وداعاً 2023 حلوه ومره.. بقلم: أمينة خيري

وداعاً 2023 حلوه ومره.. بقلم: أمينة خيري

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٣

في مثل هذا الوقت من كل عام، يهرع الجميع لعمل جردات سياسية واقتصادية وفنية لأحداث العام وشخصياته. يجري إعداد قوائم الأفضل والأكثر مشاهدة والأعلى شعبية وحتى الأسوأ والأخطر. إعداد القوائم، واستعراض أحداث وشخصيات ومحطات العام ليس حكراً على الإعلام. جميعنا يعد قوائمه بشكل أو بآخر. وغالباً تجبرنا أجواء النهايات على تقييم ما مضى، وتوقع أو تمني أو التخطيط للقادم.
يظل القادم في 2024 ذا نكهة مختلفة. الغيب لا يعلمه إلا الله، وما ستؤول إليه أمور الكوكب المرتبك غير معلوم، لكن أحداث عام مضى ربما تلقي أضواءً على عام مقبل.
العام المقبل لن يكون سهلاً، فمجريات 2023 بعيدة عن اليسر والسلاسة. لو كان لي أن أحكم على العام الذي نودعه، لاعتبرته عام الانكشافات والاكتشافات. تكمن أهمية الانكشافات في إزالة الطبقات والأتربة، أو التمويهات التي تعيق رؤية الواقع على حقيقته. وحقيقة القوة في العالم، بمعناها الكلاسيكي، حيث السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية، أشارت إلى احتفاظ الثلاثي الولايات المتحدة والصين وروسيا برأس قائمة الأكثر قوة، وبهذا الترتيب. لكن الترتيب أحياناً يكون ظالماً، وكذلك معايير التصنيف. القوة أيضاً تأثير وتقويم وتعديل وابتكار. والقوة موقع استراتيجي، وقدرة على الضغط، وصوت يصعب إسكاته.
الإمارات، والسعودية، أثرتا وابتكرتا. مصر، وتركيا، وإيران، أثرت وأثبتت قدرة على تغيير مسارات وقرارات.
يخبرنا 2023، أن قرار السلام أحياناً، وربما دائماً بحكم التعقيدات البشرية، أصعب من قرار الحرب. بدا العالم، لاسيما الشرق الأوسط، على مدار العام أبعد ما يكون عن السلام. حروب ضارية اندلعت، وأخرى مزمنة استمرت، والمؤشرات تفيد بأن النهايات السعيدة ليست قريبة.
لكن الصورة ليست كلها قاتمة. أقول إن مجريات 2023 أعلت مبدأ «عقلك في رأسك.. تعرف خلاصك». كشفت الكثير من الأحداث أن الواقع ليس شعارات، وأغنيات، وهتافات، وأن «وقت الجد»، وأولويات البقاء، فما بالك بالاستمتاع بالحياة، وترك أثر يبني عليه الأحفاد، يتطلب عملاً، وعلماً، وحسن تقدير للموقف، وحسابات دقيقة لمواطن القوة وأسباب الضعف، وطرح العلاجات المبنية على حسابات لا أحاسيس، ومعارف لا أمنيات.
هذا العام، دق أمير الشعراء أحمد شوقي بابنا بإصرار. همس في أذن كل منا مذكراً إيانا بأن «ما نيل المطالب بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا». ولو قدر له أن يشرح، لأخبرنا أن ما قصده بـ«غلابا» لم يقتصر على القوة بمعنى اللجوء للعنف والفتك والخشونة، لاسيما لو كان العنف سيقابل بالأعنف، والخشونة ستواجه بالأخشن منها، حتى وإن كان عنفاً له ما يبرره، حيث رد الحقوق ودرء الظلم.
من الظلم أن نعتبر 2023 برمته عاماً قاسياً بحروبه وزلازله وكوارثه الطبيعية. شهدت الأيام الأخيرة في العام اتفاقاً تاريخياً يحمل الأمل في دفع الدول بعيداً عن الوقود الأحفوري تجنباً للمزيد من التأثيرات الأسوأ لتغير المناخ. في دبي، وفي رحاب مؤتمر الأطراف بشأن تغيّر المناخ، أقرت 197 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي «اتفاق الإمارات» الذي يضع العالم فعلياً على طريق العمل المناخي الصحيح، إنقاذاً للكوكب وحماية للبشرية.
البشرية في 2023، كما شهدت حروباً وصراعات، شهدت علوماً وابتكارات بالمئات. على سبيل المثال، توصل علماء الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي لجهاز يرتديه الجراح على رأسه خلال إجراء العمليات الجراحية بالغة الحساسية والخطورة مثل: أورام المخ، يمكنه من الاطلاع على الواقع المعزز دون النظر إلى شاشة أو ورقة. ويوجهه هذا الجهاز بصرياً لإتمام الجراحة وتقليص هامش الأخطاء. وقائمة الابتكارات التي تحمي البشرية طويلة.
كان عاماً مليئاً بالحروب والأزمات، وأيضاً بالحلول والانكشافات، كما كشف الستار عن مفهوم أوسع للقوة التي تحتمل قوة التأثير والابتكار بجانب قوة المال والسلاح.