تداعيات كبرى لتحرير الجنوب السوري

تداعيات كبرى لتحرير الجنوب السوري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٤ يوليو ٢٠١٨

ما ان فرغ ​الجيش​ العربي السوري وحلفاؤه من انجاز التطهير الكامل ل​ريف دمشق​ وكامل النطاق الأمني اللصيق بها واتبعه بتطهير النطاق الأمني السوري الأوسط خاصة في ريفي حماه وحمص حتى طرح السؤال يومها حول وجهة قطار التحرير خاصة وان المشهد السوري بعد الإنجازات تلك كان قد ارتسم على وجود القطاعات الحدودية الأربعة شمالا وجنوبا والتي يميزها بشكل واضح العامل الأجنبي المباشر الذي يشكل حضوره احتلالا مباشرا للأرض السورية تمارسه بشكل مؤكد كل من ​إسرائيل​ و​اميركا​ و​تركيا​.
في ظل هذا المشهد طرحت فرضيات منها ان سورية ” المتعبة ” بعد 7 سنين من القتال الدفاعي ستؤثر العمل السياسي في تحرير ما تبقى و اخراج المحتل من أراضيها ، و ليعطى العمل السياسي وقته و فرصه حتى و لو كان طويلا بعض الشيء من اجل توفير الجهد و الخسائر ، و في المقابل طرحت نظرية استكمال التحرير بالوسائل العسكرية مهما كانت الكلفة و التضحية ، لكن القيادة السورية الواعية و الحكيمة اتخذت قرارا اخر و اعتمدت استراتيجية مركبة فيها من الفرضتين مع تعديل لوجهة العمل السياسي بحيث تكون وجهته ​الشعب السوري​ الذي اكره من قبل المسلحين ليشكل بيئة حاضنة يحتمون بها ، و حتى يكون للقرار وقعه الصادم خرج الرئيس الاسد شخصيا و بشكل متكرر لثلاث مرات و عبر وسائل اعلام اجنبي يعلن قرار سورية : “كل التراب السوري من الشمال الى الجنوب سيحرر بالمصالحة او بالعمل العسكري “.
لقد شكل هذا القرار الذي اتخذه وأعلنه شخصيا الرئيس الأسد صدمة لأعداء سورية الذين كما أسلفنا كإنو يراهنون على تعقيدات محددة خاصة في جبهة الجنوب حيث الوجود الإسرائيلي والأميركي وغرفة عمليات العدوان المسماة “موك “التي تعمل في ​الأردن​ وفيها مجموعة ضباط 8من دول عربية واطلسية. اما وقع القرار لدى أصدقاء سورية وحلفائها فقد كان رائعا في إيجابيته وشكل نافذة نور على مستقبل مضيء بالحرية والتحرير القادم لا محالة.
بعد هذا ، اتبع القرار السوري مباشرة بتحضير و تهيئة ميدانية في الجنوب سارت على خطين ، الخط العسكري الذي شهد نقل القوى التي تفرغت بعد تحرير ريف دمشق و الوسط السوري ، و الخط التصالحي حيث تحركت الأجهزة المدنية و الأمنية و الاستخبارية و اتصلت بالسكان في المناطق المسيطر عليها من قبل الإرهابين و المسلحين المحليين ، و ما ان اكتمل التحضير و التهيئة حتى رسمت خريطة التحرير وفقا لكل قرية و هدف و منطقة ، وتوزعت هذه على فئات ثلاث : فئة المناطق و البلدات التي تحرر بالمصالحة ،و فئة ترفض المصالحة و يقتضي تحريرها بالعمل العسكري ، و فئة وسط تحرر بالعمل المركب الذي يبدأ بالعمل العسكري الصادم بشدته و المحدود بنطاقه و الذي يهيئ الأرضية للمصالحة فيؤخذ بها .
