عشر سنوات على الرحيل … مازن يوسف صباغ ذاكرة سورية التوثيقية

عشر سنوات على الرحيل … مازن يوسف صباغ ذاكرة سورية التوثيقية

ثقافة

الاثنين، ٥ يونيو ٢٠٢٣

كيف لمن نذر نفسه للفكر والبحث، توثيقاً وتاريخاً وذكرى، ألا يتذكّر! وإن مرّت سنون عشر على رحيله، ففي 4 حزيران 2013، أفل نجم الذاكرة السورية، مازن يوسف صباغ، وقلبه مجروح على وطن، رحل، أبو يوسف، في عزّ عطائه، بعدما أفنى عقود عمره الستة، منقّباً مستقصياً في بطون المراجع، ورفوف المكتبات وقديم الوثائق، ليهدي أجيال الوطن أكثر من 40 كتاباً توثيقياً، لمراحل نهوض الدولة السورية وتطورها على مدى قرن من الزمان أو يزيد، بل قل مجلدات باتت مرجعية ميسّرة للباحثين وطلبة العلم والناشئة بشكل عام.

توثيق لسورية والقامات

بناء سورية، عنوان تنطوي في إطاره جميع مؤلفاته، لكنّه خصّ به كتاباً، البناء السوري- وحدة التنوع والتعدّد، «دار الشرق 2009» على حين وزّع جهده ليواكب هذا البناء من البدايات، المؤتمر السوري- برلمان الاستقلال (لبلاد الشام) «دار الشرق 2011» ليبرزه كأول تجربة برلمانية في الشرق الأوسط، ولتتوالى ثمار جهده في توثيق سجل الحكومات والبرلمانات بل أيضاً الدساتير السورية منذ عام 1919 حتى قبيل وفاته، حين أفرد مؤلفاً خاصاً بدستور 2012، وكذلك الانقلابات العسكرية الأربعة، فدولة الوحدة، وشخصيات عربية وعالمية، عمر المختار، البابا شنودة، إدوارد سعيد، جورج حبش، وغاندي.

قيل فيه

يتبوأ الريادة في هذا المجال المهم، بشهادة من واكب ما وثّق من مراحل حساسة، ولفتهم باهتمام ما أعدّ من مؤلفات.. أغنت المكتبة الثقافية والتوثيقية بشكل خاص.

د. محمد منير الشويكي الحسيني يقول:

(يتحلى المؤرخ د. مازن صبّاغ، بمزية الباحث المنصف للأمور، الذي يمنحه مقوّمات البحث العلمي الصحيح دون التسرع في إطلاق الأحكام، فهو يعرض الحقائق بلا تعصّب…، وإنما بالغيرة الصادقة على الشأن العام، لكشف حقيقته).

د. جورج جبور، ثمّن جهد الباحث صباغ.. في توثيق التاريخ السوري، ورأى (عمله الدؤوب.. مفيداً لكل السوريين في نشر ثقافة المواطنية. ، عن طريق التعريف بتاريخ الدولة السورية).

د. هشام الأعور– لبنان توقّف عند حرص الكاتب صبّاغ على: (قناعاته التي لم يتنكّر لها، كان صاحب فكر، ولم يكن مهادناً ولا مراوغاً، فهو حرص على أن يقول ما ينبغي، وبرؤيته النقدية نفسها التي لم يتنازل عنها.

وغداة رحيله جاءت مشاعر د. الأعور مختزلة مشاعر محبيّه وبلسانهم: (فقدنا رفقته وضحكته وصداقته، وحرارة لقاءاته،.. رفيق درب محبّ، ومخلص لجيل من المثقفين والصحفيين، كان صباغ- رحمه الله- رجلاً مهيباً ونموذجاً في خلقه واحترامه للغير، وأباً حنوناً لمن عمل معه، لم يكن متخاذلاً أمام ما يراه حقاً.. بل صلباً وقوياً ومدافعاً.. عن حقوق الآخرين)، ولكاتب السطور جميل موقف منه لا ينسى.

د. حسين راغب اعتبره رائد مدرسة التوثيق السوري وقال له: (مكانة متميزة في عالم التوثيق الأمين للوطن، ويكفيه فخراً مشروعاً أن يكون واضع اللبنة الأولى في مدرسة التوثيق السوري، الذي أطلقه.. في سماء الحياة السورية وفي الوطن العربي بصورة عامة).

وفي حفل توقيع كتاب «محطات صحفية» خاطب أ. وئام وهاب الكاتب صباغ قائلاً: «في انحناءات الزمن، يهدأ القرطاس تحت وطأة التدوين، وفي زمن المتغيرات، تنتصب الرؤى، وتذهب إلى البعيد في أعماق الوطن، تفتش عن الذاكرة، في محطات التاريخ، فتزهر المكتبات، بعبق المضامين المؤرخة للحقائق).

الأديب خليل صويلح، وصفه بـ(الباحث عن بلاده في أرشيف الأمم، راح يجمع وثائق نادرة ومجهولة من مراكز التوثيق في القاهرة وبيروت وباريس، إضافة إلى الصحف السورية القديمة، واتخذ موقع المؤرخ المحايد من دون أن يتدخّل في مجرى الأحداث، مكتفياً بمقدمات مختزلة تضيء وقائع الحراك السياسي في جغرافيا مهتزّة، بقصد إنعاش الذاكرة الوطنية.

وحسب د. نبيل طعمة صاحب دار الشرق التي أصدرت عدداً من كتبه، فقد (اختار المهمة واختطها متابعاً بجد وتفان التوثيق، وتسجيل قصة سورية المعاصرة).

أسرته

يتحدّر الراحل من أسرة عريقة، لها باعها في السياسة والشأن العام، وأبو يوسف كنّي باسم أبيه، الذي تشرّب الثقافة الليبرالية والحسّ العروبي معاً، وهو من أسّس غرفة زراعة الحسكة، في أربعينيات القرن المنصرم، وجدّ الراحل لأمه هو سعيد اسحق، تبوأ منصب رئاسة مجلس النواب فرئاسة الجمهورية بحكم الدستور (2-3 /12/1951)، وأخوه المرحوم مكرم رأس غرفة تجارة الحسكة، ومثل أخويه المرحوم مروان الذي شغل منصب نائب نقيب المحامين، وأ. المحامي حمودة رئيس مجلس الشعب، نال هو كذلك إجازة في الحقوق، وإجازة في العلوم السياسية، ثم دكتوراه دولة في العلوم السياسية والدبلوماسية، وتدرّج في المهام، مدير ثقافة الحسكة، عضو مجلس الشعب، مدير مؤسسة الإعلان، مدير مؤسسة المطبوعات، وكان عضواً في (المجلس الوطني للإعلام، اتحاد الصحفيين، رابطة الحقوقيين، اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس اتحاد الناشرين).

وفي سجله، أوسمة وشهادات ودروع وميداليات من مؤسسات رسمية وفكرية، محلية وعربية، منها، وسام الاستحقاق اللبناني، وسام الصداقة من الحزب السوري القومي الاجتماعي.

يرحل الأحبة ويبقى الحزن خالداً في نفوس الأحياء

سعد الله بركات