاء وحيوي بنشاطٍ وإبداع وتحويل المؤسسة لخلية نحلٍ في العمل، وتحقيق الهدف المنوط بالمؤسسة التي تصب لصالح الموظّف والمؤسسة بآنٍ معاً، وبالتالي الوطن بكافّة أبنائه..