فجوة العقل الإعلامي … بقلم د. بشار عيسى

فجوة العقل الإعلامي … بقلم د. بشار عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ ديسمبر ٢٠٢٣

يحظى مفهوم الإعلام بإجماع أُممي و جماهيري حول حساسية أهميته و مدى تأثيره و فاعلية وظائفه ، و لا تزال هناك بعض الآراء التي تحرص و تُؤكد على تعريف الإعلام قياساً على تطبيقاته و تناسباً مع استخداماته بعيداً عن ارتباطه بالأُطر النظرية التي انطلق منها بهدف إعادة بناء و تركيب شبكة الدلالات الإعلامية التي تُؤثر في أنماط السلوك الإنساني و أشكال القدرات الإعلامية للمجتمع عموماً .
و قد ظهر في عموم الأوساط الإعلامية و الفكرية و الثقافية مصطلح فجوة العقل الإعلامي و تجلت هذه الفكرة من خلال وجود مشارب و نظريات عديدة في ميدان الإعلام الواسع و تتباين أسباب و موجبات و تداعيات هذا المصطلح لدى خبراء حقل الإعلام و كذلك أطياف الإعلاميين في مختلف المنابر و الوسائل و الوسائط ، و تبرز فجوة العقل الإعلامي في ظل الصراع الثقافي و التحديات الحضارية و سيطرة تكنولوجيا التواصل الاجتماعي و الاتصال المعلوماتي و التي أصحبت تحتل موقع الصدارة في قلب محرك استراتيجية الإشعاع الإعلامي و المعلوماتي ، و تبزغ فجوة العقل الإعلامي في محاور عديدة يتجلى أبرزها في تنوع الممارسات المهنية في عموم الوسائل الإعلامية المرئية و المسموعة و الالكترونية ، و كذلك في طبيعة شرائح الناس المُتلقية و المُتباينة في الكثير من الجزئيات ، و أيضاً في مستوى الوعي و قاموس القيم الإنسانية في صميم أنماط السلوك البشري الشديد التباين في معدلات النمو و نوعيات التطور في الإطار الحضاري و الثقافي و الاجتماعي ، و إضافة إلى تركيبة علاقة التأثير و التأثر بين الإعلام بظواهره و أدواته و بين سائر الظواهر المجتمعية و منظومتي العلوم الاجتماعية و الإنسانية .

تتجلى فجوة العقل الإعلامي على صعيد الأداء في الممارسات الإعلامية بصور شتى يتجلى أبرزها في :
- الفجوة السحيقة المتشكلة بين ضفة التعليم و البحث العلمي في حقل الإعلام الأكاديمي و بين ضفة الممارسة المهنية الفعلية و ضوابطها و ضغوطها و حتى إغراءاتها بكل صورها .
- ⁠المناكفة التاريخية بين الصحفيين من جهة و بين القائمين على دوائر القرار في مختلف فئات و شرائح المجتمعات من جهة أخرى ، و يرجع ذلك إلى التناقض الجذري بين المصالح الضيقة و بين جوهر مهنة الصحافة صاحبة الجلالة التي تستهدف تقصي و نشر كل صور و أشكال سوء الإدارة و الظلم الاجتماعي و التردي المعيشي و الضيق الاقتصادي .
- ⁠رسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب للإعلام من الجهات المهيمنة على وسائط تكنولوجيا المعلومات و وسائل التواصل الاجتماعي و مصادر المعلومات و منابع المعرفة في الأعلى إلى عموم الشرائح المجتمعية و الأطياف الفكرية و المنابر الإعلامية وصولاً إلى الأفراد في الأسفل .
- ⁠غياب المعايير الموضوعية و الحقيقية لقياس مستوى الأداء المهني للإعلاميين و الصحفيين على حد سواء مع عدم إغفال عجز شريحة من الإعلاميين و المفكرين و الأدباء عن مواكبة تسارع عصر المعلومات و دوران عجلة التقنيات .
- ⁠الضغوط المهنية و الإدارية داخل الحقل الإعلامي و التي تُؤثر بصورة سلبية و حادة في بيئة العمل الإعلامي ككل سواء من حيث مدى مشاركة الإعلاميين في صنع أفضل القرارات المهنية و وضع أنجع السياسات الإعلامية ، أو حتى في مستوى الأداء المهني و علاقات العمل سواء مع المصادر الصحفية أو مع عموم الجمهور .

و ختاماً فمن الضروري جداً إقرار و تفعيل التشريعات القانونية التي تُوفر ضمانات ممارسة المهن الإعلامية و تُحقق الحماية المهنية للإعلاميين ، إضافة إلى الجدية في إعادة النظر و التمحيص في رصد مفردات و إشكاليات البيئة الثقافية و الإعلامية للمجتمع الحالي وصولاً إلى رسم الآليات المُلائمة و القادرة على تفسير و تحليل الكثير من المُنغصات الإعلامية التي يغرق بها واقعنا الإعلامي الحالي ، و هذا هو السبيل الوحيد و طوق النجاة الأوحد الذي يُتيح لنا بإجابات صحيحة و مفيدة إمكانية التوصل إلى بناء نسق فكري عام يدعم و يرفد الواقع الإعلامي المعاصر في إطار استمرار و تعاقب مراحل الحياة و محطات التاريخ.