"التسهيل الكمي"  حكمة جديدة في عالم الاقتصاد.. بقلم:إيفلين المصطفى

"التسهيل الكمي" حكمة جديدة في عالم الاقتصاد.. بقلم:إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٩ نوفمبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
كثيرة هي الأدوات التي يتم استخدامها لضبط السياسة النقدية في العالم، ورغم اختلافها وتنوعها إلا أنه لايمكن تجاهل تأثيرها على الأسواق العالمية، ولعل المتابع للشأن الاقتصادي سمع كثيراً عن إحدى هذه الأدوات التي يتم استخدامها من قبل البنوك المركزية كإجراء لتحفيز الاقتصاد أو معالجة أزمة مالية من بين هذه الأدوات هناك مايعرف بالتسهيل الكمي Quantitative Easing " (QE)، حيث يعد هذا المفهوم من أحدث المفاهيم المتداولة في الأسواق المالية، وقبل الشروع في الحديث عن تأثير إيقاف برنامج التسهيل الكمي لابد من التعريف بهذا المصطلح.
تقول الحكمة الجديدة في عالم الاقتصاد "حين تفشل جميع الإجراءات الأخرى لتحقيق النمو في الاقتصاد، اطبع أموالاً جديدة وباشر بشراء السندات الحكومية."هذه هي القاعدة  التي أصبحت معروفة باسم التسهيل الكمي.
إن جميع الاقتصاديين على دراية واضحة بمقدار الكارثة التي قد يتسبب فيها التضخم والذي لايختلف كثيراً عن الانكماش الاقتصادي في السوق حيث يؤدي الانكماش في السوق الى خفض إنفاق المستهلكين وبالتالي يضطر الباعة إلى خفض الأسعار بشكل مستمر.
يعد التسهيل الكمي أداة من أدوات البنك المركزي يقوم باستخدامه للحفاظ على حالة الاقتصاد في حال وقوع فشل في التحكم بأسعار الفائدة واقترابها من الصفر، بهدف تحفيز المستهلكين على الإنفاق عبر ضخ النقود أو زيادة السيولة في اقتصاد الدولة.
ينطوي التسهيل الكمي على طبع النقود لشراء مجموعة متنوعة من الأوراق المالية  أي السندات والأصول المالية من البنوك. وعليه سيكون لدى البنوك المزيد من الأموال المتاحة للاقتراض، والغاية إغراق الأسواق المالية بالنقود أو السيولة كما أن للتسهيل الكمي أثر كبير في تداول العملات، ذلك لأن طبع المزيد من العملة يقلل من قيمة العملة مقابل العملات الاخرى ويعزز التضخم ويهدف البنك المركزي من هذه العملية تعزيز الإقراض ومنع نقص الاموال في المستقبل.
تاريخياً نجد أن بنك اليابان شرع في استخدام هذا البرنامج في جهوده الرامية لمحاربة فترة مخيبة للآمال من الركود الاقتصادي والانكماش في عام 2001 والتي استمرت حتى عام 2006. ولم يقتصر استخدام هذه السياسة على بنك اليابان بل أيضاً دفعت الأزمة المالية عام 2008 مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاتباع هذه السياسة والتي أعلن عن توقف العمل بها أواخر الشهر الماضي، حيث كان لها أثر كبير على الأسواق المالية ولعل أكبر المتضررين كان قطاع الذهب الذي شهد انخفاضاً في أسعاره نتيجة صعود الدولار وظهور مؤشرات اقتصادية عكست متانة الاقتصاد الأميركي ساهمت في انخفاض الطلب على الذهب باعتباره ملاذاً آمناً للمستثمرين، وقد كانت هذه الخطوة بمثابة المهمة المستحيلة لرئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جانيت يلين بعد مضي سنوات على العمل بهذه السياسة التي سبق وأن اعتمدها رئيس مجلس الاحتياطي السابق بن برنانكيه، ولا يخفى على المتابعين استمرار تعرض الأسواق العالمية لأثار وقف العمل ببرنامج التسهيل الكمي في الولايات المتحدة لكن إيقافه لا يعني بالضرورة  أن اليابان أنهت العمل به أيضاً حيث إنه من المفاجآت التي حدثت هو إعلان بنك اليابان المركزي توسيع برنامج التسهيل الكمي من أجل إحداث تضخم في اقتصادها وتحقيق نمو عبر التضخم.
والسؤال هل من المعقول أن تقع السياسات النقدية في طوق هذا البرنامج كحل لأزماتها الاقتصادية، خاصة أنه ساعد الاقتصاد في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى -اليابان وبريطانيا-  وحال دون وقوعهم في هوة ركود كارثي.
بالتالي هل يجدر بأوروبا أن تتبع هذه الحكمة الجديدة في عالم الاقتصاد؟؟ وخاصة أن منطقة اليورو تضم 18 بلداً، ويجد البعض أنه في ضوء استنفاذ البنك المركزي الأوروبي لمعظم الخيارات الأخرى في السياسات النقدية التي سبق وأن اتبعها لإنعاش منطقة اليورو فإنه أصبح من الضروري إعادة التفكير مرة ثانية ببرنامج التسهيل الكمي. 
ولعل من الجوانب السلبية لاتباع مثل هذه السياسة هو إدمان البنوك المركزية على برنامج التسهيل الكمي أوأن تصبح رهينة لهذا الإجراء، إذ ليس من المستغرب فشل هذا البرنامج بتحقيق الغاية منه في بلدان أخرى خاصة وأن لكل بلد مقوماته الاقتصادية التي تساعده في إنجاح هذا البرنامج أو إفشاله لذا يتوجب على البنوك المركزية التفكير أيضاً بسؤال ما الذي يمكن أن يحدث لو لم يكن هناك مايسمى بالتسهيل الكمي؟؟ هل كان من الممكن إيجاد حل بديل قادر على معالجة الركود الاقتصادي دون اتباع الحكمة الجديدة؟؟