بين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.. بقلم: إسماعيل مروة

بين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.. بقلم: إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الأحد، ١٧ مايو ٢٠١٥

يدور حديث اليوم عن ابن تيمية وتشدّده، ومحمد بن عبد الوهاب والعلاقة التي تربط بينهما، واسترعى انتباهي تلك الأحاديث التي تدور حولهما، ومن أناس لو سألت أحدهم عن اسم مؤلف واحد من مؤلفات ابن تيمية ما عرفه، وأنا هنا لست في وارد مناقشة آرائه وكتبه، ولست أدافع عن آرائه، فالكل حولي يعرف رأيي في الفكر الديني، وتسيّده المشهد السياسي، وما يجر ذلك من مخاطر، والأكثر خطورة هو ربط المجريات السياسية بالفكر الديني، ولو أننا ناقشنا المجريات السياسية، والتطورات، والمتغيرات في ضوء السياسة وعلمها لهان الأمر، ووجدنا حلولاً مناسبة لكل ما يعترض! أما عندما نذهب بعيداً في قراءة السياسة من منظور الفكر الديني السياسي، سنعود إلى الاقتتال فيما بيننا لشأن لا علاقة لنا به، وكرمى لأجساد تحللت، ولأفكار انتهى دورها!
المهم أنني أسمع من يتحدث عن محمد بن عبد الوهاب، ويلوم أن يكون تعريفها في الكتب (حركة إصلاحية دينية) ويسأل: كيف لمن اختار ابن تيمية أن يكون إصلاحياً؟ وحتى لا يتشعب الحديث بنا أقف عند أكثر من قضية: أولها أزعم أن محمد بن عبد الوهاب لم يكن ذلك الشيخ القارئ، ولم يقرأ كتاباً لابن تيمية كما يتهيأ للمناقشين، بل إن كتب ابن تيمية طبعت في حقبة لاحقة، وابن عبد الوهاب لم يكن سوى شيخ بسيط، وكل ما جاء من آرائه كان من صنع لاحقيه الذين جاؤوا بعده، هذا إن كان صاحب دعوة حقاً!
ثانيها يتعلق بالعقد المرتبط بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، وهذا العقد أفسد على الدوام حياة الناس، إذ جعلهم تحت سوط الدين والغيب، وهذا ما جعل مؤسسي المملكة العربية السعودية يعقدون ارتباطاً لا ينفصم بينهم وبين محمد بن عبد الوهاب.
ودعوته السلفية القاضية بالعودة إلى الكتاب والسنة! واستطاعت السلطة السياسية أن تكوّن الرؤية الدينية الدعوية على هواها، وبما يناسب طرائق الحكم، وتركت للدعوة الدينية مساحتها التي لا تقترب منها، ولكنها تستعملها كما تشاء، ولا يزال هذا العقد ساري المفعول بين المؤسستين!
فهل كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفكار ابن عبد الوهاب؟!
وهل كانت الفتاوى التي تنهمر من صنعه؟
وهل كانت فتاوى ابن تيمية قد نشرت؟
وهل كانت فتاوى ابن تيمية سوى مشروع سياسي ارتبط به محققه وناشره؟!
وهل اكتفى بنشر الفتاوى كما هي؟
وهل كتب محمد بن عبد الوهاب كتاب (الفرقة الناجية) ليقول بأن الوهابيين هم الذين سينجون في الآخرة لأنهم على حق؟
وهل جاء مصطلح الوهابية في تلك الحقبة في أثناء حياة ابن عبد الوهاب؟
شأن ابن عبد الوهاب شأن كل الدعاة الذين استثمروا مرحلة، وأرادوا أمراً، وكانت أجسادهم وأفكارهم قابلة لأن تلبس الإضافي، فجاءت الشخصيات التالية لتقول وتقرر وتفعل وتضيف وتنسب!
ليس هذا الكلام إلا من قبيل وضع الأمور في نصابها، فنحن أمام إنسان بسيط جاء من استغل آراءه، وبنى على شخصية حتى تحول إلى قديس ومقدس، ليستطيع الطرف الثاني من العقد، وهو الطرف السياسي أن يفعل ما يشاء باسم المقدس!
شتان ما بين الفكر الديني والفكر السياسي الديني.
الفكر الديني للشخص، ولبناء مجتمع تحكمه أنظمة وضوابط، أما الفكر الديني السياسي فهو لبناء سلطة ودولة دكتاتورية، ولإضفاء شرعية على ما لا يملك الشرعية، لذا تهرع السلطة لتستنجد بالأزهر وبآل الشيخ وبالإفتاء وما شابه ذلك، فتحولت المؤسسة الدينية من مرجعية مجتمعية تعنى بالناس وقضاياهم، إلى مؤسسة سياسية تتبع الحاكم، وتسير في خدمته، يستعين بها متى يشاء، ويخفي وجودها متى يشاء، يستخف بها متى يشاء، يرفعها متى يشاء!!
فهل سيؤخذ برأي ابن عبد الوهاب لو كان موجوداً؟
وهل ينكر مفكر أن الفكر السياسي الديني من أي شريعة ومن أي طائفة ومن أي مذهب هو فكر إلغائي متطرف؟ وهل ينكر أحدهم أن الفكر الديني فكر أخلاقي مجتمعي؟!
هل كان مارثن لوثر يعلم توجهات جماعته؟
ألم يكن ثائراً على المؤسسة الدينية وممارساتها؟
وعندما تأخذ اللوثرية اليوم مساراً مختلفاً لدى النخب السياسية، هل يلغي ما تفعله مكانة لوثر وآراءه؟
علينا ألا ننخرط في لعبة السياسة من منظور ديني لنعمل على تطوير مجتمعاتنا ورؤانا، وهذا الانخراط وحده هو الذي يزهق أرواحنا من دون طائل، وربما يستجر اللعنة علينا بعد الرحيل، لأن حكم الفكر السياسي الديني يلتصق بالإنسان وبقوة السياسة، أما الفكر الديني فيترك الأمر لصاحب الأمر!
اقرؤوا تراث محمد بن عبد الوهاب إن كان له من تراث، ولا أظنه ترك سوى ما كتب عنه أو له أو بلسانه، وفندوا الآراء، فهذا حق، وعلينا ألا نكتفي بالمعلومات المتناثرة هنا وهناك، وعندما يصل الدارسون إلى نتيجة، فلتكن في مؤلفاتنا ومقرراتنا سواء كانت العلاقات السياسية مع أتباعه حسنة أم غير حسنة! أطلعوا أبناءنا على الحقائق ولا تتركوهم للإنشاء والجهل، حتى لا تتكرر مآسينا بعد مئة عام! فالخلافة الإسلامية كمصطلح ضاع في الزمن، لكن جهل الجاهلين أعاده إلى الواجهة، وصار مقبولاً لدى نخبة المثقفين بعد أن ركبه نخبة الساسة موافقة ومعارضة. فهل سيأتي يوم نعيد كل مهمل إلى الواجهة، ليصبح ديدن حياة وأسلوب عيش؟