واقعية الكلام .. بقلم: سامر يحيى

واقعية الكلام .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٧ مايو ٢٠١٨

 أصاب انشتاين بقوله "المثقّفون يأتون لحلّ المشكلة بعد وقوعها، بينما العباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ"، ونضيف إليها أنّنا ننقل المصطلح دون البحث والتمحيص بأبعاده ودلالاته وما وراءه، وتحميل المسؤولية لا تحمّلها...
 وما يجعلنا نحتاج للتفكير والتمحيص أن القيادة السياسية تواجه المؤامرات والتحديات، حتى قبل أن تبدأ، متنبّهةً لما يحاك لسوريتنا خاصةً والمنطقة عامةً، مدركةً أن استهداف سوريتنا سيستمر طالما تحمل شعلة الضمير العربي، والكرامة الإنسانية، في عالم انعدام القطبية بانتظار ارتسام ملامح عالمٍ متعدد الأقطاب .
ودائماً نطرح هذا التساؤل، ما الذي يمنع بقية المؤسسات الحكومية ـ لا سيما مع وجود توجيهات وتأكيدات من القيادة العليا، متمثلة بشخص السيد رئيس الجمهورية ـ  من استشراف المستقبل، ودراسة الحاضر بشكلٍ جدي، مستندين لتاريخٍ عريق وماضٍ بإيجابياتٍ وسلبيات نستطيع الخروج منها بحلولٍ للكثير من المشكلات التي نعاني منها الآن، واستشراف المستقبل لمجابهة التحديّات الآنية والمستقبلية سواء الناتجة عن تصرّفاتنا وقراراتنا أو ثغرةٍ ما، أو خارج إرادتنا، طبيعية أو مادية أو حتى مما يحيكه الأعداء.  
وسنجد البعض يقول، المؤسسات الحكومية تقوم بدورها رغم الظروف، فلماذا نجلد أنفسنا، الجواب واضح، مؤسساتنا أثبتت صمودها في وجه كافّة التحديّات والظروف والمؤامرات، استناداً لإرادةٍ سياسية وتاريخ عريق، وحيوية شعبٍ تحمّل ضغوطات الحياة، وهذا يلقي على كاهل من تم تكليفهم بالمهام الإدارية بذل الجهود المضاعفة لتطوير وتدعيم عمل مؤسّساتهم، وعدم الاتكال على نجاح القيادتين السياسية والعسكرية وسير الحياة الروتينية وحيوية الشعب، ولا العيش على أحلام الماضي، ولا على وعود المستقبل، بل التعامل بجديّة وتفكير وتمحيص، ولدينا من التجارب والمحاولات ما يكفي للبدء بقوّة، بعيداً عن هدف المدراء والانتهازيين الذين يسعون للحد الأعلى من الظهور وتحقيق المصالح الشخصانية متسلّحين بقدرتهم على النفاق والانتهازية، والحد الأدنى من العمل الحقيقي على أرض الواقع، وضرورة القيام بالتشاركية مع العاملين في المؤسسة، لا سيّما أن الموظفّ الذي على احتكاك مع جمهور المؤسسة، أكثر فائدةً وإيجابية لصالح العمل والإدارة أضعاف ما تقدّمه النظريات والدورات الأكاديمية التنظيرية البعيدة عن الحياة العملية الجدية.
 من حق كلٍ منا البحث عن أفضل ما يناسبه من الآخر، والسعي وراء الكمال، والاستفادة من تجارب وجهود الآخر، ولكن ليس من حق أي مسؤول أو موظّف حكومي تطبيق فكرة الآخر كما هي على مؤسسته، ولا تبرير الخطأ ومقارنته بالآخر، بل البحث عن أفضل السبل وأنجعها، وهنا نعيد التأكيد على ضرورة إحياء دائرة العلاقات العامة بكلٍ مؤسسة التي هي "صلة الوصل بين المؤسسة وجمهوريها الداخلي والخارجي، وكذلك بين مديري المؤسسة أنفسهم للخروج بالصيغة الأمثل لتطوير الأداء والنهوض بالمؤسسة..