و في التطبيق ،نجحت استراتيجية العمل السوري من اجل تحرير الجنوب و تسارعت وتيرة التحرير بسرعة تفوق المتوقع بشكل كبير فأضاف الى صدمة قوى العدوان صدمة جديدة تجلت في الموقف الأميركي علانية ، اذ ان اميركا بعد ان كانت حذرت من أي عمل عسكري سوري يؤدي الى تحرير الجنوب و تبدي قلقها و رفضها له بحجة ان المنطقة خاضعة لمنظومة خفض التصعيد ، عادت و تراجعت عن هذا الموقف وأبلغت ​الجماعات المسلحة​ بان “عليهم ان لا يعولوا على دعمها ”
لأكثر من اعتبار لم تحدد شيئا منها ، لكننا ندرك هذه الاعتبارات التي حملت اميركا على هذا الموقف و تتمحور في جوهرها حول القوة الفاعلة التي احضرتها سورية الى الميدان ربطا بقرار التحرير الحاسم الذي لا رجعة عنه . وقد اضيف هذا أيضا الى الخطأ في التقدير الذي وقعت فيه ​الجماعات الإرهابية​ التي انتهكت قواعد خفض التصعيد واعتدت على القوات السورية في الجنوب واهدت لسورية هدية ثمينة تتمثل بالتملص كليا من موجبات العمل بهذه المنظومة.
لقد نجحت سورية في قرارها وعملياتها التحريرية في وجهيها التصالحي والعسكري ورسمت في ذلك مشهدا فرض نفسه كأمر واقع على الجميع، مشهد لم يعد ممكنا تجاوزه وبات النظر الى مستقبل الجنوب نظرة المتفائل بقرب التحرير الشامل وبشكل اكيد فكان لهذا من التداعيات ما يمكن ذكر بعضه كالتالي:
1. انهيار معنوي لدى المسلحين والإرهابيين، تسبب بانشقاقات بين جماعاتهم واتجاه الأغلبية منهم للقبول بالمصالحات، وجعل الباقين في وضع قتالي صعب يسهل الحرب عليهم لاجتثاثهم.
2. سقوط ما كان يروج له من حديث عن صفاقات واتفاقات حول الجنوب من شانها لو نجحت او كانت صحيحة ان تخلق في الجنوب وضعية خاصة تناسب قوى العدوان وبصورة خاصة اميركا وإسرائيل وتعوض لإسرائيل فشلها في إقامة المنطقة الأمنية او الحزام الأمني اللصيق ب​الجولان​ المحتل.
3. تحول في طبيعة وضعية الحدود الأردنية السورية وتوقع انقلابها من معابر للإرهابيين والسلاح من الأردن الى سورية الى معابر اقتصادية وتجارية لمصلحة البلدين في القريب العاجل بعد ان تكون باكورتها فتح ​معبر نصيب​ الذي شارفت القوات السورية على مسكه انطلاقا من تحرير بصري الشام.
4. تراجع إسرائيل الى التمسك والمطالبة بتطبيق اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في العام 1974، وهو طلب يعني تسليم إسرائيل بسقوط مشروعها العدواني في سورية كليا (أي السيطرة على كامل سورية) وجزئيا (أي إقامة حزام أمنى في الجنوب) وعسكريا ميدانيا (أي تحديد القوى العسكرية التي تنتشر وتعمل قرب خط فض الاشتباك).
5. خروج الجنوب السوري من دائرة التفاوض بين القوى الدولية، واسقاط فرضية او محاولة اعتباره ملفا او ورقة للمقايضة، وذلك بعد ان اكدت سورية بشكل قاطع ان القرار قرارها ولا أحد يمكن ان ينوب عنها في اتخاذ القرار هذا.
ان تحرير الجنوب القطاع الحدودي السوري الهام والمعقد، بالشكل والطريقة وفي المدة الزمنية تلك، سيشكل علامة فارقة في تاريخ الحرب الدفاعية التي تخوضها سورية مع حلفائها في مواجهة العدوان عليها، علامة فارقة تضاف الى ما سبقها من علامات فارقة في حلب و​دير الزور​ وتدمر والفوطة و​القلمون​ وسواها ويختلف عنها ببعض الخصوصيات وسيؤسس لنموذج مهم يبنى عليه في تحرير القطاعات الحدودية الثلاثة شرقا وشمالا، وسيكون لأهمية القرار وحسن التخطيط والتنفيذ موقعه العام في هذا الملف.