النجاح الأساسي لأي مؤسسة، بالعمل الجدّي، بعيداً عن والسير على خطٍ متوازٍ مع تضحيات شهدائنا وجنودنا البواسل، لنردّ جزء بسيط مما قدّموه لسوريتنا بتعزيز عملية الإنتاج، كما أنّه لا يحق لنا شكر أنفسنا لأن الشمس تشرق كل صباح، بل التفكير الجدي بكيفية الاستفادة من هذا اليوم بتطبيق نجاحاتنا على أرض الواقع وليلمسها المواطن الموظّف قبل المواطن العادي، ما هي السبل للتنفيذ الأمثل لما خطّطنا هل وما هي رؤيتنا لمستقبل مؤسساتنا على أرض الواقع، مستعدين لكل التحدّيات والمعوقات، مستثمرين بالحد الأعلى للموارد المادية والبشرية المتاحة لنا، فاختراع السيارة بدأت بشكلٍ بدائي وما زالت مستمرة حتى وصلت لم هي عليه، وما زال التطوير مستمراً، وهذا دور كل مؤسسةٍ بالسعي المستمر لتحسين الأداء وتطويره، بعيداً عن التسليم بأمر الواقع، أو تحميل الآخر المسؤولية، أو الحجج الواهية، مهما كانت نظرياً مقنعة.
الحوار الوطني ، والنقاش الحقيقي، والنقدّ البنّاء المنطلق من واقع العمل، ليس تخويناً أو تكفيراً، بل واجب المدراء استقطاب كافّة الآراء للوصول للرؤية الصواب، بعيداً عن الإطراء المدمّر، والنفاق الهدّام، والتجاهل السلبي، واستثمار كل ثانية للقضاء على أيّة ثغرة قد يقتنصها الحسّاد قبل الأعداء، بما يعزز الانتماء الوظيفي والولاء الوطني، وقدرة كل موظّفٍ مهما دنت أو علت رتبته المدافع الأول عن قداسة مؤسسته، مستنداً للواقع، بعيداً عن عبارة نسمعها من موظفي المؤسسة :"هيك بدهم.....يصطفلوا".
الإدارة الناجحة التي تستطيع تحويل كل الانتقادات ضد المؤسسة إلى سلّم تعلو به، واجتراع الحلول قبيل حدوث المشكلة، واستشراف المستقبل على الأقل للتخفيف من آثاره السلبية لو كان خارج السيطرة.
إن أهم مثال يجب التنبّه له، أننا على مشارف انتهاء العام الدراسي، ومن الواجب الوطني لمؤسستي التعليم العالي والتربية ومن له صلة بهما، البدء بدراسة جدّية لسلبيات وإيجابيات العام المنصرم من كل النواحي، بدءاً من المناهج وليس انتهاء بالتنشئة الأخلاقية والاجتماعية والعلمية للطلبة، لتكون المراكز التعليمية والتربوية، مناهل إبداع وعلمٍ واكتساب معرفةٍ ومعلومةٍ وخلقٍ سليم، وولاء وطني، بعيداً عن صراخ المدرّس لإجبار طلبته على الالتزام بالدوام أو أداء الواجب الدراسي، أو تجمهرٍ وانصراف غوغائي من المدرسة.
لا بد لنا من التأكيد بالنهاية، على أن متابعة الجديد، ومناقشات وحوارات بنّاءة، اكثر نجاعةً من دراسات أكاديمية، كل موظّفٍ حكومي قد اجتازها، بل الدورات التأهيلية يجب أن يكون دورها متابعة الجديد والبحث والتمحيص والتدقيق في المشكلات التي تعاني منها مؤسساتنا، سبب فشلها وتخلّفها، أو تقدّمها ونجاحاتها، وعندها فقط نرد جزءاً بسيطاً لدماء الشهداء التي أريقت، ولوطننا الذي شرّفنا بحمل جنسيته..